ارشيف من : 2005-2008

هل ينجح شافيز في الحصول على مقعد في مجلس الأمن؟

هل ينجح شافيز في الحصول على مقعد في مجلس الأمن؟

من خلال توقه إلى الحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي، فيما ترغب الولايات المتحدة الأميركية في أن تقطع الطريق على هذا الرئيس المتمرد على سياستها، والذي أصبح في طليعة المناهضين للامبريالية الأميركية. وتبدو المواجهة حامية، والمهمة صعبة على الأميركيين.‏

ويجمع معظم المحللين في الغرب أن شافيز بات يمثل الوريث الآخر للزعيم الكوبي فيديل كاسترو، الذي سلّم السلطة في الداخل إلى شقيقه راوول. أما في الخارج فإن الأمور تسير كما لو أن كاسترو اختار شافيز البالغ من العمر 52 عاما ـ وهو في سن ابنه ـ وريثه الروحي.‏

وعلى أكثر من صعيد عوّض مهندس "الثورة البوليفارية" منذ سنتين، زعيم الثورة الكوبية على الساحة الدولية..‏

لقد قاد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 إلى تدمير الاقتصاد الكوبي، وإلى لجم الطموحات التصديرية للزعيم الكوبي: فالزمن لم يعد زمن إرسال القوات المسلحة الكوبية إلى أفريقيا لنصرة الثورات المحلية في مواجهة أعدائها، ولا للجولات الانتصارية لفيديل كاسترو حامل الخطاب الثوري حول العالم، فذاك الزمن أصبح جزءا من مخلفات الحرب الباردة.‏

في الوقت الحاضر أصبح رسل الثورة الكوبية أطباء ترسلهم هافانا من دون عائلاتهم إلى البلدان التي تتعرض للكوارث، أو إلى فنزويلا حيث يُستخدمون كعملة مقايضة للنفط التي لا تستطيع كوبا واقتصادها الضعيف أن تشتريه بأسعار السوق العالمية: 20.000 طبيب وممرضة لأحزمة الفقر في كاراكاس مقابل 90.000 برميل من النفط يوميا، أي ما يعادل نصف الاحتياجات الكوبية من الطاقة.‏

وبالمقابل أسهم ارتفاع أسعار النفط في جعل هوغو شافيز رئيسا قويا لفنزويلا، خامس منتج للنفط في العالم. وليس خافيا على أحد أن شافيز الذي تحول بدوره إلى رجل دولة قوي يجوب العالم، بات يوظف العائدات الكبيرة من النفط للتأثير في الوضع الإقليمي والدولي، وتكوين لوبي فعال من أجل الحصول على مقعد في مجلس الأمن..‏

إن لأميركا اللاتينية مقعدين غير دائمين في مجلس الأمن تشغلهما حالياً البيرو والأرجنتين، وستنتهي مدتهما نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل لغياب التوافق بين بلدان المنطقة على تعيين البديل الذي يجب أن يُنتخب من الجمعية العامة بأغلبية الثلثين. والآن غواتيمالا المرشحة المنافسة على المقعد بدعم كبير من واشنطن، ومن أجل الحصول على 128 صوتا ضروريا لانتخاب فنزويلا، فإن شافيز لا يدّخر جهدا في سبيل ذلك، ولا يخشى الصداقات الغريبة.‏

وبوصفه الرئيس المرشح والمفضل لدى الناخبين لإعادة انتخابه يوم 3 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، فإنه يسمح لنفسه بأن يسافر إلى كل أصقاع المعمورة. فقد قادته الجولة الأخيرة إلى كل من الصين وماليزيا وسوريا وأنغولا، مع توقف في هافانا عند الذهاب والعودة، لكي يزور صديقه كاسترو المريض..‏

ويعتقد السياسي جيراردو أريلانو أن "الانتخاب في مجلس الأمن هو فكرة غريبة لرئيس الدولة الذي لم يستشر أحدا حول هذا الموضوع، وأن انتصارا مرجحا سوف يُستخدم بكل تأكيد في الحملة الانتخابية".‏

الرئيس الفنزويلي واثق منذ الآن من مساندة عضوين دائمين في مجلس الأمن هما روسيا والصين، فقد التزمت كاراكاس بتسليم 500.000 برميل نفط يوميا إلى العملاق الصيني بدءا من الآن لغاية العام 2010 (بدلا من 150.000 برميل في الوقت الحاضر). ومن جهتها وعدت الصين باستثمار حوالى 5 مليارات دولار في القطاع النفطي الفنزويلي.‏

وفي سوريا أعلن الرئيس شافيز عن بناء مصفاة بترول بقدرة 200.000 برميل يوميا. ووقّع اتفاق بخصوص الطاقة مع لواندا "الذي يسمح لأنغولا بالتحرر من هيمنة الشركات النفطية الغربية" كما جاء في إعلان الحكومة الفنزويلية. وخلال الأشهر الخمسة عشر، أقامت كاراكاس علاقات دبلوماسية مع أحد عشر بلدا أفريقيا.‏

شافيز الطامح إلى تشكيل جبهة عالمية لمناهضة الامبريالية الأميركية، مستلهما في ذلك الإرث البوليفاري العظيم للتعبير بشجاعة عن ضمير أميركا اللاتينية التائقة إلى التحرر والوحدة، قد تجاوز أيضا فيديل كاسترو كقائد لليسار الثوري في أميركا اللاتينية. تدريجيا وبصرف النظر عن كل وزنه التاريخي، فإنه ليس الأب العجوز للثورة الكوبية، الذي صمد منذ عام 1959 أمام عشرة رؤساء أميركيين متتابعين، وحصار اقتصادي فرضته الولايات المتحدة الأميركية، وإنما الكولونيل الفنزويلي الثائر صاحب الخطاب الناري غير المستنفد، هو الذي اعتلى قيادة المعركة ضد الامبريالية الأميركية، جامعا في طريقه إيفو موراليس من بوليفيا وكل المناهضين للعولمة الأميركية.‏

إنه شافيز أيضا، أكثر منه فيديل كاسترو، الذي أصبح الرئيس الذي لا يطاق، مجبرا في ذلك قيادات اليسار المعتدل مثل البرازيلي لولا دي سيلفا والتشيلية ميشال باشليت على القيام بعدة التواءات لإخفاء خلافاتهم عقب القمم الإقليمية، أو مرتكبا أحداثا دبلوماسية مع المكسيك.. وإنه شافيز أيضا، هو الذي يسعى إلى تحويل منظمة التجارة الأميركية الجنوبية ـ الماركوسور ـ إلى أداة مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي حضرها كاسترو كضيف قبل أيام من إصابته المرضية.‏

المعركة التي يخوضها هوغو شافيز على الصعيد الدولي تكمن في الحصول على مقعد في مجلس الأمن، وفي هذا السياق يعتمد شافيز على دعم البلدان الأعضاء في الاتحاد الجمركي لأميركا الجنوبية (الماركوسور)، وبطبيعة الحال كوبا وبوليفيا ستكون أصواتهما لفنزويلا الحليف المفضل. وسيحذو حذوهما حوالى خمسة عشر بلدا من دول الكاريبي. وبالمقابل فإن المكسيك وكولومبيا اللتين يحكمهما اليمين وخمسة بلدان من أميركا الوسطى أعلنوا تأييدهم لغواتيمالا. وقد تبنى الموقف عينه رئيس البيرو الجديد آلان غارسيا، بعد أن هزم في انتخابات حزيران الماضي المرشح الوطني أولانتا هومالا المدعوم بقوة من قبل شافيز.‏

لقد عرفت فنزويلا كيف ترسمل لمصلحتها التخلي الدبلوماسي للولايات المتحدة عن أميركا اللاتينية، التي أبعدت إلى النسق الثاني بعد أحداث 11 أيلول.‏

وكانت قمة حركة بلدان عدم الانحياز (حضرها 116 بلدا) التي عقدت مؤخرا في كوبا مناسبة سمحت لفنزويلا بزيادة تعبئتها لنيل المزيد من التأييد الدولي. وأسهمت مواقف شافيز المؤيدة للقضايا العربية على الساحة الشرق الأوسط، لا سيما عندما شبّه العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان بالهولوكوست النازي، الأمر الذي دعاه إلى سحب السفير الفنزويلي من الكيان الصهيوني احتجاجا على ذلك العدوان، وهو موقف لم يجرؤ على اتخاذه بعض الحكام العرب، قد عزز من رصيد شافيز الانتخابي على صعيد العالم العربي والإسلامي. ولا ننسى أن فنزويلا عضو في منظمة "أوبك" التي تضم سبع دول عربية.‏

أما اللوبي الغواتيمالي فلن يكون له تأثير على التحرك الفنزويلي، حتى أن العديد من الحكومات التي لا تحمل قناعات شافيز الثورية ستصوت له بهدف خلق توازن تجاه الهيمنة الأميركية في مجلس الأمن، ولأن الكل يعترف بشجاعة الرئيس شافيز، "فما يجرؤ شافيز على قوله بصوت عال يخاف الآخرون حتى من التفكير فيه" حسب قول دبلوماسي غواتيمالي.‏

الانتقاد/ العدد 1182ـ 29 ايلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29