ارشيف من : 2005-2008

تعديل الدستور وتشكيل الأقاليم الفيدرالية.. العراق: توافقات سياسية لتجاوز "الأزمة"

تعديل الدستور وتشكيل الأقاليم الفيدرالية.. العراق: توافقات سياسية لتجاوز "الأزمة"

العراقي الموحد وجبهة التوافق العراقية حول المادتين 118 و 142 من الدستور الدائم بالاتفاق على تشكيل لجنة لتعديل الدستور، على أن يصار في الوقت نفسه الى الشروع بالقراءة الأولى لمشروع قانون تشكيل الأقاليم في مجلس النواب لإقراره، شرط أن لا يدخل حيز التطبيق إلا بعد مرور ثمانية عشر شهرا من التصويت عليه من قبل أعضاء البرلمان.‏

يبدو الاتفاق كأنه نوع من التسوية السياسية لتجاوز أزمة سياسية حادة يمكن ان تدفع الفرقاء السياسيين إلى منعطفات حرجة فيما لو أصر كل طرف على مواقفه من دون استعداد لإعادة النظر فيها. وسواء كان الأمر كذلك بالفعل أو لا، فإنه في كل الأحوال يعد جزءا من عملية التوافقات التي باتت واحدة من مظاهر الحياة السياسية في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام.‏

فكتلة الائتلاف العراقي الموحد التي تعد الكتلة البرلمانية الأكبر (130 مقعدا) وتمثل بشكل أو بآخر الكيان الشيعي في العراق، تبنت منذ وقت مبكر إقرار مبدأ النظام الفيدرالي ـ الاتحادي، تساندها في ذلك بقوة كتلة التحالف الوطني الكردستاني (50 مقعدا)، لذلك حرصت على أن يُضمن الدستور الدائم إشارات واضحة إلى آليات وسياقات وضوابط تشكيل الأقاليم أو الكيانات الفيدرالية. وبالفعل فإن المادة 118 من الدستور ـ وكذلك المادة 119 ـ حددت مثل تلك الآليات والسياقات والضوابط. من هنا كان إصرار كتلة الائتلاف على الإسراع بإقرار قانون تشكيل الأقاليم على ضوء تلك المادة برغم قناعتها بأن التطبيق العملي للقانون يحتاج إلى وقت غير قصير يرتبط بتمهيد الأرضيات المناسبة له من قبيل التثقيف والتوجيه والتوعية الكافية في الأوساط الشعبية.‏

وطيلة الشهور الماضية التي أعقبت تشكيل الحكومة العراقية الحالية، روّج الائتلاف العراقي الموحد لموضوعة الفيدرالية وتشكيل اقليم الوسط والجنوب بطريقة جيدة، ساهمت في تنضيج الرؤى والتصورات والقناعات العامة لمجمل المشروع، إلى جانب اتخاذ بعض الإجراءات العملية من قبل عدد من مجالس المحافظات الجنوبية ومحافظات الفرات الأوسط في جوانب أمنية واقتصادية وسياسية.‏

وتركيز الائتلاف العراقي الموحد واهتمامه بالفيدرالية وتحركه الجاد لإقرار قانون تشكيل الأقاليم جعل ردود فعل جبهة التوافق العراقية (الكتلة السنية) الرافضة للنظام الفيدرالي تتزايد، ما أوجد حالة استقطاب حاد في المواقف والتوجهات بين الكتلتين، ناهيك عن بعض التباينات في الرؤى بين مكونات كل منهما.‏

ويبدو أن جبهة التوافق وجدت الوقت مناسبا لطرح قضية تعديل الدستور من خلال تفعيل المادة 142 في الدستور التي كان للقوى السياسية الممثلة للكيان السني دور فاعل في تثبيتها في الدستور، وعندما طالب أعضاء كتلة الائتلاف بطرح مسودة مشروع قانون الأقاليم للتداول والنقاش في مجلس النواب في الجلسات الأولى من الفصل التشريعي الثاني التي بدأت في الثاني من الشهر الجاري، بادر أعضاء جبهة التوافق إلى المطالبة بتشكيل لجنة لتعديل الدستور وفق ما نص عليه الدستور نفسه.‏

وهنا بدت الأمور كأنها تتجه نحو نقاط حرجة وحساسة وخطيرة، وبالتالي فالحسم والمعالجة لا بد من أن يحصلا بعيدا عن أروقة مجلس النواب، وتحديدا من قبل رؤساء وقادة الكتل السياسية.. وبالفعل هذا ما حصل، إذ أفضت اجتماعات تداولية عديدة بين رؤساء الكتل أو ممثلين عنهم إلى التوصل لصفقة سياسية تتضمن تسوية "الأزمة" من خلال تنفيذ المادتين 118 و 142 بصورة متزامنة.‏

وعلى ضوء ذلك أقرت الأطر العامة للجنة تعديل الدستور، حيث اتُفق على أن تتألف اللجنة من سبعة وعشرين عضوا، بينهم اثنا عشر عضوا من كتلة الائتلاف العراقي الموحد، وخمسة من التحالف الوطني الكردستاني، وخمسة من جبهة التوافق، وأعضاء من التركمان والمسيحيين واليزيديين والشبك. ومن المقرر أن يعلن أسماء أعضاء اللجنة خلال وقت قريب، علما بأن بعض الأوساط توقعت أن يحصل نوع من الخلاف والاختلاف حول رئاسة اللجنة.‏

ويرى مراقبون أن التصويت على قانون تشكيل الأقاليم وعلى تشكيل لجنة تعديل الدستور لا يعني في كل الأحوال نهاية المطاف، أو تحقق أجندة الطرف الداعي لكل من القضيتين، لأن الأمور ستتحدد عبر أغلبية مجلس النواب التي يمتلكها الائتلاف العراقي الموحد، الذي قد لا يواجه مشكلة اذا ما احتاج إلى مزيد من الأصوات، لأن رؤاه وتوجهاته متقاربة ـ ان لم تكن متطابقة ـ مع رؤى وتوجهات التحالف الكردستاني.‏

هذا أولا، وثانيا من خلال الاستفتاء الشعبي العام الذي يمكن للائتلاف ان يضمن نتائجه لمصلحته مثلما حصل عند التصويت على الدستور الدائم استنادا إلى النسب السكانية للمكونات الاجتماعية، انطلاقا من الانتماءات المذهبية والطائفية.‏

وحقيقة الأمر هذه يدركها قياديو جبهة التوافق العراقية وأعضاؤها، لذلك برغم معارضتهم العلنية لمشروع قانون الأقاليم، إلا أنهم في كواليس وأروقة المفاوضات الخاصة يتعاطون معه بواقعية، لكنهم يحاولون الحصول على مكاسب سياسية في مقابل أي مرونة أو ما يمكن تسميته بتنازلات في المواقف من قبلهم.‏

وفي كل الأحوال لا يتوقع أن تحسم الخلافات والاختلافات بين الفرقاء من دون مزيد من الجدل والسجال بينهم، والذي من المستبعد أن ينتهي بعد حسم الأمور بصيغة ما، وهذا شيء طبيعي ومألوف في أجواء مناخات التعددية السياسية والحرية الواسعة لطرح الآراء والأفكار، وفي بلد مثل العراق حديث العهد بمثل هذه المظاهر والوسائل والأساليب.‏

الانتقاد/ العدد 1182ـ 29 ايلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29