ارشيف من :خاص

حكاية الميركافا.. هكذا كتبتها المقاومة الإسلامية

حكاية الميركافا.. هكذا كتبتها المقاومة الإسلامية
علي شهاب
حكاية الميركافا.. هكذا كتبتها المقاومة الإسلامية
في السادس من حزيران العام 1982، غزا الجيش الاسرائيلي جنوب لبنان ووصل الى مشارف العاصمة بيروت بعد ثلاثة أيام فقط. للوهلة الأولى، بدا ان اقامة جيش العدو في بلاد الأرز ستطول في غياب مؤشرات المواجهة وانعدام الموازين العسكرية بين قوة مدججة بأفضل الأسلحة والعتاد في العالم وثلة متطوعين يعملون بشكل فردي معتمدين على امكانات بدائية. غير أن الأسابيع القليلة التي تلت الاجتياح مع ما حملته من مفاجآت ميدانية عند اطراف بيروت وداخلها سرعان ما اجبرت الاحتلال على الاندحار. احد وجوه هذه المفاجآت كان ما تعرضت له دبابة الميركافا "مفخرة" الصناعة الاسرائيلية منذ الأيام الأولى للاجتياح، لتنسحب حكاية الصراع بين آلة العدو وارادة المقاومين على مختلف مراحل المواجهة طوال ربع قرن. في هذا الملف، نستعرض حكاية الميركافا في لبنان بحسب تطورها والتكتيكات التي استخدمها المقاومون مع كل تعديل عليها.
-------

في البدء..
كلمة "ميركافا" تعني "المركبة الحربية"، وقد تم اختيار هذا الاسم للدلالة على جمعها لخصائص عدة. تم تصميم هذه الدبابة من واقع الدروس المستقاة من حرب تشرين عام 1973، حين أشرف رئيس العمليات في قيادة الأركان الإسرائيلية "يسرائيل طال" على وضع التصميم، استنادا إلى عقيدة القتال الإسرائيلية.

بدأ تصنيع ميركافا - واحد استناداً إلى الأبحاث التي أجرتها لجان عديدة في الصناعة الحربية الاسرائيلية (IMI) والتي استهدفت زيادة فاعلية العناصر الثلاثة المكونة لقوة الصدم، وذلك من خلال زيادة قوة نيران الدبابة، وتعزيز درعها ليقاوم الصواريخ المضادة للدروع من الجيل الأول، وزيادة سرعتها وقدرتها على المناورة.


عند أسوار بيروت

أظهرت ميركافا -1 قدرة عالية على المناورة مع تقدمها في قرى الجنوب وصولا إلى العاصمة اللبنانية العام 1982، حين فوجئ سلاح المدرعات الاسرائيلي بألغام مضادة للدروع وقذائف صاروخية بحوزة خلايا طلائع المقاومة عند مشارف بيروت؛ في مناطق "خلدة" و"عرمون" و"كلية العلوم" و"الليلكي" و"الأوزاعي" وطريق المطار و"حرش شاتيلا" و"قصقص" وغيرها.
سُرعان ما اضطرت هيئة التصنيع العسكرية في الجيش الاسرائيلي الى ادخال تعديلات على أنظمة الدبابة وهيكلها لمواجهة الامكانات المتواضعة للمقاومة انذاك.

أشراك مفخخة


"إن مشروع الميركافا في طريقه إلى النهاية"
مدير مديرية تصنيع الميركافا الجنرال "عمير نير"
صحيفة "غلوبس" الاسرائيلية 28 أيلول 2006

 


عززت الشركة المصنعة للميركافا ـ1 من دروعها، على ضوء التجارب المستقاة من الاجتياح، ولمواكبة الجيل الثاني من الصواريخ المضادة للدبابات.
ومع دخولها الخدمة الفعلية العام 1983، وجدت المقاومة نفسها امام تحدٍ من نوع جديد: التدريع الجديد يحمي ميركافا الجيل الثاني التي قللت من حركتها في المدن والقرى الى الحد الأدنى تفاديا للألغام أيضا.

تفتق إبداع المقاومين عن رؤية مبتكرة؛ فلجأ المجاهدون الى التخفي والاستتار بعيدا عن أنظمة الرؤية المتطورة داخل الميركافا، وانتقلوا الى الاعتماد بشكل أكبر على العبوات الناسفة بديلا للألغام المضادة للدروع.

دخلت المواجهة منعطفا جديدا مع انسحاب الجيش الاسرائيلي العام 1985 من بيروت وصيدا وصور والجبل، وإنشائه منطقة أمنية عُرفت بالشريط الحدودي، وتمركز جنوده في مواقع محصنة على المرتفعات والجبال، وفي ثكنات عسكرية محمية. نشر العدو دباباته داخل المواقع مستخدما إياها كنقاط مراقبة للمعابر التي ينفذ منها المقاومون، ولأعمال الدورية ونقل الجند.

في هذه المرحلة كان من الصعب على المقاومة الوصول إلى الميركافا المختبئة فوق أعالي الهضاب والجبال، فكان لا بد من الفتك بها أثناء تحركاتها واصطيادها على الطرقات وفي الممرات الإجبارية بالعبوات الناسفة والأشراك الخاصة، وهذا ما حصل بالفعل.

خلال الفترة الممتدة من العام 1987 وحتى العام 1990، تمكنت المقاومة الإسلامية من تدمير 11 دبابة ميركافا على طريق العديسة كفركلا، كونين، القنطرة، دير سريان ـ علمان، الطيبة، الجبور، الديدبة، بالإضافة إلى العشرات من الملالات وناقلات الجند والآليات العسكرية المختلفة.

الأرض مقابل السماء

مع حلول التسعينات، ظهر الجيل الثالث من الميركافا، بعد ان خضعت الدبابة لعمليات تطوير نوعية شملت التدريع وأنظمة الحماية والانذار الالكترونية.
هذه الاجراءات استدعت تكتيكا عسكريا مضادا من جانب المقاومة التي عمدت الى تطوير العبوات الناسفة بما يضمن مزيدا من الفعالية في مواجهة الدبابات أثناء انتقالها بين المواقع والثكنات بهدف شل حركتها، عبر تعزيز القوة الانفجارية وتوجيه العبوة. أما الابتكار الأبرز فكان في انشاء وحدة خاصة مزودة بصواريخ مضادة للدروع من الجيل الثالث حاكت اسلوب قنص الدبابات داخل المواقع.

منذ العام 1990 وحتى بداية العام 1999، اصطاد قناصو الدبابات ومفجرو العبوات في المقاومة، 22 دبابة ميركافا، بالإضافة إلى العشرات من الآليات العسكرية المختلفة. وما إن أطل العام 2000 حتى فقد العدو أهم أسلحته البرية ووصل الأمر بقادته وكبار ضباطه إلى اعتبار عبوات المقاومة خطرا يوازي سلاح الطيران لديه. وفي النهاية أرغمت المقاومة العدو على الانسحاب من لبنان، أما الميركافا فقد عادت إلى مسقط رأسها متكسرة مهزومة تجر وراءها جنازير الخيبة والمهانة.

قطع متناثرة
حكاية الميركافا.. هكذا كتبتها المقاومة الإسلامية
خرقت صواريخ المقاومة المضادة للدروع ميركافا ـ4 في حرب تموز 2006، على الرغم من كل عمليات التصفيح يشهد "وادي الحجير" و"خلة وردة" في عيتا على مجزرة الدبابات.

تقول تقارير اسرائيلية إن رجال المقاومة الاسلامية استخدموا، في تموز، عبوات تراوح وزنها بين 150 و500 كيلوغراماً لإعاقة تقدم الدبابات.
يروي المقاومون أن الاسرائيليين، عندما تقدموا مرات عديدة في عيتا الشعب ومارون الراس لسحب دباباتهم، لم يجدوا سوى قطع صغيرة متناثرة بفعل العبوات.

وقد أظهرت الاختبارات والدراسات التي اجراها الخبراء الاميركيون والاسرائيليون على الدبابات المستهدفة في حرب تموز، ومن بينها 18 دبابة ميركافا من الجيل الرابع، أن المقاومة الاسلامية تعلم تماما نقاط ضعف الميركافا، وتملك المعلومات والقدرات اللازمة للتعاطي مع التعديلات الجديدة، في مشهد يختصر حكاية "حرب الأدمغة" بين الطرفين.

تقول حكمة عسكرية أميركية إن "الدبابة الجيدة هي الدبابة التي تضم طاقما جيدا". اليوم يعاني الجندي الإسرائيلي من فقدان عنصر الثقة للاحتماء داخل مركبات حوّلتها المقاومة الى نعوش حديدية لمن فيها، طوال مفاصل الصراع، بعد أن خطّ المجاهدون حكاية الميركافا في لبنان وفرضوا معادلة جديدة نقلتها من "عربة الرب" الى " قبور من فولاذ".

2010-06-17