ارشيف من :آراء وتحليلات

لأن جوهر الصراع في لبنان هو هو..هل بات اتفاق الدوحة على المحك؟

لأن جوهر الصراع في لبنان هو هو..هل بات اتفاق الدوحة على المحك؟
كتب مصطفى الحاج علي

هل ثمة تقاطع يجمع بين استعصاء حكومة الوحدة الوطنية على التأليف حتى الساعة، والمواجهات الأمنية المتنقلة في هوامش الجغرافيا السياسية والمذهبية في لبنان، بعدما بدا واضحاً مؤخراً أن هناك ما يشبه التوافق الضمني على تحييد العاصمة، كما أن هناك من يعمل بالفعل ولحسابات وهواجس واقعية أو غير واقعية على تحييد منطقة الجبل والشوف أيضاً من هذه المواجهات، أم أن لهذه المواجهات سياقاتها الخاصة، وميكانيزماتها الذاتية، وإن كانت نتائجها قابلة للتوظيف في المديين المتوسط والبعيد، من دون أية ضمانات كافية لنجاح عملية التوظيف هذه؟

هذه الأسئلة التي تحاصر اللبنانيين اليوم، تتطلب مقاربتها موضوعياً استدعاء جملة ملاحظات أبرزها:

أولاً: من نافل القول، إن اتفاق الدوحة ولد تحت ضغط الحديد والنار، ولم يقبل به فريق الموالاة وأسيادهم الاقليميون والأميركيون إلا على مضض، ولتدارك ما هو أسوأ، ومن دون التخلي عن هدفهم الثابت والاستراتيجي المتمثل بالحفاظ على صفة الأكثرية لهذا الفريق، ما يمكّنه من الاستمرار بالإمساك بقبضة القرار السياسي، وإن من منطلق التفوق النسبي.

ثانياً: إن بلوغ هذا الهدف له أحد الطرق الثلاثة الآتية:

أ‌ ـ الإبقاء على قانون غازي كنعان للعام ألفين باعتباره القانون الأمثل لانتزاع صفة الأكثرية، وهذا كان من عدة الشغل السابقة لأحداث أيار.

ب‌ ـ التمديد للمجلس النيابي الحالي، وهذا بدوره يقتضي توفير شرطين رئيسيين: الأول، عدم إقرار قانون انتخاب جديد، والثاني، وهو الأهم إيجاد ظروف ومبررات تحول دون إجراء عملية الانتخاب. وهنا، تبدو الظروف الأمنية هي الظروف المثلى لتحقيق هذا الهدف. وهذا يعني في أحد وجوهه الانقلاب على اتفاق الدوحة، وبالتالي عكس عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا ما يبدو محفوفاً بالكثير من الحسابات المغامرة والخطرة في آن.

ج ـ المحافظة على اتفاق الدوحة، لكن من ضمن سيناريو يؤدي إلى حسم مصير الانتخابات النيابية قبل حدوثها بزمن، وساحة معركة الحسم هذه هي التركيبة التي سترسو عليها حكومة الوحدة الوطنية، ذلك أن كل الحسابات السياسية والانتخابية  تعتبر أن مصير نتائج الانتخابات النيابية هو بحكم المحسوم سلفاً في مجمل المناطق الاسلامية ذات اللون الواحد وصولاً حتى إلى الشوف وعاليه، وبالتالي فإن المعركة الانتخابية ستخاض أكثر ما تخاض في المناطق المسيحية وتحديداً في منطقة جبيل ـ كسروان، حيث أن الصوت المسيحي هو من سيقرر الجهة التي ستؤول اليها الأكثرية، ولذا، جرى، أو يعمل على خوض معركة تهشيم للعماد عون وتياره وفق خطة مركبة أبرز عناصرها يأتلف من: أولاً: عدم منح عون ما يستحق من وزن تمثيلي ينسجم مع حجم كتلته النيابية والشعبية، أي عدم منحه حقيبة سيادية يستحقها عن جدارة، وعدم منحه حقائب وزارية وازنة تؤكد وتثبت الحجم التمثيلي للجنرال.

 ثانياً: إنشاء تحالف مسيحي عريض يمتد من الرئاسة الأولى، ويمر بالبطريركية المارونية، ومسيحيي 14 آذار، وقرنة شهوان، وصولاً إلى بيت المر.

 ثالثاً، شن حملة اعلامية مكثفة ضد عون لتهشيم صورته مسيحياً من خلال افتراءات تطاله وتطال حلفاءه.

وفي هذا الإطار، تبدو واشنطن مرتاحة لبعض الحسابات الخاصة: تكليف السنيورة رجلها في لبنان بمهمة تشكيل الحكومة، ووجود قناعة لديها بأن المعارضة لن تستطيع مجدداً استخدام ورقة أحداث أيار، لأنها من نوع الأوراق التي لا تستخدم الا مرة واحدة فقط، وأخيراً، لقد تمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي جرى ملء الفراغ في أحد مكوّنات السلطة الأساسية في هرمها اللبناني.

ولأن واشنطن ترى في اتفاق الدوحة انجازاً سياسياً للمعارضة عموماً ولحزب الله تحديداً، وهي تعتبره بمثابة الوجه السياسي لانتصاره في عدوان تموز، فإنها تبذل كل ما في وسعها لعدم تكريسه بكل تداعياته المقبلة، حتى لا يتم اعادة صياغات مكونات السلطة وفق التوازنات القائمة شعبياً وسياسياً، ولذا، فإن واشنطن لا تظهر عجلة في تأليف الحكومة حتى لو كان ذلك على حساب العهد نفسه، فما يهم واشنطن هو منع المعارضة من ترجمة انتصارها الميداني إلى انتصار سياسي كامل، وبذلك يكون الصراع ـ في جوهره وروحه ـ قد عاد إلى المربع الأول الذي قام بعد عدوان تموز، حيث كان كل الجهد الاميركي وعبر أدواتها في لبنان والمنطقة ينصب على منع المقاومة من ترجمة انتصارها العسكري إلى انتصار سياسي.

ثالثاً: في هذا الإطار من الحسابات السياسية، تتموضع المواجهات الأمنية المتنقلة بقاعاً أوسط وشمالاً، من دون أن يلغي هذا التموضع الأسباب الذاتية والموضوعية المباشرة لهذه المواجهات، والتي يمكن حصرها بالتالي:

أ ـ الانهيار الشامل لمنظومة السلطة في لبنان بما فيها أدواتها المركزية التي تعاني اليوم من شلل وعجز يكادان يساويان بين وجودها وعدمه.

ب ـ الانهيار الشامل الذي أصاب تيار المستقبل بعيد أحداث أيار، وهو انهيار صوحب باتجاه تشكيكي كبير في قياداته، وفي صلاحيته المذهبية، ما أضعف من القبضة المركزية الماسكة بجسمه الرخو والهلامي أصلاً، وفتح بالتالي الطريق واسعاً لعملية تفلت، من جهة، ولعمليات منافسة ومحاولات فرض شراكة وظيفية من جهة أخرى.

ج ـ الحاجة إلى التموضع المذهبي، وافتعال أعداء مذهبيين مقابلين، لشد العصب، وإعادة اللحمة، والذهاب لاحقاً إلى الانتخابات على ظهور حملات تحشيد مذهبي حاد.

د ـ استغلال بعض ما يجري لتصفية حسابات قديمة، أو لخلق بيئات نظيفة مذهبياً.

هـ ـ ايجاد حال اشغال أمني كبير عن الملفات السياسية والاقتصادية والمعيشية المتفاقمة والمنذرة بأخطار وتداعيات اجتماعية بالغة الخطورة.

و ـ استثمار ما يجري في سياق الحملة المستمرة على سلاح المقاومة، ومن ضمن الأهداف الأميركية الثابتة والمرسومة لفريق السلطة.

ز ـ ابقاء كل الاحتمالات مفتوحة، بمعنى أنه إذا تعذر اضعاف عون، وتعذر تشكيل الحكومة بالشكل المناسب، فلا أقل من ابقاء الأمور على ما هي عليه لتبرير التمديد للمجلس الحالي، ولعدم الالتزام بكل بنود اتفاق الدوحة.

رابعاً: كل ما تقدم يضعنا أمام لعبة حسابات بالغة التعقيد، ومفعمة بالمغامرة غير المضمونة النتائج، وثمة مؤشرات كثيرة على أن فريق الموالاة يذهب من اخفاق إلى اخفاق، وهو لم يعتبر من كل أخطائه السابقة، ومكره ومكر سيده الأميركي السيئ لن يحيق إلا به.

الانتقاد/ العدد1276 ـ 27 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-26