ارشيف من : 2005-2008

أبو طالب مؤمن قريش وناصر رسول الله(ص)

أبو طالب مؤمن قريش وناصر رسول الله(ص)

وكان شاعراً خطيباً.‏

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في فضل أمير المؤمنين عليه السلام: ما أقول في رجل أبوه أبو طالب، سيد البطحاء، وشيخ قريش، ورئيس مكة؟ وكانت قريش تسميه (الشيخ).‏

قالوا ولم يَسُدْ فى قريش فقير قط الا ابو طالب، وإنما كانت قريش تسود بالمال.‏

وهو والد أمير المؤمنين علي (ع)، وعم النبى (ص) وكافله ومربيه وناصره.‏

تزوج أبو طالب فاطمة بنت أسد. وهي من السابقات إلى الإسلام.‏

وكانت بمنزلة الأم لرسول الله (ص). رَبَى (ص) في حجرها. وعند وفاتها تولى النبي دفنها بنفسه وألبسها قميصه واضطجع في قبرها وأنشأ يبكي ويقول: "جزاك الله خيراً لقد كنت خير أم… إنه لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها".‏

وأمه فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم.‏

وأبوه عبد المطلب. وعبد المطلب أول من طيّب غار حراء بذكر الله. وهو عميق الإيمان لم يفارق الحنيفية البيضاء، ولم يسجد لصنم قط.‏

وأطعم المساكين ورفع من مائدته إلى الطير والوحوش في رؤوس الجبال، حتى لُقب بالفيّاض ومطعم طير السماء.‏

كفل حفيده محمد منذ ولادته إذ توفي أبوه عبدالله وهو لم يزل حملاً في بطن أمه. وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا يقول عليّ بابني (أي محمد) ويجلسه بجنبه ويؤثره بأطيب طعامه.‏

ولما حضرت الوفاة عبد المطلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله (ص) وحياطته وكفالته ونصرته، وكان عمره (ص) ثماني سنين. فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام.‏

وقالوا: إنه في كفالته(ص) لم يكن يفارقه ساعة من ليل ولا نهار، ويُنيمه في فراشه. وكان إذا أراد أن يعشّي أولاده ويغذيهم يقول: كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول الله(ص) فيأكل معهم. وكان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه، وعلى جميع أهله.‏

وكما كفل رسول الله (ص) صغيراً، فقد حماه وحاطه كبيراً، ومنعه من مشركي قريش، ولقي لأجله عناءً عظيماً، وقاسى بلاءً شديداً، وصبر على نصره، والقيام بأمره. وجاء في الخبر: أنه لما توفي أبو طالب: أوحي إليه، وقيل له: اخرج منها، فقد مات ناصرك.‏

ولما بعث النبي محمد (ص) إلى البشرية مبشراً ومنذراً، صَـدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله، ولكنه لم يظهر إيمانه تمام الإظهار، بل كتمه ليتمكن من القيام بنصرته (ص) ومن أسلم معه، فإنه لم يكن يعبد الأصنام، بل كان يعبد الله ويوحده على الدين الذي جاء به إبراهيم (ع). فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كان والله أبو طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه؛ مخافة على بني هاشم أن تُنَابِذَها قريش".‏

وقد ورد عن الامام الصادق (ع) قوله: "إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرُّوا الايمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين".‏

وقد استمر يظهر إيمانه تارة، ويخفيه أخرى، إلى أن حُصِرَ الهاشميون في الشعب، فصار يكثر من اظهار ذلك.‏

وإنه ليرى الرسول(ص) يصلي مرة أخرى وعليٌّ(ع) عن يمينه، فيقع منه النظر على ابنه جعفر ويهتف به: "صِلْ جناح ابن عمك. فصلِّ عن يساره". وينطلق بهذه الأبيات:‏

إن عـليّـاً وجعفـراً ثقـتي عنـد ملمّ الزمـان والنُّـوب‏

لا تخـذلا، وانصرا ابن عمكما أخـي لأمـي من بينهم وأبـي‏

والله لا أخــذل النـبـي ولا يخـذله من بـنيَّ ذو حسـب‏

و لما أمر الله سبحانه رسول(ص) أن يصدع بما أمر، يعلن رسول(ص) الله لعشيرته بني عبد المطلب دعوته للإسلام، ويتجه لعمه أبي طالب فيعده بنصرة رسالته، ويشجعه ليمضي قُدماً: "أخرج ابن أبي فإنك الرفيع كعباً والمنيع حزباً والأعلى أباً.. والله لا يسلقك لسان إلاّ سلقته ألسن حداد واجتذبته سيوف حداد. والله لتذلنّ لك العرب ذل البُهم لحاضنها". وهو القائل في ذلك شعراً:‏

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا‏

فأمضي لامرك ما عليك غضاضة أبشر وقر بذاك منك عيونا‏

وعرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينا‏

فكان يحمي صاحب الدعوة(ص) من كيد قريش وخططهم الرامية إلى قتل الدعوة الاسلامية بقتلهم النبي(ص).‏

فعن عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله(ص) يحرس فكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه.‏

ثم هو يقف ذلك الموقف العظيم من جبابرة قريش وفراعنتها، حينما جاءه النبي محمد(ص) ـ وقد ألقت عليه قريش سلى ناقة ـ فأخذ رحمه الله السيف، وأمر حمزة عليه السلام بأن يأخذ السلى، وتوجه إلى القوم، فلما رأوه مقبلاً عرفوا الغضب في وجهه، ثم أمر حمزة عليه السلام أن يلطخ بذلك السلى سبالهم (لحاهم)، واحداً واحداً، ففعل.‏

وهو الذي كان ينيم ولده الإمام علياً عليه السلام مكانه، ليكون ولده فداءًَ لرسول الله صلى الله عليه وآله، ويصاب به دونه.‏

وقد افتقد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مرة فلم يجده؛ فجمع الهاشميين، وسلحهم، وأراد أن يجعل كل واحد منهم إلى جانب عظيم من عظماء قريش ليفتك به، لو ثبت أن محمداً أصابه شر. وكان يدفع قريشاً عنه باللين تارة، وبالشدة أخرى. وينظم الشعر السياسي، ليثير العواطف، ويدفع النوازل، ويهئ الأجواء لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، وحماية أتباعه. بل لقد أعلن بصراحة في وجه قريش ووجوهها: أنه مستعد لأن يخوض حرباً طاحنة، تأكل الأخضر واليابس، ولا يسلِّم النبي محمداً صلى الله عليه وآله لهم، ولا يمنعه من الدعوة إلى الله.‏

نعم، وهو الذي رضي بعداء قريش له، وبمعاناة الجوع والفقر، والنبذ الاجتماعي، ورأى الاطفال يتضورون جوعاً، حتى اقتاتوا ورق الشجر. وذلك في "شِعَب أبي طالب" بعد عزل قريش لهم وحصرهم هناك لثلاث سنوات. وهناك جمع أبو طالب بني هاشم وبني عبد المطلب فى شعبه، وكانوا أربعين رجلاً مؤمنهم وكافرهم ما خلا أبا لهب، فحلف أبو طالب لئن شاكت محمداً شوكة لآتين عليكم يا بنى هاشم، وحصَّن الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار.‏

فلما مات أبو طالب في السابع من رمضان سنة عشرة للبعثة النبوية الشريفة، وكان عمره آنذاك ست وثمانون سنة، نالت قريش من رسول الله(ص) بغيتها وأصابته بعظيم من الاذى حتى قال(ص): "لاسرع ما وجدنا فقدك يا عم، وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربيتَ وكفلتَ صغيراً، ووازرت ونصرت كبيراً".‏

إسماعيل زلغوط‏

العهد الثقافي/ العدد 1182ـ 29 ايلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29