ارشيف من : 2005-2008

المفكر والمنا ضل الفلسطيني أنيس صايغ لـ"الانتقاد": "أنابوليس" فاشل وتتمة لمشروع تقسيم فلسطين

المفكر والمنا ضل الفلسطيني أنيس صايغ لـ"الانتقاد": "أنابوليس" فاشل وتتمة لمشروع تقسيم فلسطين

أنيس صايغ المفكر والباحث والمناضل فلسطيني الى حدود العشق والاستشهاد، حاولت "إسرائيل" اغتياله اكثر من مرة، وأبرزها كانت الرسالة المفخخة التي بترت اصابع يده وأثّرت في نظره وسمعه.
مع الشهيد الحي أنيس صايغ كان هذا اللقاء، تحدث فيه لـ"الانتقاد" عن معارضته لمؤتمر أنابوليس وهموم اخرى كثيرة.. فإلى مجرياته:

 
* عارضتم مؤتمر "أنابوليس" الذي عُقِدَ مؤخراً في أميركا؟
ـ انتهى هذا المؤتمر مثبتاً أن ما توقعناه قد حصل، مؤتمر فاشل لأنه لا يحقق أيّ رغبة للشعب الفلسطيني. مؤتمر مؤامرة وتتمة لاتفاق أوسلو لكن بطريقة أسوأ. هو تنفيذ لمشروع تقسيم فلسطين الذي وضع قبل 60 سنة.. هذا المؤتمر ليس لإنشاء دولة فلسطين، بل على العكس، لإنشاء دولة يهود في فلسطين، لأن قرار التقسيم قسّم فلسطين إلى قسم عربي وقسم يهودي، لكنه لم ينصّ على أن القسم اليهودي الذي اسمه "إسرائيل" هو دولة اليهود. في هذا المؤتمر في خطاب بوش الافتتاحي قال: "إن إسرائيل دولة اليهود"، والجانب العربي وافق على ذلك. من هنا عندما عارضنا المؤتمر كنّا ندرك أنه لن يأتي بشيء إيجابي، إنما سيأتي بأشياء سلبية، وهذا ما حصل.

* هل تتصور أن يعقد مؤتمر للسلام بين مُعتدٍ ومعتدى عليه؟
- نحن لا نفهم كيف يكون السلام بين ظالم ومظلوم، أو بين دولة معتدية ودولة معتدى عليها! عندما يُعطى المعتدى عليه حقوقه آنذاك يمكن ان يعقد اتفاقات سلام مع من اعتدى عليه سابقاً. ومن ناحية اخرى أنا ضد أي لقاء مهما كان شكله مع أي إسرائيلي، سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد، الا بعدما يخرج الإسرائيلي من بيتي ويعود الى حيثُ جاء. وهنا قد يتهموننا بالجنون أو بأننا من أصحاب العقول اليابسة أو من خارج التاريخ.. فليكن ذلك شرط أن لا ألتقي الإسرائيليين.

* هل تتصور في وقتنا الحالي وأميركا وبوش بكل هذه العنجهية أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم؟
ـ مهما كنا متفائلين فلا أعتقد أننا سنحصل في المدى القريب على حقنا فلسطينياً وعربياً، ولكن هنا نتحدّث عن تاريخ بمئات السنين.. يعني المسألة الصهيونية قامت من أكثر من مئة سنة، وليس بالضرورة إذا كنت لا أستطيع اليوم أن أحقق مطالبي الوطنية والقومية أن أتخلى عنها. فأنا إذا لم أكن قادراً في هذه السنة ممكن في السنة المقبلة أو التي بعدها.. وإذا فشل جيلي فهناك جيل أبنائنا، وإذا فشل أبناؤنا فهناك أحفادنا.. لكن لا بدّ من متابعة المسيرة.

* من برأيك يتحمّل وزر هذا الوضع الذي وصلنا إليه؟
ـ الفلسطيني يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، والعربي كذلك. ولكن هذا لا يعني أن الغرب وأميركا بالذات وأوروبا غير مسؤولين، نحن علينا مسؤولية وَهُمْ أيضاً. هم لديهم أطماع يريدون أن يحققوها.. ولكن أنا كعربي من واجبي ان أقف بوجه هذه الأطماع، فنحن لم نكن في مستوى المسؤولية فلسطينياً وعربياً، ولكننا نأمل بجيل قادم بمستوى المسؤولية.

* برغم كل ذلك كانت هناك شعاعات ضوء؟
ـ الشعاع الأكبر هو أن نجد في صفوف جيلنا من لا يزال يتمسك بالحق الفلسطيني. يعني هناك شيء نورثه للاجيال القادمة، أي أننا لا نتنازل عن حقنا.. كذلك لقد أثبتت ذلك المقاومة في لبنان سنة 2000 والعام الماضي، والمقاومة الفلسطينية أثبتت ذلك في اكثر من مجال برغم كل الاخطاء والانتكاسات التي ارتكبتها. الا ان هذا الانتصار الذي تحقق في تموز العام الماضي كان يمكن أن يتحقق في شكل اكبر لو كانت كل الشعوب العربية تقوم بهذا العمل وكل الحكومات العربية تتيح للشعب ان يعمل..
نحن لا نتأمل من حكوماتنا العربية ان تخوض حرباً ضد "إسرائيل"، لأنها أضعف وأوهى من ذلك، لكن نأمل أن لا تمنع الشعب من ان يبقى محافظاً على المطالبة بحقوقه، وأن يقاوم حيث يتاح له ان يقاوم وبالشكل الذي يستطيع ان يقاوم به عسكرياً أو سياسياً،  فالمقاومة هي اشكال مختلفة. حتى مقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاد الاميركي يُعتبر مقاومة.

* عشت سنين عدة في بريطانيا.. هل قاطعت البضائع الأميركية؟
ـ أنا أقول ذلك من دون أي مباهاة، لقد عشت وزوجتي سنين عدة في بريطانيا ولم نشترِ غرضاً مصنوعاً في أميركا او "إسرائيل"، صغيراً كان أو كبيراً.

* أنيس صايغ مناضل ومقاوم من الدرجة الأولى، و"إسرائيل" لم توفرك من هداياها المفخخة؟
ـ الرسالة المفخخة كانت ثاني محاولة وتبعتها محاولة ثالثة. أوّل مرة كانت سنة 1971 بإصبع من الديناميت وُضِعَ في مكتبي في الساعة الثانية صباحاً وانفجر، إلا أنه لم يكن أحد في المكتب. وفي سنة 1972 الرسالة المفخخة التي آذتني.. وبعدها بسنة ونصف السنة، اي سنة 1974، ضربوا ثلاثة صواريخ على مكتبي وعلى الطابقين اللذين تحته.. فتأذت غرفتي واحترقت كمية كبيرة من الكتب تقدّر بالآلاف.

* ومع هذا أراك اليوم بلا أي حماية؟
ـ "إسرائيل" لا تعاقب بأعمالها العدوانية والإجرامية، بل تمنع حدوث شيء في المستقبل يبدو أنها شعرت أن مركز الأبحاث بخطه وعقليته وثقافته سيؤذيها في المستقبل.. فكان لا بدّ من ضربه، وضُرب.

* الشاعر محمود درويش أحيا مؤخراً أمسية شعرية في حيفا؟
ـ أنا أتمنى لو أن محمود درويش لم يذهب إلى حيفا.. ولكنه أدرى مني بظروف ذهابه التي يعتقدها هو أنها ايجابيات، ويعتقد انه أثبت للإسرائيليين في حيفا نفسها ان الشعب الفلسطيني ما زال شعباً حياً مقاوماً.. ولديه شعره المقاوم، وأنه هو فلسطيني.. وأن الشعب الفلسطيني فلسطيني وليس مجرد أرقام وأعداد.
 محمود درويش يعتقد ذلك.. هذا في الحقيقة موضوع نقاشي.. والمواضيع النقاشية صعب أحياناً على الإنسان أن يأخذ منها موقفاً حاسماً مئة في المئة. أحياناً تلتبس الأمور الصحيح مع الخطأ.. وأحياناً الإنسان البعيد تاريخياً أو جغرافياً عن الحدث أو الذي لا يعرف التفاصيل، يمكن ان يصدر حكماً سلباً أو إيجاباً قد يكون ظالماً.. أنا لا أسمح لنفسي  بأن آخذ منها موقفاً، ربما لأني أعرف طينة محمود درويش النضالية، فلعله هو الصحيح وأنا الخطأ. أما بعض أخصام ذهابه، أي الذين اعترضوا على ذهابه إلى حيفا، فلديهم وجهة نظر أن هذا الذهاب إلى حيفا كان خطأ. على كل حال أهل حيفا فرحوا بقنابل حزب الله في تموز الماضي. وبالنسبة الى محمود درويش يقول هذه كانت قنبلة أفادت القضية كما أفادتها قنابل حزب الله التي أنزلت من لبنان العام الماضي.

* من المؤكد أن قنابل حزب الله على طبريا أفرحتك وأنت "طبراني من دون أي غش"؟
ـ أنا عتبي الوحيد ماذا بعد ذلك.. اذا كنتم تقولون أنزلتم سبعة صواريخ أتمنى أن يكونوا 70 صاروخاً.. و700 صاروخ.. لأن طبريا بالنسبة لي وحيفا بالنسبة لمحمود درويش او اي مدينة فلسطينية، هي طبريا العربية الفلسطينية التي لا تقوم ولن تقوم إلا على أنقاض طبريا الإسرائيلية. فالمقاومة هنا ساهمت مساهمة كبيرة جداً في تقويض هذا الكيان، هزّت مدينة طبريا وغيرها. وهذا التقويض والهز هو خطوة لا بدّ منها لإعادة بناء طبريا كمدينة فلسطينية عربية.. ضرب المدن وغير المدن ممتاز جداً، وجزء من النضال.

* كيف تنظر إلى الأب الفلسطيني عبد طلوزة في الناصرة، الذي استشهد طفلاه وقال: "فداء المقاومة وحزب الله".. وسمعت مؤخراً ان "إسرائيل" حكمته بالأشغال الشاقة 15 سنة؟
ـ هذا هو الشعب الفلسطيني.. الشعب الفلسطيني ليس الذي ذهب الى أوسلو.. ولا الذي ذهب الى أنابوليس.. الشعب هو الذي يقرر وليست قياداته. المقاومة ستبقى، سواء في فلسطين او في لبنان.

* في هذا الإطار كيف تنظر إلى الإعلام العربي؟
ـ أجهزة الإعلام العربية من فضائيات وصحف في معظمها إما يملكها رأسماليون عرب باعوا أنفسهم للشيطان، أو يتأثرون بمواقف الحكومات. ليس بالضرورة تملكها الحكومات، إنما متأثرون بمواقف الحكومات. ممنوع كذا او مسموح كذا.. وربما لهم امتدادات أجنبية. اليوم العالم الغربي يقف ضدنا، وهو أستاذ بعملية غسل الأدمغة.. الجهاز الإعلامي العربي الذي ينجح بغسل الأدمغة يتتلمذ على أيدي غسّالي أدمغة غربيين أجانب.. فالإعلام متأثر جداً بهؤلاء الجماعات الثلاث: الغرب المعادي لنا، والحكومات التي لا تريد للكلمة الصحيحة ان تنتشر بين الناس، لأن المعلومة الصادقة تدين مواقف الحكومات.. يعني المعلومة الصادقة تقول "أنابوليس" فاشل، وليس في مصلحتنا".. الحكومات لا تقول ذلك، بل تقول "أنابوليس نجح".. هذا هو التناقض. ثم ان هناك مالكي أسهم كثيرة في أجهزة إعلام كثيرة، هم من طبقة رأسمالية في مجتمعنا همها زيادة الفوائد والغنى والثروات اكثر من مصلحة الشعب، وهذا مع الأسف موجود في قطاعات مختلفة، وليس في قطاع الإعلام فقط.

* لمن أنت أقرب اليوم من القادة الفلسطينيين؟
ـ أنا أحترم الدكتور جورج حبش من دون ان يعني ذلك ان بيني كشخص أنيس صايغ وبين الجبهة الشعبية أي علاقة.. بل أشعر بأن جورج حبش ظُلم.. كما أحمد الشقيري ظُلم كما جمال عبد الناصر ظُلم.. بينما هناك قائد فلسطيني اليوم يتاجر بالاسمنت مع الصهاينة للجدار الفاصل في فلسطين المحتلة.. الذي يقف ويهاجم هذا الجدار.
أجرت المقابلة: سُليمى حمدان
تصوير: يونس سلّوم

الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-07