ارشيف من : 2005-2008

حقا إنها كارثة حقيقية!

حقا إنها كارثة حقيقية!

محط أطماع هذا الكيان، وكتب عنها المسؤولون الصهاينة الاوائل بشكل مباشر وصريح، من بن غوريون إلى موشيه شاريت الى موشيه ديان، في مذكراتهم ورسائلهم التي اختطوها.‏

إلا أن هذه الكارثة، وبناءً على التجربة التاريخية، تبين أنها تتسع وتضيق، تشتد وتضعف وفق عدة عوامل، من أبرزها، وعي واستعداد قادة وشعب لبنان لمواجهتها ودفعها.‏

في هذا السياق يبدو أن حركة التاريخ بدأت تنحو منحى مختلفاً عبر تبلور كارثة من نوع آخر، لكن هذه المرة في الجبهة الثانية من المعادلة، أي المخطط الاميركي الإسرائيلي الذي يستهدف لبنان والمنطقة، بعد النتائج الكارثية التي نزلت بالجيش الاسرائيلي على مدى 33 يوماً من القتال.‏

أن يشن الجيش الإسرائيلي، الأقوى على مستوى الشرق الأوسط، حربا على أصغر دولة عربية ثم لا تتمكن دباباته وآلياته، التي كانت تجتاز كيلومترات في حروب سابقة خلال ساعات، من التقدم سوى لأمتار معدودة خلال أيام من القتال الأسطوري، حقاً إنها كارثة حلّت بهذا الكيان المتغطرس، وبكل الرهانات والمسارات السياسية التي أعد لها، وكان من المفترض أن تنتجها وتدفع بها هذه الحرب، بل وإنها كارثة حقيقية أيضاً.‏

أن تجهِّز "إسرائيل" معتقلاتها لاستقبال الآلاف المفترضة من عناصر حزب الله ويشحذ مراسلوها وإعلاميوها كاميراتهم بانتظار طوابير المجاهدين وهم يرفعون أيديهم وبملابسهم الداخلية (على حد تعبير معلقين عسكريين) ثم لا يتمكن الأربعون ألف جندي ـ الذين أعلن العدو أنهم خاضوا المعركة ضد حزب الله ـ المجهزون بأحدث الأسلحة البرية والبحرية والجوية، من اعتقال سوى بضعة مجاهدين بعد 33 يوماً من القتال الضاري، وتخيب آمال "إسرائيل" وآمال من راهن على مشاهد كهذه. ويعلن الإسرائيليون أنفسهم أنها الحرب الأولى مع العرب التي لا تتخللها مشاهد من هذا النوع.‏

حقا إنها كارثة (...) بل كارثة حقيقية أيضاً.‏

أن تتوقف الحرب ويتحول التمسك بسلاح المقاومة بنظر أغلبية الشعب اللبناني إلى مطلب يشكل أي تخلّ عنه في ظل الأخطار والتهديدات الإسرائيلية، خيانة عظمى... وتبقى المقاومة، خاصة جنوبي الليطاني، على جهوزيتها، وتستعيد استكمالها على كل المستويات بما فيها التسليحية وبعد أيام من توقف الحرب... وأن تستهدف المقاومة عمق الكيان الاسرائيلي للمرة الأولى منذ العام 1948 رداً على استهداف العمق اللبناني، وأن تهدد المقاومة عاصمة كيانه رداً على تهديد العاصمة بيروت. حقاً انها كارثة (...) بل كارثة حقيقية ايضاً.‏

أن يتم استحضار الأساطيل والجيوش الاجنبية للمرابطة قبالة الشاطئ اللبناني بإعداد وإنتاج اميركي اسرائيلي وتواطؤ رسمي لبناني (قوى 14 شباط) في محاولة تعويض عن فشل الفيالق الاسرائيلية، يعكس، فيما يعكس، اهتزازاً للدور الوظائفي للكيان الاسرائيلي، كونه الشرطي الامين والعصا الغليظة التي تلجأ اليها الإدارة الأميركية لتنفيذ مخططاتها. حقا انها كارثة (...) بل كارثة حقيقية أيضاً.‏

أن تضطر الولايات المتحدة، بعد فشل وعجز أتباعها في الداخل اللبناني عن نزع سلاح حزب الله، الى استخدام ورقة الاحتياط الأقوى والأعنف والأشد، الممثلة بذراعها العسكرية في المنطقة (إسرائيل) ثم تفشل هذه الدولة العظمى الإقليمية بفيالقها في ما فشل به صغار القوم في لبنان، حقاً إنها كارثة (...) بل كارثة حقيقية أيضاً.‏

بعدما "زهدت" الادارة الاميركية و"إسرائيل" وقوى 14 شباط بأهدافها في الحرب جراء تبيان استحالة تحقيق الحد الأقصى، تفكيك حزب الله، نزع سلاحه، الإطلاق الفوري غير المشروط للجنديين الإسرائيليين الأسيرين... وأملت هذه القوى الدولية والإقليمية والمحلية بأن تكون الحرب قد فضت الجماهير من حول حزب الله... ثم يُصدم هؤلاء جميعاً بمهرجان الانتصار غير المسبوق في تاريخ لبنان كماً ونوعاً (التنوع). حقا إنها كارثة ألمّت بقوم تهون دونها الكوارث.‏

جهاد حيدر‏

الانتقاد/ العدد 1182ـ 29 أيلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29