ارشيف من :أخبار لبنانية

قضية ’الجاهلية’ تطغى على الأزمة الحكومية

قضية ’الجاهلية’ تطغى على الأزمة الحكومية

غاب الحديث عن الأزمة الحكومية خلال اليومين الماضيين لتطغى أحداث بلدة "الجاهلية" على المشهد العام للبلاد، بعد أن وصلت الأمور إلى شفير الهاوية وكادت أن تتدحرج كرة النار في الشارع.

ورغم أن الأمر بات فيها دماء على الأرض بسقوط محمد أبو ذياب، مرافق الوزير السابق وئام وهاب، إلا أن التعقل واحتواء الموقف كان الحكم، والاحتكام إلى القضاء تغلب على الانجرار الى المواجهة والتصعيد.

 

"الأخبار": الجاهلية تنجو من المجزرة

لم يكن مقرّراً أن يُصعِّد الرئيس سعد الحريري. قبل صباح يوم السبت الماضي، كان يُلملِم شارعه. حتى بعد انتشار الفيديو المسيء للوزير السابق وئام وهّاب، كانت الاتصالات السياسية والأمنية والقضائية تتّجه صوب «ضبضبة» القضية عبر تسوية تقضي بمثول وهّاب أمام القضاء اليوم. فما الذي دفع الحريري إلى اتّخاذ هذه الخطوة المجنونة؟ لم يكن مخططاً أن يكون نهار السبت ملتهباً. من دون سابق إنذار، اتّصل الحريري بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان طالباً توقيف وهّاب، وبالنائب العام التمييزي سمير حمود طالباً منه إصدار مذكرة إحضار. أبلغ الاثنان رئيس فرع المعلومات العقيد خالد حمود بضرورة التنفيذ: «عليك توقيف وهّاب اليوم».

استجاب الأخير وأرسل قوّة أمنية قوامها 150 عنصراً وضابطاً من القوّة الضاربة في فرع المعلومات بإمرة العقيد خالد عليوان. أثناء توجّه القوّة إلى الجاهلية، اتّصل رئيس لجنة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا بالعقيد حمود مستفسراً، وأبلغه أنّ حزب الله غير راضٍ عن هذه الخطوة. بعدها، اتّصل صفا بالقاضي حمود وحمّله رسالة واضحة وحاسمة: «حزب الله لن يرضى بما يحصل». كذلك اتّصل صفا بعثمان، فأبلغه الأخير أنّ القرار اتُّخذ بتوقيف وهّاب. كان الاتصال عاصفاً، إذ ردّ صفا بعنف محذِّراً من أنّ ذلك سيؤدي إلى حمّام دم، لا سيما أنّ القوة الأمنية كانت ضخمة. كتيبة عسكرية تضم 150 عنصراً وضابطاً مدجّجين بالسلاح والمصفّحات لتبليغ مدّعى عليه بالذم والقدح! سابقة لم يشهدها القضاء. هذا التحرّك دفع إلى الاعتقاد بأنّ هناك نية مبيّتة لتفجير الأمور، إذ إن هذا الكمّ من السلاح والعناصر الأمنيين لا يعني سوى أمر واحد: معركة مرتقبة إن رفض وهّاب تسليم نفسه.

وصلت القوة الأمنية إلى الجاهلية. بقيت آلياتها بعيدة نسبياً عن منزل وهاب الذي توجهت إليه سيارة وحيدة، على متنها قائد القوة العقيد عليوان وسائق ورجل أمن. لاقاهم عند المدخل مختار الجاهلية أجود بو ذياب الذي أبلغ عليوان بأنّ وهّاب اتّصل به لتسلّم التبليغ، مضيفاً: «الوزير ليس هنا، وهو سيقصد مقر فرع المعلومات الإثنين (اليوم) مع محاميه». في تلك الأثناء، بدأ إطلاق النار. كان غزيراً جداً، إلا أن أكثره كان في الهواء. أُصيب محمد بو ذياب الذي توفّي متأثراً بجراحه لاحقاً.
الوضع الميداني كان على حافة انفجار يمكن أن يؤدي إلى مجزرة. الاتصالات الأمنية والسياسية أكدت أن وهاب ليس في منزله، وأن تفادي الأسوأ يوجب سحب القوة الداهمة، وهو ما تمّ سريعاً. أخرج عليوان رجاله من البلدة، وقصد مع المختار مخفراً للدرك لتثبيت إفادته.
انتهت المفاعيل الأمنية للقرار السياسي الذي امتثل له القضاء والأمن الداخلي. وعلى سيرة القضاء، فإن محامين كثراً يؤكدون أن مذكّرة الإحضار التي طلب المدعي العام التمييزي القاضي تنفيذها بحق وهاب مخالفة للقانون. فاستدعاء الوزير السابق مبني على إخبار تقدّم به محامون، ومذكرة الإحضار لا تصدر في حالات مماثلة إلا عن قاضي تحقيق.

الجنون الذي سبق لا يبدو حدثاً طارئاً. بيان قوى الأمن الداخلي الذي روى ما جرى، تضمّن جملة اعتراضية تلخّص عقل من اتخذ قرار إرسال قوة عسكرية لتنفيذ مذكرة إحضار بحق سياسي قال محامون إن كلامه يمثل جرماً جزائياً. فبيان المؤسسة الرسمية قال إنه «بناءً عليه وبالتاريخ ذاته، توجهت قوة من شعبة المعلومات الى مكان إقامة وهاب في بلدة الجاهلية ــــ الذي كان وهاب نفسه قد صرّح مراراً بأنها عصيّة على الكون بأكمله ــــ بهدف إحضاره». كأنّ مديرية قوى الأمن، أو من أوعز إليها بكتابة هذا البيان، تريد أن تقول للرأي العام، بلا خجل، إن هدفها هو كسر كلمة وئام وهاب لا تنفيذ قرار قضائي!

 

"البناء": ردود فعل مستنكرة

وتوالت ردود الفعل المستنكرة لاستباحة المعلومات الجبل والاعتداء على مختار البلدة وعلى المواطنين وقتل أبو دياب، فيما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الاستنكار والتأييد لوهاب، وقد برزت إحاطة مشيخة العقل الطائفة الدرزية لرئيس التوحيد والالتفاف الشعبي والسياسي حوله، ودعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ ناصر الدين الغريب في تصريح إلى «مقاربة الأمور بالهدوء والحكمة ».

بينما أعلن رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان دعمه لوهاب متهماً جنبلاط باستباحة قرى الجبل، وقال: «مبروك لفرع المعلومات على هذه العراضة المعيبة التي حصلت في الجاهلية بالأمس ومبروك على الذي أصدر الأمر الهمايوني، ومبروك للنائب السابق وليد جنبلاط على استباحة الجبل والقرى تحت شعار تطبيق القانون القائم على الصيف والشتاء تحت سقف واحد». وأكد أرسلان في تصريح آخر، أنّ «وهاب لم يكن هارباً لكي يُصار إلى تبليغه بهذا الأسلوب الأرعن. عائلاتنا وأعراضنا في الجبل ليست مستباحة لأحد وعلى الدولة تحمّل مسؤوليّتها»، مشدّداً على أنّه «إذا كان جنبلاط هو حامي الجبل فعلى أمن الجبل السلامة».

وقد أكدت مصادر 8 آذار لـ «البناء» على أنّ «كل أحزاب وقوى 8 آذار داعمة لوهاب في وجه كسر حليف المقاومة»، ووصف النائب جميل السيّد المعلومات بـ «زلمة الحريري».

وفي أول تعليق لحزب الله قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد: « نحن لا نقبل بهذا الفحش ولا الشتيمة ولا التعرّض بالشخصي، لا للأحياء ولا للماضين، لكن ما نقبله لفلان لا نقبله لأحد ممن يتطاول على الآخرين، لا يبقي مقدساً عند الآخرين إلا ويهتكه ويتعرّض له ولا يحترم كبار الآخرين ولا صغارهم ويلقى التصفيق من بعض رجالات السلطة». ولفت رعد الى انه «ما حصل بالأمس من إرسال قوة مؤللة تحت حجة تبليغ دعوى للحضور إلى المحكمة، هذا أمر فيه تجاوز للقانون وأمر كان يخفي نية اعتقال لإذلال الشخص المطلوب وسوقه خلال أيام العطل ليبقى محتجزاً حتى يبيت ليوم الإثنين والثلاثاء. هذا الأمر في الحقيقة يجب على ساحتنا والمسؤولين أن يتجاوزوه ويترفعوا عن مثل هذه الأساليب، وخصوصاً أنهم ما زالوا يقدّمون أوراق اعتمادهم. حتى الآن لا يستطيعون أن يشكلوا حكومة ».

أما ما بدأ يدور في الأوساط السياسية فهو هل للأحداث الأمنية الأخيرة تداعيات سلبية أم ايجابية على مسألة تأليف الحكومة؟ مصادر في 8 آذار تشير لـ«البناء» الى أنّ «الكرة في ملعب الحريري، فإما يعود الى رشده ويقلع عن هذه الممارسات الميليشياوية واللجوء الى المعالجة السياسية والقضائية بقضية وهاب والتنازل حكومياً وإما يتشبّث بموقفه وبالتالي يفتح بيده باب اعتذاره واختيار البديل له»، وتُذكر المصادر بخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخير بأنّ زمن التواضع والتنازل قد ولى».

وعن علاقة حارة حريك بالمختارة كشفت المصادر بأنّ «العلاقة باردة جداً لكن لا قطيعة، إذا أنّ إبلاغ جنبلاط يتمّ منذ فترة طويلة عبر مستويات دنيا وبالتحذير والإنذار، حيث بادر الحزب أمس الى إبلاغ جنبلاط والحريري معاً بعدم الانجرار الى هذه اللعبة الخطرة».

 

"الجمهورية": الأمن يهتز والتأليف يتجمد

وكانت وقائع الساعات العصيبة التي عاشتها بلدة الجاهلية أمس الاول وأمس، ترافقت مع إجراءات أمنية إستثنائية في محيط مديرية قوى الامن الداخلي و«بيت الوسط» ومحيط منزل المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، وقد أفضت الى جملة معطيات ووقائع لعلّ أهمّها وقوع وهاب لأكثر من مرّة في خطأ التأكيد، أنّ تقرير الطبيب الشرعي يشير الى «نوع» الرصاصة التي اخترقت جسد بوذياب، في وقت أنّ تقارير الأطباء الشرعيين لا تتطرّق في قضايا مماثلة الى الجوانب التقنية لنوع السلاح المُستخدم، بل أنّ ذلك يدخل ضمن صلاحيات الأدلة الجنائية.

وفيما سطّرت «المعلومات» محضراً بالحادث بعد الاستماع في فصيلة بعقلين الى إفادة المختار أجود بوذياب، الذي أكّد أنّ القوة الأمنية التي كانت موجودة لم تطلق النار، وبأنّه شاهد محمد بوذياب وهو يطلق النار من الطبقة الثانية من منزل وهاب، إضافة الى إشارته الى إحتمال أن يكون بوذياب قد أصيب من جرّاء إطلاق النار الكثيف جداً الذي أطلقه حرّاس وهاب، وأنّه أبلغ الى الضابط أنّ وهاب سيتوجّه برفقة محاميه أو قد يرسل محاميه الى «شعبة المعلومات» اليوم الاثنين، فإن تقرير الطبيب الشرعي في المقابل الذي حصلت «الجمهورية» على نسخة منه، يؤكّد أنّ «حالة الوفاة ناتجة من الإصابة بعيار ناري دخل من يسار الصدر ومن مسافة غير قريبة واستقر في الخاصرة اليمنى»، وهذا يعني أنّ الرصاصة أتت من الأعلى الى الأسفل، وبالتالي هناك استحالة أن يكون العيار الناري قد انطلق من أمام منزل وهاب حيث كانت العناصر الامنية، مع العلم أنّ محمد بوذياب كان موجوداً في الطبقة الثانية من المنزل، فيما بقية المسلّحين يطلقون العيارات النارية في الهواء ومن أبنية مجاورة أعلى من منزل وهاب.

وافادت أوساط مطلعة، أنّه لو حصل إطلاق النار على عناصر «شعبة المعلومات» لكان أدّى حتماً الى مجزرة وكارثة كبيرة، لأنّهم كانوا سيضطرون للردّ على مصادر النيران. وأكّدت «انّ مجرّد عدم إطلاق مرافقي وهاب النار في اتجاه العناصر الامنية يعني أنّ هؤلاء لم يبادروا بطبيعة الحال الى إستهداف المسلحين المنتشرين في محيط منزله لا عند الوصول ولا عند الانسحاب».

وفيما جزم وهاب، وفق «تقرير الطبيب الشرعي» كما قال، أنّ الرصاصة التي أصابت بوذياب هي من نوع M16 أو M4، وأطلقت من سلاح أميري، تؤكّد مصادر أمنية أنّ الـ M4 هي من عيار 5,56 وان مرافقي وهاب يملكون هذا السلاح، وقد رُصدت صورة لأحد مرافقيه على «فايسبوك»، ممن كانوا يشاركون في إطلاق النار أول من أمس، ويدعى سماح حسام الدين، حاملاً بندقية M4!

2018-12-03