ارشيف من : 2005-2008

انتصار المقاومة في لبنان: مأزق النووي الإسرائيلي

انتصار المقاومة في لبنان: مأزق النووي الإسرائيلي

النووي الإسرائيلي"، وطالب بانضمام "إسرائيل" إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بهدف إعطاء المعاهدة طابعاً عالمياً وتسهيل إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.‏

وقد طرح مشروع القرار هذا أمام اللقاء الخمسين للجمعية العمومية للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي انعقد في فيينا يوم الجمعة الماضي (23/9/2006).‏

واصطدم المشروع بمعارضة كندية ـ أوروبية موجهة أميركياً، تحت ذرائع كالقول بأنه يقوّض أسلوب الإجماع التقليدي المعتمد لاتخاذ القرارات في الوكالة، ويدفع باتجاه تسييس النقاشات داخل الوكالة، أو كالقول بأن الأولوية يجب أن تعطى لمسألة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، لا لمراقبة الأسلحة بحد ذاتها.‏

والواضح أن هذه الذرائع هي من النوع المتهافت منطقياً، والذي لا يستمد مصداقيته الهزيلة إلا من منطق سياسة القوة السافرة أو المغلفة أحياناً ببرقع من النفاق وعدم الحرج من تعدد المعايير والمكاييل، وخصوصاً أن الموقف الغربي المعترض على المطلب العربي والمدافع عن الموقف الإسرائيلي لم يجد حرجاً، وهو في عز حربه على الملف الإيراني، في توجيه إنذارات لكوريا الشمالية بضرورة التخلي عن أسلحتها وبرامجها النووية دون شروط مسبقة.‏

وقد دفعت هذه المعارضة بالبلدان العربية إلى طلب طرح المسألة على التصويت، خلافاً للعرف المتبع في الوكالة. وبالنتيجة تم إحباط المشروع عبر إرجاء النظر فيه بأصوات 45 مندوباً، مقابل 29 مندوباً صوتوا لمصلحة المشروع مع امتناع 19 مندوباً عن التصويت.‏

وكانت روسيا والهند في عداد الدول الممتنعة، في حين صوتت فنزويلا وكوبا وجنوب إفريقيا وعدد من البلدان الإسلامية لمصلحة مشروع القرار العربي.‏

وكانت البلدان العربية قد تمكنت في العام 1991 من استصدار بيان من الوكالة يعرب عن القلق إزاء كون "إسرائيل" هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة، لكنها فشلت في العام التالي في استصدار قرار بإدانة الترسانة النووية الإسرائيلية.‏

ومنذ ذلك الحين توقفت المحاولات العربية لمتابعة الموضوع الذي جاء طرحه على الجمعية العمومية للوكالة في لقائها الأخير ليثير جملة تساؤلات حول ما حملته هذه المبادرة من ردود أفعال ودلالات.‏

أبرز ردود الأفعال صدرت عن السفير الأميركي في الوكالة الذي أعرب عن حزنه بسبب القطيعة مع مبدأ التوافق في الوكالة واللجوء، بدلاً من ذلك، إلى التصويت. والواقع أن حزن السفير مبرر تماماً، وإن كانت نتيجة التصويت قد جاءت متوافقة مع الرغبة الأميركية في استبعاد المطلب العربي.‏

فالتصويت، وهو تجسيد لمبدأ الديموقراطية الذي يفترض به أن يحكم العلاقات الدولية بدلاً من التوافق على الرضوخ للإملاءات الأميركية، يشكل ضمانة لحق كل دولة في التعبير عن إرادتها الخاصة. والتصويت على مشروع القرار العربي أظهر، برغم عدم فوزه، أنه يتمتع بتأييد 29 دولة، وهو عدد لا يستهان به في ظل الهيمنة الأميركية على القرار الدولي. كما أن الامتناع عن التصويت من قبل 19 دولة يعكس بدوره تمرداً أكيداً على الإرادة الأميركية.‏

وأغلب الظن أن عدد الدول التي أيدت المطلب العربي أو امتنعت عن التصويت ما كان ليكون كبيراً إلى هذا الحد فيما لو تم التصويت قبل خمس سنوات أو عشر. ذلك أن السنوات الأخيرة قد شهدت تحولات حقيقية في موازين القوى الدولية لمصلحة قوى التحرر، في ظل الفشل الذي أحاق بالحروب والمخططات الأميركية، وخصوصاً في ظل فشل العدوان الأميركي ـ الإسرائيلي على المقاومة في لبنان.‏

وفي هذا المجال، أكد مندوبون عرب أن صمود المقاومة كان في طليعة الأسباب التي حفزت الدول العربية على التقدم بمشروعها حول الخطر النووي الإسرائيلي. وإذا كانت الجرأة العربية على التقدم بهذا المشروع ثمرة مباشرة لانتصار المقاومة في لبنان، فإن ذلك يعكس تحولاً إيجابياً هاماً على مستوى الساحة العربية باتجاه الاستجابة المطلوبة لمقتضيات المواجهة الحالية، ولضرورات الخروج من حالة التردي العربي الراهن.‏

والواضح ان تحريك البرنامج النووي السلمي المصري بالتزامن مع طرح المشروع العربي في الوكالة الدولية، بعد تجميد ذلك البرنامج طيلة عشرين عاماً، هو دليل أكيد على ذلك التحول، ولا سيما أنه ترافق مع انتقادات رسمية مصرية للسياسات الأميركية في المنطقة.‏

وفي معرض التعليق على إحياء البرنامج النووي المصري، صدرت تصريحات مصرية رسمية عديدة أكدت تحول الحرب على لبنان إلى قضية سياسية داخلية في مصر، وأدت إلى انبثاق رأي عام مصري يتهم الحكومة بالتقصير، ويطالب بإلغاء معاهدات كامب دايفد والعودة إلى صف المواجهة العربي، ما يعني من الآن فصاعداً أن ساعة العالم العربي لم يعد بمقدورها إلا أن تضبط على ساعة المقاومة في لبنان.‏

ومن الدلالات الأخرى التي حملها المطلب العربي أن نوعاً من المعجزة قد حصل فعلاً حيث التقت خمس عشرة دولة عربية على طرح مثل هذا المطلب المزعج للولايات المتحدة و"إسرائيل"، بعد أيام قليلة من عجز هذه الدول عن الاتفاق على عقد قمة عربية للنظر في العدوان على لبنان.‏

كما أن تحقيق هذا اللقاء بين أغلبية بلدان الجامعة العربية، برغم تبني سوريا ودعم إيران لهذا المطلب، هو دليل إضافي على أن ورشة اصطفافات جديدة معادية للسياسة الأميركية وللاحتلال الإسرائيلي قد بدأت فعلاً في المنطقة، وأن أي تصعيد في الضغط الغربي على إيران بخصوص برنامجها النووي سيصطدم حتماً بتصعيد عربي في الضغط على الملف الإسرائيلي، وما سينجم عن ذلك من إعادة إحياء فكرة الصراع العربي الإسرائيلي، أو حتى الإسلامي الإسرائيلي، بعد تقليص الصراع إلى إسرائيلي فلسطيني، أو إلى مشكلة أمنية بين "إسرائيل" وبعض من يسمونها بالجماعات الإرهابية الفلسطينية، منذ نجاح صيغ الصلح الاستسلامي المنفرد في كامب دايفد وأوسلو ووادي عربة. وبالنتيجة فإن مجرد تجرؤ العرب على فتح الملف النووي الإسرائيلي يدل على تخطي عتبة الخوف، وهذا وحده يشكل خطوة ضخمة، ليس فقط باتجاه تحقيق الفوز في تصويت قادم، بل أيضاً باتجاه الحسم الجذري للمشكلة على وقع دقات ساعة المقاومة.‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ العدد 1182ـ 29 ايلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29