ارشيف من : 2005-2008

الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن: رفض وتحفظ يدفع بها إلى أنفاق مظلمة

الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن: رفض وتحفظ يدفع بها إلى أنفاق مظلمة

مساحة الرفض والتحفظ تتسع في داخل الأروقة السياسية العراقية ولدى الرأي العام العراقي.‏

ومن المفترض بحسب "إعلان مبادئ علاقة التعاون والصداقة الطويلة الأمد" الذي تم إبرامه من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والرئيس الأميركي جورج بوش في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من المفترض أن يتم الانتهاء من صياغة وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين الجانبين خلال فترة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر تموز/ يوليو المقبل، وذلك ارتباطا بقضية عدم التمديد مرة أخرى لقوات الاحتلال في العراق من قبل البرلمان العراقي بعد انتهاء مهلة التمديد الأخير مع نهاية العام الجاري.‏

ويبدو أن الاتفاقية المؤلفة من خمس وسبعين صفحة تضمنت قضايا حساسة وخطيرة دفعت الفريق الفني العراقي المفاوض الى تحويل الملف برمته الى المجلس السياسي الوطني الذي يتشكل من كبار قادة وزعماء الكتل السياسية في البرلمان والمسؤولين السياسيين والامنيين في الدولة.‏

وتمحورت تلك القضايا بحسب مصادر مطلعة على حصانة القوات الاميركية، وحصانة الرعايا الاميركان الموجودين في العراق، وحرية استخدام المجال الجوي العراقي من قبل الطيران الاميركي، ومنح الحصانة للشركات الامنية الاميركية العاملة في العراق وفق عقود مع وزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين، وعدم اخضاع السلع والبضائع الداخلة والخارجة للعراق من قبل الولايات المتحدة للرسوم الجمركية، ومجمل القيود والضوابط التجارية والامنية، وحق القوات الاميركية باعتقال من ترى انه يشكل تهديدا لها.‏

واغلب الظن ان هناك قضايا اخرى هي مثار جدل وسجال بين الطرفين ربما تعرقل ابرام الاتفاقية خلال وقت قريب، بل ربما تفضي الى اعادة النظر بكثير من المواقف، ولعل هذا ما راح يتبلور بوضوح خلال العشرة ايام الماضية.‏

فالمجلس السياسي للامن الوطني، ومعه كتلة الائتلاف العراقي الموحد (الاغلبية البرلمانية) اعلنا بصورة رسمية تحفظهما على اية اتفاقية امنية لا تضمن خروج العراق من البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، واستعادة سيادته واستقلاله بالكامل، وعدم اتخاذ الأراضي العراقية منطلقا للعدوان على الآخرين.‏

رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وزعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد، وضع حدا لكثير من الجدل واللغط حول توجه المجلس الاعلى ودفعه باتجاه ابرام الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة بأسرع وقت، وذلك من خلال بيان رسمي اشار فيه الى ان هناك اجماعا وطنيا على رفض الكثير من النقاط التي يطرحها الجانب الاميركي في هذه الاتفاقية؛ بسبب مساسها بالسيادة الوطنية العراقية, مشيراً الى اجماع اعضاء المجلس السياسي للامن الوطني والائتلاف العراقي الموحد على هذه النقاط. داعياً الجميع الى التريث في اصدار الاحكام المسبقة على العراقيين, والتوقف عن كيل الاتهامات الباطلة لهم. ومؤكدا بالقول "نحن كنا منذ البداية وما زلنا نؤكد على اهمية عدم مساس اية اتفاقية بالسيادة الوطنية, وضرورة الالتزام بالشفافية فيما يتعلق بهذه الامور, واطلاع ابناء الشعب العراقي عليها, لان مثل هذه الامور تتعلق بحياتهم حاضراً ومستقبلاً".‏

وفي وقت لاحق اكد قياديون في المجلس الاعلى ان الاخير وضع اربعة شروط لابرام الاتفاقية الامنية مع واشنطن تتمثل في، ان تحفظ سيادة العراق، وان يتم التوقيع بين بلدين كاملي الاستقلال والسيادة، وان تتوافر شفافية عالية خلال المفاوضات، وإعلان بنود الاتفاقية ليعرف بها ليس ابناء الشعب العراقي فحسب بل العالم كله، إضافة الى ضرورة توافر اجماع وطني عليها، من دون ان تتوافق مجموعة من الكتل السياسية وتهمش كتل اخرى.‏

وبصورة او بأخرى فإن موقف المجلس الاعلى حيال هذا الملف يتطابق مع مواقف المرجعيات الدينية في النجف الاشرف، لا سيما آية الله العظمى السيد علي السيستاني، ويتطابق مع موقف الحكومة العراقية، التي اكد رئيسها نوري المالكي ان المفاوضات ما زالت مستمرة ومن المهم جدا ان تنتهي لمصلحة العراق باتجاه استعادة كامل سيادته.‏

والواضح ان معظم الكتل والكيانات السياسية عبرت عن رفض بمستويات وصيغ مختلفة لإبرام الاتفاقية بمحتواها الحالي الذي لم يتداول الا في داخل دوائر سياسية ضيقة، فجبهة التوافق العراقية (الكيان السني الرئيس في البرلمان) وكذلك التحالف الوطني الكردستاني، والكتلة الصدرية التي دعت إلى تظاهرات شعبية للتعبير عن رفض الشعب العراقي لهذه الاتفاقية، وقوى اخرى من خارج الحكومة والبرلمان، اكدت ان وضع العراق بزاوية حرجة من خلال إبقائه تحت طائلة البند السابع من ميثاق الامم المتحدة وتوقيع الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة امر غير مقبول، داعين الى افهام واشنطن بأن العراقيين يرفضون وضعهم في هذا المأزق.‏

وسواء تمثلت المواقف بالرفض او بالتحفظ فإنها نحت بنفس الاتجاه، وحددت الاطار العام والمقبول والمنطقي المتمثل بفكرة امكانية ابرام معاهدة مع الولايات المتحدة من اجل تطوير البلاد على قاعدة التعامل بالمثل شبيهة بالمعاهدات المبرمة بين الولايات المتحدة ودول كثيرة من حيث الرعاية الاقتصادية في ظل ظروف افضل من الظروف الحالية.‏

والاجواء والمناخات السياسية ضد ابرام الاتفاقية الامنية على علاتها، ترافقت مع توجه شعبي وجماهيري للرأي العام العراقي بنفس المنحى حركته وفعلته قوى سياسية ربما تكون قد ارتأت ان تعزز المواقف السياسية الرسمية بمواقف جماهيرية مساندة وداعمة.‏

وعلاوة على ذلك فإن برلمانيين اكدوا ان هناك ثلاثة خيارات للتعاطي مع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن تتمثل في:‏

- التوصل الى نقاط توافق بين طرفي التفاوض.‏

- تمديد الاحتلال لعام اخر في حال لم يتم التوافق على الاتفاقية الامنية.‏

- عدم التمديد لبقاء الاحتلال مرة اخرى واضطلاع القوات العراقية بمهمة تسلم الملف الامني كاملا في جميع المحافظات. والحديث عن مثل تلك الخيارات ينطوي في جانب منه على مؤشرات توحي بشكل واضح باستبعاد ابرام الاتفاقية خلال وقت قريب، وهو ما يذهب اليه بعض اعضاء فريق التفاوض المعنيين بالمسائل الفنية الذين يبدو انهم اخضعوا ثمانين اتفاقية علنية بين الولايات المتحدة ودول اخرى، واربعين اتفاقية سرية لدراسات معمقة للوقوف على جوانب الضعف والقوة، وتشخيص مدى انسجامها والتقائها في بعض المسائل مع الحالة العراقية.‏

وحتى الاطراف التي تتعاطى بقدر من الايجابية مع موضوع ابرام الاتفاقية الامنية مع واشنطن بأسرع وقت، ترى ان الارضيات والاجواء غير مهيئة حاليا بالكامل، ولا بد من دراسة الامور بتأن وعلى مهل، واكثر من ذلك هناك اتجاه يذهب الى القول بأنه من الافضل الا يصار الى ابرام اية اتفاقية حتى وان تم التوصل الى صيغ تصب في مصلحة العراق، في ظل الادارة الاميركية الحالية التي لم يتبق على وجودها الا ثمانية شهور فقط.‏

الانتقاد/ العد1270 ـ 9 حزيران/ يونيو 2008‏

2008-06-09