ارشيف من :آراء وتحليلات

حرب باردة بين روسيا واميركا في سوريا ولبنان وفلسطين

حرب باردة بين روسيا واميركا في سوريا ولبنان وفلسطين

تطورات متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتفيد أن هناك مشهدا إقليميا متغيّرا، وأن المنطقة سائرة نحو خارطة سياسية جديدة، أبرزها: العقوبات الأميركية على إيران وحزب لله، حضور إسرائيلي أمني ووزاري في أكثر من دولة عربية وخليجية، محاولات التخلص من القضية الفلسطينية عبر "صفقة القرن،" الإستفاقة المثيرة في توقيتها لوقف حرب اليمن، تفعيل حراك الحل السياسي على الخط السوري. فهل تتجه المنطقة الى مواجهة روسية اميركية ام الى حرب باردة بينهما في الاقليم خاصة في سوريا ولبنان وفلسطين؟

فالعلاقات الإسرائيلية ـ الروسية تتسم بقدر من التشابك والتعقيد. من جهة يحرص كل منهما على علاقات ثنائية  تجلّت معالمها في التنسيق الأمني بينهما. ومن جهة أخرى، يؤدي تموضع كل منهما إلى  قدر من التعارض في المصالح على الساحة السورية.

مؤخراً، شكل التحدي العسكري الذي رفعته روسيا في وجه" إسرائيل" تطورا في المشهد الإقليمي، وأدخل سوريا في  مرحلة جديدة من التعقيد الإقليمي، وذلك، على أثر قرار القيادة الروسية بتحميل" إسرائيل" المسؤولية الكاملة عن إسقاط  طائرة استطلاع روسية خلال غارات شنّتها على اللاذقية في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، وبتزويد سوريا منظومة صواريخ  أرض  جو متطوّرة من طراز "إس  300 " للدفاع الجوي.

وذكرت المصادر أن وزارة الدفاع الروسية قطعت الاتصالات مع نظيرتها الإسرائيلية تماما، منذ تلك الحادثة، وأن ديوان الرئيس فلاديمير بوتين يرفض تحديد موعد للقاء نتنياهو، وفي  الآونة الأخيرة يتفاقم هذا الغضب، خصوصا بعدما قامت" إسرائيل" بقصف جديد على موقع قالت إنه إيراني في سوريا.

وكان موقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مفاجأة للإسرائيليين عندما اعتبر أن "تجدد القصف الإسرائيلي على أهداف سورية ليس فقط سيعرض الأمن للخطر، بل سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة". وتنبع أهمية هذا الموقف تحديداً، والرسائل التي تنطوي عليه، أنه يتعارض مع الرهان الإسرائيلي بأن مواصلة الضربات العسكرية، واللعب على حافة التدحرج نحو مواجهة واسعة سيدفع الروسي للضغط على الجانب الإيراني وعلى الدولة السورية، لكن النتائج كانت معاكسة لما راهنت عليه" إسرائيل"، فبدلاً من أن تكون وجهة الضغوط الروسية، نتيجة التلويح بالتصعيد الإسرائيلي، طهران، انقلبت رياح الضغوط واتجهت نحو تل أبيب.

السقف الروسي المرتفع في صيغة التنسيق تقول عنه تل أبيب أنه سيساهم في تقييد حركة سلاح الجو، وهذا ما أظهر منسوب القلق لدى مؤسسة القرار في تل أبيب والذي بدا  في تحذير وزير البيئة زئيف إلكين، من أنه في حال استخدم السوريون صواريخهم الدفاعية الروسية المتطورة، " فسيتم استهداف المنصات، حتى لو أدى ذلك إلى تهديد حياة العسكريين الروس الموجودين في مواقع الإطلاق. وذهب زميله وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان إلى التأكيد أن" إسرائيل" ستواصل هذا الخيار "لأن التمركز الإيراني في سوريا يشكّل خطراً وجودياً مستقبلياً على دولة "إسرائيل".

كما وتشير معلومات الى أن "إسرائيل" باتت تخشى جدياً من المعلومات المتداولة على نطاق ضيق بوجود اتفاق روسي ـ إيراني يقضي بمساهمة إيران وحزب لله في حماية ظهر القوات الروسية في سوريا، في مقابل حماية روسية جواً للقوات الإيرانية وحزب لله. والأهم احتمال أن يشمل ذلك الأجواء اللبنانية. وتحدثت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن إحتمال توسيع روسيا لنطاق عمل بطارياتها الدفاعية الجوية لتشمل لبنان.
 
وأما أسباب الاهتمام الروسي الزائد بالساحة اللبنانية، فإنها تعود الى:

ـ تدخل روسيا العسكري المباشر في سوريا  أكسبها نفوذا كبيرا واهتماما متزايدا بدول الجوار السوري وملفاتها.

ـ يكتسب لبنان أهمية فائقة لأنه قاعدة التمركز لحزب لله الذي بات، ومنذ تواجده العسكري في سوريا، لاعبا إقليميا.

ـ المصالح الاقتصادية لروسيا في لبنان الذي بات مدرجا على لائحة الدول النفطية و"الغازية"، وقررت روسيا الانخراط في عملية التنقيب عن الغاز في بحر لبنان عبر شركة "نوفاتيك الروسية.

ـ المبادرة الروسية الخاصة بملف النازحين السوريين وإعادتهم الى سوريا من بلدان الجوار.

ونسأل هنا، عن الدور الأمريكي في ظل هذا التمدد الروسي الى دول الجوار المحيطة بسوريا؟

ثمة إعتقاد بأن أجواء الحرب الباردة عادت بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، على خلفية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه على الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، متهما روسيا بانتهاك  المعاهدة التي وقعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ريغان وآخر زعيم للاتحاد السوفياتي (سابقا) ميخائيل غورباتشوف عام 1987، وتعتبر روسيا أن خطوات من هذا النوع، إذا وضعت موضع التنفيذ، ستجعل العالم أكثر خطورة. وهي تنتظر توضيحات من واشنطن، رافضة الاتهامات الموجهة إليها بانتهاك المعاهدة، خصوصا أن هناك عددا كبيرا من المشاكل في العالم التي يمكن  أن تحل بفضل الجهود المشتركة، مثل النزاعات الكبرى المستمرة منذ فترة طويلة، وفي مقدتها الملف السوري رغم الاختلاف بين أجندتين: روسية ترمي إلى التركيز على ملفي اللاجئين والإعمار، وأميركا تتمسك بأوراق الضغط والوجود العسكري شرق سوريا للدفع نحو انتقال سياسي.

لكن الولايات المتحدة  ليست مستعدة لهذا التعاون الكامل مع روسيا، بسبب الخلافات التي تتناول عددا من القضايا، على رأسها الوجود الإيراني  في سوريا، ورعاية واشنطن الأكراد. فموسكو لا تستطيع فرض خروج الإيرانيين من سوريا، وهذه نقطة خلافية، وتريد تأكيد واشنطن أنها لا تشجع أي مشروع انفصالي.

في الواقع، إن التفادي الأميركي لأي اصطدام بموسكو في سوريا لا يعني تطابقاً في الأجندة لدى الطرفين، إذ إن موسكو تعمل وفق روزنامة طويلة الأمد، بينما الإدارة الأميركية تعاني من ضغوطات داخلية تدفع نحو استعجال تحقيق أي  تقدم في منطقة الشرق الأوسط، أو في الملف السوري.

2018-12-01