ارشيف من :آراء وتحليلات

خسائر بالجملة

خسائر بالجملة
كتب إبراهيم الموسوي

الأزمة مستمرة في موضوع تشكيل الحكومة العتيدة، وإن ارتفع منسوب التفاؤل ليل أمس بقرب إمكانية تشكيلها، أسباب الأزمة لم تعد خافية، لها الكثير مما يبررها، ولكن التفاؤل غير مؤكد، وهناك الكثير مما يمكن أن يعطله أيضاً، ما يسمى بالأكثرية، أو فريق 14 شباط ما زال يماطل، أغلب الظن أنه مرتاح إلى أدائه الكيدي ومناكدته المستمرة التي تفرض التعطيل، في الأمر ما يشبه التعويض المعنوي عن الهزائم الماضية، في السياسة والأمن، ليست المشكلة أن الموالاة تريد أن تمنع المعارضة من استثمار مكاسبها في بيروت والجبل وصولاً إلى اتفاق الدوحة.

فالمعارضة، وإن طال الزمن، ستحصد المكاسب وربما تكون أكثر وأكبر مما ستحصد الآن، ذلك أن فريق الموالاة، وهو يسعى يائساً إلى التعويض، وتحسين الشروط ومنع الفريق الخصم من الاستثمار، يراكم أيضاً الفشل تلو الفشل، ويكرّس هزيمته في مواقع نفوذه الأساسية، فيما المعارضة ستربح مجدداً وفي نقاط عدة، لأن الموالاة ستضطر إلى المرور عبر المعبر الإلزامي لتشكيل الحكومة، إلا اذا كان في حسبانهم الانقلاب كلياً على اتفاق الدوحة، فساعتئذٍ لن يكون الكلام كلام خسارة وربح.
المشكلة والحقيقة أن فريق الموالاة، ما زال يتصرف على أساس عدم تصديق أنه مني بهزيمة كبيرة، وهو بالتالي لم يهضم خسارته، ويريد مكابرة ونكراناً أن يتصرف على أساس أنه ما زالت لديه القوة والقدرة للتعطيل والمناورة والتسويف والمماطلة، ولكن المشكلة الأكبر لهذا الفريق ستكون عندما يدرك حجم الخسارة التي تترتب على ركوبه مغامرة المكابرة.

فؤاد السنيورة مثلاً، يتصرف في الموضوع الحكومي وكأنه ملك متوّج لا يهتم للتأخير، ويأخذ وقته ووقت اللبنانيين، ووقت البلد بأكمله على أساس أنه مرتاح على وضعه (ألم تكلفه الأكثرية؟!)، فهل يكفي ذلك سبباً، أم سيتبع سبباً آخر، وعندما طالبته قوى المعارضة، والرئيس سليم الحص بعدم جواز التلكؤ والاستمرار في التعطيل، أو الاعتذار، أجابهم كما أجاب ما يزيد على المليون ونصف المليون لبناني الذين تظاهروا في 1 و10 كانون الأول من العام 2006 بأنه لن يرفّ له جفن.

متى يرف جفن السنيورة؟ يرف جفن السنيورة عندما تأتيه وزيرة الخارجية الأميركية رايس فيتأسف ويتأسى، وربما يبكي أيضاً، ممتدحاً صبرها وأناتها وطول بالها (على ماذا؟) طبعاً على احتمالها وجود مقاومين شرفاء في السياسة والعسكر في هذا البلد يعطلون مشروع بلادها ومشروع ربيبتها وحليفتها (إسرائيل) في لبنان والمنطقة.

أحالت الموالاة اتفاق الدوحة إلى "دوخة" لكل من يتابع مواقفها، تتصرف وكأن البلد بألف خير فيما الويل يحيط باللبنانيين من كل جانب، كأن البلد على خط سير أزمات متزاحمة لا تنتهي، في الأمن والسياسة والاقتصاد والاجتماع، لم يحسن فريق السلطة التقاط العديد من الفرص المتاحة، وخاصة أن ما تطلبه المعارضة لا يزيد عن التسوية المقبولة، والتي لا يبهظ ثمنها، لم تتعاط قوى المعارضة بمنطق المنتصر، ولا هي فرضت شروط الغالب على المغلوب، ولكن الموالاة مستمرة في منطق "قالب ومقلوب" متناسية أن انقلابها لم يجلب لها سوى الهزائم، ولم يجلب للبلد إلا الخسائر بالجملة.

اليوم يعكف فريق الموالاة على هدف أساسي، وهو انتزاع إحدى أهم أوراق القوة من يد لبنان ممثلة بالمقاومة وسلاحها، فالسلطة تحاول القفز والتعالي في موضوع تحرير المزارع باتجاه محاولة طرح موضوع السلاح من خارج الأجندة لتلتقي مع مساعٍ دولية وإقليمية في هذا المجال.

بالمقابل، تبرز نقطة الضوء من خلال عملية التبادل المرتقبة بين حزب الله والعدو، والتي سيخرج بموجبها أبطال المقاومة من أسر الاحتلال إلى رحاب الحرية لتعطي مجدداً المؤشر الحقيقي حول كيفية انتزاع النصر وحماية السيادة واستعادة الحرية والاستقلال من دون مساومات تكبل لبنان وأهله بشروط مهينة ومذلة! هنا منطق الأرباح الصافية الخالصة، هنا القيمة الحقيقية الإضافية المستدامة، طبعاً، كل هذا بفضل تضحيات جسام قُدمت وأرواح طاهرة ارتفعت ودماء زكية سُفكت، لكنها معادلة الحرية والاستقلال والكرامة التي لا تدخل في حسابات سلطة الموالاة.. وليس عندها منها إذا وجدت إلا النزر اليسير!

الانتقاد/ العدد1276 ـ 27 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-26