ارشيف من :آراء وتحليلات

ما سر الخمسة أسابيع التي طلبتها رايس؟

ما سر الخمسة أسابيع التي طلبتها رايس؟
كتبت ليلى نقولا الرحباني

طلبت كوندوليسا رايس من الموالاة  في لبنان خمسة أسابيع من المماطلة والتسويف وتعطيل الحلول، ووعدتهم بتطورات إيجابية تعيد الاعتبار لما خسروه ميدانياً على الارض، وتبدل في ميزان القوى السياسي، فلماذا هذه الاسابيع الخمسة، وما الذي يريد ان يقوم به الاميركيون خلال هذه المدة الفاصلة؟
- اسابيع خمسة تفصل العراقيين عن الوقت المحدد لعقد الاتفاقية الامنية الطويلة الامد، والتي تعطي الاميركيين في العراق القدرة على السيطرة على الاجواء وعلى البحر والبر، وتعطيهم حق اقامة ما يزيد على 50 قاعدة عسكرية دائمة في العراق، واستعمال اراضيه للقيام بعمليات عسكرية، واحتجاز من تشاء من المواطنين العراقيين والاجانب، واستخدام كل الاساليب التي تحتاجها ضمن اطار "حربها على الارهاب"، واستمرار إشراف القوات الأميركية ولمدة عشر سنوات على وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والمخابرات واحتفاظها بمعتقلات خاصة بها.. كل ذلك بدون العودة الى الحكومة العراقية، بل أكثر من ذلك ان الجنود الاميركيين والمرتزقة المتعاقدين معهم يتمتعون بحصانة تامة تجاه القوانين العراقية المرعية الاجراء.

- أعلنت كوندوليزا رايس عن أمرٍ ما يجري التحضير له في مزارع شبعا، بما يعني تحويلها الى الوصاية الدولية، وهذا لا يعني ان المزارع ستحرر بل ستنتقل من احتلال الاسرائيليين الى انتداب أممي، ما يعني عدم تحريرها وعودتها الى السيادة اللبنانية. هذا بالاضافة الى ما ظهر من ان الاسرائيليين يرفضون التخلي عن المزارع بدون مفاوضات مباشرة للتوصل الى معاهدة مع لبنان، ولنا في الاتفاقيات السابقة في التاريخ كاتفاقية 17 ايار عبرة لما يحضّر للبنان، ولما ينوي الاميركيون والاسرائيليون تحقيقه من خلال الدبلوماسية والسياسة، ما عجزوا عن تحقيقه من خلال الحرب والميدان، هو طرح سلاح المقاومة على بساط البحث وإحراج التيار الوطني الحر، بعدما يكون شرط السلاح الموضوع في وثيقة التفاهم قد سحب.

- تعليق تنفيذ اتفاق الدوحة، وذلك لاحباط الجمهور المعارض، وللابقاء على الصيغة الحكومية كما هي عليه الآن، والابقاء على حالة تصريف الاعمال في البلاد للوصول الى الانتخابات النيابية المقبلة، فتجري في ظل قانون الالفين، الذي يترافق مع ضخ كميات هائلة من البترودولار ما يؤدي الى اعادة الاكثرية الحالية سارقة التمثيل الشعبي ومزورة الارادة العامة الى المجلس النيابي فتكرس حكم الفئة المستأثرة لمدة اربع سنوات قادمة.

الخلاصة السياسية من مهلة الخمسة اسابيع التي يطلبها الاميركيون، تبدو مرتبطة الى حد كبير بالانتخابات الرئاسية الاميركية ومحاولة الادارة الحصول على انتصار في مكان ما في العالم، وخاصة في الشرق الاوسط بعدما فشل حلفاؤها في لبنان، وتبين ان جهود ثلاث سنوات من التعويم والتدريب والامداد بالاسلحة والمال والمساندة الاعلامية لم توصل هذا الفريق الى تحقيق اي انتصار فعلي، ولم يستطع اكتساب الرأي العام، بل انها سرعان ما انهارت ميدانياً بساعات معدودة، وسياسياً بأيام قليلة.

وما يعول عليه الفريق الاميركي من احراج للتيار الوطني الحر وحزب الله في موضوع السلاح مردود الى اصحابه لان السلاح مرتبط بحماية لبنان من الاخطار الاسرائيلية، وهي لم تنته وما زالت تزداد يوماً بعد يوم.

وكذلك الامر في فلسطين والعراق حيث تتصاعد المقاومة يوماً بعد يوم، ويجد حلفاء اميركا انفسهم محرجين في الداخل والخارج. اما بالنسبة الى سوريا وايران، فإن الوضع السياسي والدبلوماسي بالنسبة للبلدين ـ اللذين وضعا في قائمة الاهداف المستقبلية للادارة الاميركية بعد غزو العراق ـ  ازداد صلابة، لا بل ان وضعهما اليوم لهو أفضل بكثير مما كان عليه منذ ثلاث سنوات.

تعتقد الادارة الاميركية ان توقيع الاتفاقية الطويلة الامد مع العراق سوف يمنع اي رئيس مقبل، ديمقراطياً كان ام جمهورياً، من ان يسحب القوات الاميركية من العراق كما تعهد باراك اوباما في حملته الانتخابية، وهذا ما قد يزيد في حظوظ المرشح الجمهوري جون ماكين في الوصول الى البيت الابيض، ويراهن الأميركيون اليوم على تعليق اتفاق الدوحة للضغط على الموقفين السوري والإيراني من المعاهدة، ولفرض تدخلات سورية وإيرانية تخفض من سقف الشروط العراقية حول المعاهدة بعد موجة الرفض المتعاظمة لمعاهدة بوش داخل العراق شعبياً وسياسياً.

ظهر جلياً مدى الارتباط الوثيق بين كل من لبنان وفلسطين والعراق، ومن يعتقد من اللبنانيين الموالين ان الاميركيين مستعدون للتضحية باستراتيجيتهم المعتمدة في العراق من أجل دعمه والحفاظ عليه في لبنان، هو واهم، فالاهم بالنسبة للادارة الاميركية في هذه المرحلة الحرجة الضيقة الوقت، هو الملف العراقي الآن بعدما تبين ان المقاومة في لبنان هي من المناعة والقوة بمكان بحيث يتعذر إمرار المشاريع الاسرائيلية المشبوهة، لذا يبقى الانتصار في العراق مع ما يستدعيه من تقديم تنازلات للسوريين والايرانيين هو الاهم. فهل تتعظ الموالاة في لبنان؟

الانتقاد/ العدد1275 ـ 24 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-24