ارشيف من :أخبار لبنانية

المشهد الحكومي يزداد تعقيداً وغموضاً

المشهد الحكومي يزداد تعقيداً وغموضاً

سلطت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الضوء على المشهد الحكومي، مشيرةً الى انه يزداد تعقيداً وغموضاً على وقع المواقف التصعيدية والتوترات المتنقلة في الشارع.

الحريري وجنبلاط يردّان على مُخطَّط الاستدراج

بدايةً مع صحيفة "النهار" التي كتبت انه لم يعد الكلام عن "غرفة عمليات" تتولى توزيع الأدوار الهادفة الى توتير الأجواء الأمنية وربما تسخين بعض الشوارع من جهة وتصعيد الاشتباك السياسي على خلفية استعصاء تأليف الحكومة من جهة أخرى، مجرد توجس أو تقديرات سياسية مضخمة، بعدما تجاوزت حملة الشتائم المقذعة كل الخطوط الحمر والموانع الاخلاقية والمعنوية والقانونية وبلغت حدود التعرض للأعراض والكرامات ولم توفّر الشهداء ولا الأحياء. 

والواقع ان الساعات الأخيرة سجلت ما يمكن تصنيفه بالسقوط الفاضح للسلطة أمام الانتهاكات التي لا يمكن السكوت عنها في حملات التقذيع والانحطاط التي حملت نوعاً غير مسبوق من الاستفزاز المستهدف للشارع السني حصراً وتحديداً وكأن هناك مخططاً مقصوداً لاثارة الاستفزاز والفتنة عقب توزيع شريط فيديو للوزير السابق وئام وهاب أسقط فيه كل المحرمات في تهجمه على الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعائلته وابنه الرئيس سعد الحريري.

ومع ان الفيديو لم يكن منعزلاً عما سبقه وتلاه من فصول اضافية من هذه الحملة التي تستهدف الرئيس الحريري و"تيار المستقبل" بما يثبت أن ثمة مخططاً واضحاً وراء هذه الهجمة لم يعد اثباته يحتاج الى أدلة ما دامت لغة الاستفزاز لإثارة الفتنة، فإن مخاوف واسعة نشأت حيال صمت السلطة حيال هذا المخطط، خصوصاً ان الحملة قد تكون من أخطر الأمور التي تناولها اجتماع مجلس الدفاع الأعلى قبل يومين من باب درسه أوضاع الشارع في ظل التوترات الاخيرة، الامر الذي يتطلب اجراءات حاسمة سواء من خلال تحريك القضاء لملاحقة المتسببين بالتوتر والسعي الى إثارة الفتنة، أم من خلال اجراءات أخرى فورية من شأنها ان تشكل رسائل حاسمة الى كل من يسعى الى العبث بالأمن والاستقرار خدمة لمآرب مشبوهة.

وعلمت "النهار" في هذا السياق ان مستوى الخطورة في التعبئة الاستفزازية التي أثارتها هذه الحملة المشبوهة دفعت "حزب الله" الى التدخل لدى وهاب منعاً للايحاء بأن الحزب يغطّيه في تهجماته وحملته التي طاولت الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري. وقد اعتذر وهاب ليل أول من أمس عن اهانته التي تناولت الرئيس رفيق الحريري عقب اتصال تلقاه من مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا الذي دعاه الى التزام حدود الخلاف السياسي، وأكد ان الرئيس الراحل خط أحمر. وأبلغ صفا الأمر الى أحد القريبين من الرئيس سعد الحريري وتمنى عليه العمل لعدم تفلت الشارع خوفاً من "طابور خامس".


تقليص الدين العام مدخل لعلاج الأزمة

بدوهار، رأت صحيفة "الاخبار" أنه في عزّ الأزمة بين وزارة المال ومصرف لبنان بشأن تمويل عجز الخزينة، طُرحت مسألة تقليص القطاع العام وتجميد سلسلة الرتب والرواتب أو جزء منها. وزير الخارجية، حاكم مصرف لبنان، هيئات رجال الأعمال، المصارف، وغيرهم أيضاً، يزعمون أن ارتفاع العجز سببه الرواتب والتقديمات لموظفي القطاع العام، ما قد يفاقم الأزمة إلى انهيار الليرة. في الحقيقة، هؤلاء يقرّون بوجود «أزمة» ويتوقعون نهايتها. يدركون أن العلاج ليس مجانياً، وهم يمثّلون الفئة التي ترفض أن تدفع. يرفضون أي توزيع عادل للخسائر. يحاولون منع النقاش في تقليص الدين العام كمدخل للتصحيح. لكن معركتهم لن تكون سهلة، في ظل تمسّك القوى التي كان لها الدور الأبرز في إقرار السلسلة بالدفاع عنها.

فتحت مجموعة من رجال المال والمصارف والسياسة، النار على سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت في النصف الثاني من عام 2017 على اعتبار أنها المزراب الأكبر الذي تتسرّب منه أموال الخزينة وتزيد من تورّم عجزها. بشكل خبيث، يربط هؤلاء بين احتمال الانهيار النقدي وتورّم العجز وتنامي كلفة السلسلة. هم في الحقيقة يحاولون التعمية على أمرين: الأول أنها أزمة نظام، والثاني أن الحلول التي يجب مناقشتها لا يمكن إلا أن تكون شاملة. بهذا المعنى هم يريدون تكريس مبدأ مدّ اليد على رواتب الموظفين في القطاع العام، وعلى أجورهم وتقاعدهم وتعويضاتهم، ومنع أي تصحيح يتوجب لاحقاً لأجراء القطاع الخاص. هاتان المسألتان ليستا بسيطتين، بل تصبّان في جوهر الصراع القائم في لبنان منذ عقدين ونصف عقد. الفئات التي تنصّب نفسها خبيرة في «الحلول السحرية» للأزمة تملك النفوذ السياسي والمالي والإعلامي، وهي نفسها الفئات التي استفادت من «مزاريب» الخزينة وراكمت منها ثروات طائلة. هذه الفئات التي تكلّم يوماً باسمها رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس قبل أن يصبح مرشحاً للنيابة على لوائح التيار الوطني الحرّ، قائلاً: «نحن نُطاع ولا نطيع»، هي نفسها التي تصوّب على السلسلة استباقاً لأي نقاش في توزيع الخسائر العادل بين الأثرياء والفقراء.

المطالبون بتدفيع الحلقة الأضعف، أي موظفي القطاع العام والمتقاعدين، كلفة تصحيح لن يكون سوى «إبرة مورفين» في جسد النموذج المأزوم، لا يزالون قلة، رغم قدرتهم الهائلة على التأثير. الأعلى صوتاً بين هؤلاء اثنان: رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير (صاحب تأثير على الرئيس الحريري)، ونقولا شماس الذي يزداد مستوى تأثيره على رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، والذي رافقه في زيارته الأخيرة لصربيا. وفي ختام تلك الزيارة، عبّر باسيل عن إعجابه بالنموذج الصربي لجهة خفض رواتب القطاع العام. لكن السعي إلى إسقاط سلسلة الرتب والرواتب لن يكون أمراً يسيراً. فالقوى التي دفعت إلى إقرارها تتأهب للدفاع عنها. وأبرز هؤلاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال لـ«الأخبار» أمس إن «السلسلة حق للموظفين، ومن يطرح هذا الموضوع يجب أن يعرف أنه شرارة لثورة». وعلمت «الأخبار» أن بري ناقش الأمر هاتفياً مع الرئيس الحريري، «الذي أكد له تمسكه بالسلسلة»!

سباق بين صخب السجالات وكتمان المبادرات... والتفعيل ينتظر باسيل 

الى ذلك، اعتبرت صحيفة "البناء" انه بين صخب السجالات وكتمان المبادرات، تسرّب أن ثمة أفكاراً طرحها وزير الخارجية جبران باسيل ربما تنجح في خرق جدار الجمود، وأن السيطرة على التصعيد الكلامي محور مساعٍ حثيثة تلاقي موعد وصول باسيل عائداً من الخارج، حيث تنتظر مبادرته التفعيل.

ويبدو أن المشهد الحكومي يزداد تعقيداً وغموضاً على وقع المواقف التصعيدية والتوترات المتنقلة في الشارع، فبعد الموقف السلبي الذي لاقاه اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين من الرئيس المكلف برفضه استقبالهم في بيت الوسط والتحاور معهم حول عقدة تمثيلهم في الحكومة العتيدة، بادروا أمس الى تصعيد الموقف عبر سحب تنازلهم عن حقيبة وزارية، وجاء موقفهم بعد تعميم قول مصدر قيادي في «المستقبل» بأن «سنّة حزب الله لن يطأوا بيت الوسط»، الأمر الذي يرفع سقف التحدّي بين طرفي النزاع: اللقاء التشاوري والرئيس سعد الحريري الذي سارع الى الردّ على موقف معارضيه السنة بأنه باقٍ على موقفه.

وقال خلال ترؤسه مساء امس في بيت الوسط اجتماعاً ضمّ كتلة المستقبل النيابية وممثلي تيار المستقبل في القطاعات والهيئات المنتخبة: «لن أغير موقفي، وكلامي هذا ليس من باب التحدّي لأحد، إنما لإيماني المطلق بأن الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان، ولا يحلّ مشكلة الكهرباء أو النفايات أو المطالب الحياتية والمعيشية للمواطنين».


 

2018-11-30