ارشيف من : 2005-2008

شهر رمضان وعلم الاجتماع الطقوس الانقلابية

شهر رمضان وعلم الاجتماع الطقوس الانقلابية

الكامنة في الصوم من الناحيتين الأرضية والسماوية، تنجدل عند أكثر الناس بعناوين فرعية أخذت الطابع الطقسي والخصوصية في بعض البلدان، والأمر يتشعب ليطال المأكل والمشرب واللباس، كما المشاهدة التلفزيونية ومواعيد العمل والنوم والسهر، وصولاً إلى المصطلحات اللفظية التي تعكس الجوانب الروحانية كما اليومية المعيشة في هذا الشهر.‏

الطعام‏

في لبنان ارتبط طبق الفتوش بالمائدة، واستطراداً هناك الشوربة.. وفي مصر يحضر الفول كما الكشري، وفي الخليج تبقى الكبسة سيدة المائدة.‏

الشراب‏

الجلاب والسوس والتمر هندي مشروبات تنطلق مع بداية شهر رمضان في جل الوطن العربي ثم تغيب في نهاية الشهر بانتهائه. واللافت ـ تحديداً في لبنان ـ ان عربات بيع هذه المشروبات والبسطات الصغيرة التي تعرضها تنتشر بغزارة عند كل مفرق وخلف كل بناء.‏

يكثر الكلام الطبي عن السوس والتمر هندي مع تغييب الحديث عن الجلاب لأسباب مجهولة.‏

تقول الدراسات ان التمر هندي يحتوي على مضادات حيوية قادرة على القضاء على الكثير من أنواع البكتيريا الضارّة بالإنسان، هذا إلى جانب فوائده كمليّن ومضاد للحموضة وملطف وخافض للحرارة.‏

أما عصير السوس وهو عبارة عن نبات برّي معمر من الفصيلة البقولية، فقد أثبتت أبحاث حديثة انه ينقي الدم ويعمل مليّنا ومدرّا للبول ومسكّنا للسعال، كما أنه مفيد في علاج أمراض الكلى.‏

الحلويات‏

إن أي نوع من أنواع الحلويات تحضر فيه مادة القشطة هو رهين العمر القصير، نظراً للعمر الافتراضي لهذه المادة، على عكس البقلاوة مثلاً. لذلك يكون شهر رمضان محطة مهمة للقشطة، فتحضر مكوّنا رئيسيا لأهم أصناف الحلويات ذات الطابع الشرقي. والجدير ذكره ان الحلويات الغربية مثل الكاتو و"البيتي فور" و"البابا روم" تنتقل إلى الرف، حيث تنتظر شهراً كاملاً لتعود وتكمل مهمتها باقي أشهر السنة.‏

التلفزيون‏

للامتناع عن تناول الطعام والشراب مشقات يتراوح حجمها بين شخص وآخر، لكن بالعموم تقل ساعات العمل في هذا الشهر لحساب وقت أكبر للراحة أو النوم. ولأن قاعدة العرض والطلب تصلح في هذا المضمار، كان التلفزيون ملاذاً محورياً توسع مع الوقت في ظل التنامي المتسارع لعدد الشاشات.‏

بعد مسلسلين أو ثلاثة كانت تنتجهما مصر، اضافة إلى "فوازير رمضان"، تضخم المشهد ليصبح الإنتاج بالعشرات بين الكوميدي والتراجيدي مع برامج مسابقات ومنوعات وكاميرا خفية وطبخ، واستطراداً برامج دينية.‏

الفانوس‏

الفانوس موروث تحتفي به بعض الشعوب، وبرغم التحولات التي أدخلت عليه فلا يزال المصريون يستعيدون ذكرى الفانوس عند حلول الشهر الفضيل.‏

عرف المصريون الفانوس منذ عام 358 هجرية في شهر رمضان عندما دخل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي القاهرة، فخرج الأهالي لاستقباله حاملين المشاعل والفوانيس احتفالاً بمقدمه.‏

الفانوس كلمة إغريقية تقابلها في العربية المصباح أو القنديل. هذا الفانوس شهد تطورا كبيرا في صناعته حتى يتواءم مع العصر، فبعد أن كان يُصنع يدوياً في ورش صناعة الفوانيس، دخلت الصين على الخط ووضعت بصمتها على الفانوس، فأصبح يضيء على بطارية ويخرج منه الدخان، كما يصدح بالأناشيد والأغاني. ومن ناحية الشكل تحظى العدد الخمسين مع تنوع في الأحجام والألوان ونوعية المادة المصنوع منها.‏

مدفع رمضان‏

إن مدفع شهر رمضان هو من أبرز المنطلقات لأفكار رسامي الكاريكاتور في الوطن العربي، فتراهم في كل عام يشيرون الى المدفع الوحيد الذي تستعمله الجيوش العربية من دون أي مراقبة وضوابط دولية.‏

لمدفع شهر رمضان تراث في الكثير من الدول، حيث يدلّهم الصوت على وقت الإمساك ووقت الإفطار. لكن في لبنان غاب هذا التقليد إبان الحرب اللبنانية، حيث المدفع كان وسيلة للقضاء على الإفطار والصائم في آن. علماً بأنه قد عاد منذ سنوات من دون أن يترك بصمة حميمية على الناس، اذ تحولت وسائل التلفزة الى دليل ملون يشير الى الأوقات مع صوت الأذان.‏

مصطلحات‏

من المتغيرات شبه الدائمة في شهر رمضان الكريم أن تدخل كلمات وجمل وأسئلة وأيضاً تحيات جديدة. فالحديث عن غلاء أسعار السلع المرتبطة بالشهر الفضيل غالباً ما يولد كبيراً مع بداية الشهر ثم يخبو مع نهاياته.‏

أما تحية "رمضان كريم" المستحدثة فهي على الأرجح اختراع تلفزيوني، حيث يبدأ المتصل بهذه التحية. ولكن المشكلة هي في الرد عليها، وأذكر أن مذيعة عربية كانت ترد على تحية "رمضان كريم" بـ"الله أكرم"، وكأن هناك تعارضا أو تنافسا.‏

أما الأحاديث اليومية فتتمحور حول صعوبات "قاهرة" كالشوق الى السيكارة أو فنجان القهوة، كما زحمة السير ومسلسلات الأمس.‏

ختاماً نلفت الى بدع استُحدثت وتتمثل بالخيم الرمضانية التي يحييها مطربون ومطربات وأحياناً راقصات!! وبين الإيجابيات والسلبيات لا يسعنا سوى الاعتراف بالانقلاب الرمضاني الذي يحول الحياة نحو المشهد الأجمل، لكن تبقى درّة التاج المتمثلة بالجانب الروحي بحاجة الى تعزيز أكبر.‏

عبد الحليم حمود‏

العهد الثقافي/ العدد 1182ـ 29 أيلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29