إنه الحجاب مرة أخرى، هذا الرمز الديني المقدس، يدخل معركة جديدة ضد من يرون فيه خطراً على مستقبلهم بل على وجودهم.
ولكن ما يثير الاستغراب أن تكون أرض المعركة هذه المرة هي تركيا أيضا، ذلك البلد الإسلامي الكبير الرابط بين أبرز قارتين من قارات العالم القديم.
أما مثار الاستغراب فهو أن يكون لغالبية البرلمان التركي المستند إلى الغالبية الشعبية رأي لرفع الحظر عن الحجاب في المؤسسات التعليمية التركية الرسمية ويخالفهم، بل يمنعهم من تحقيق رغبتهم الغالبة، أحد عشر شخصاً وضعوا باسم العلمانية للمحافظة على ما يسمونه الديمقراطية التركية.
المشكلة في تركيا ليست وليدة الساعة، عمرها من عمر الدولة الأتاتوركية عندما وضع أتاتورك نظام الدولة الجديد مخالفا بذلك ربما الغالبية الساحقة من إرادة الشعب التركي، وهي مذ ذاك تشهد الانقلابات العسكرية وحظر الأحزاب، حيث تسجل تركيا الرقم القياسي في عدد حظر الأحزاب فيها من بين الدول الأخرى، وهي تعيش من أوائل تسعينيات القرن الماضي مشكلة هوية بين شعب يريد إعادتها إلى هويتها الطبيعية المنسجمة مع محيطها، وبين قوة عسكرية تواصل إحكام قبضتها على مفاصل الدولة مانعة هذا التحول ولو أن قبضتها بدأت تتراخى شيئا فشيئا.
هي دوامة تعيشها الدولة التركية لن تخرج منها حتى ينتصر أحد أطرافها، فهل يكون الحجاب الحصان الأبيض الذي يزيح الغمامة السوداء الرابضة على صدور الأتراك منذ حوالى القرن؟
محمد يونس
الانتقاد/ العدد1271 ـ 10حزيران/ يونيو 2008