ارشيف من : 2005-2008

بشائر خير وأمل غير مضمون: البقاع ينتظر موسماً زراعياً وافراً لهذا العام

بشائر خير وأمل غير مضمون: البقاع ينتظر موسماً زراعياً وافراً لهذا العام

تستعد منطقة البقاع لاستقبال الموسم الزراعي الصيفي بأمل كبير.. أن يعوض عليها خسائر المواسم السابقة. فقد نجت حتى الآن الأشجار المثمرة من موجات الصقيع التي كانت ضربت الموسم الشتوي من الخضار كالخس والملفوف وما شاكل ما أدى إلى المساهمة مع عوامل أخرى إلى ارتفاع جنوني في أسعار الخضار, وهناك بشائر خير لموسم واعد ووافر من الفاكهة كالمشمش والكرز واللوزيات وغيرها.. والامل الكبير لا يبعد القلق عن المزارعين، من أن تؤدي زيادة الإنتاج الى تدني الأسعار.. في ظل السياسة الزراعية المتبعة التي قد تعوّق تصدير موسمه وخاصة أن الثمار المقصودة كالمشمش سريعة العطب ولا تحتمل التأخير في تصريفها.
  وترى مصادر نقابية أن انتفاء المشاكل في هذا القطاع لا يحصل إلا إذا كان الإنتاج معدوما أو غير موجود، ولكن الخوف دائما من المجهول والهاجس المتواصل لدى المزارع هو فقدان المحروقات والاستمرار في زيادة أسعارها أو إغلاق الحدود السورية المنفذ الوحيد للصادرات الزراعية اللبنانية، أو استمرار الأجواء السياسية المتشنجة والتي تحد من عزائم المستثمرين في القطاع الزراعي.

المهندس الموسوي

وللاطلاع على حقيقة الواقع الزراعي لهذا العام استطلعنا رأي المهندس الزراعي علي الموسوي في دائرة الإرشاد الزراعي في جهاد البناء في البقاع فرأى أن "هذه السنة تعتبر سنة فقيرة بالمياه بسبب قلة المتساقطات، ما يعني أن مستوى طبقة المياه السطحية سوف ينخفض كثيرا ومن المتوقع أن تشح الكثير من الآبار السطحية كما يعني أن موسم الزراعة البعلية (الصحاري) سوف يكون المتضرر الأكبر لقلة الأمطار إذا لم تهطل في شهر نيسان بالنسبة المطلوبة".
 يضيف: "كما أن مستوى المياه السطحية وجفاف الآبار سوف يرتب أعباء إضافية على المزارع الذي يحاول استخدام المياه الجوفية العميقة (دون 400 متر عمق) مع ما يترتب على ذلك من تكاليف باهظة (كلفة حفر وتجهيز بئر جوفية تتخطى 30.000 دولار) سوف يتحملها المزارع وما يترتب على ذلك من استنزاف للطبقة الجوفية التي يصعب تعويضها بالنسب المتدنية للمتساقطات خلال الأعوام السابقة".
وقال المهندس الموسوي إن "تضرر الزراعة البعلية الطبيعية من قلة الأمطار يصيب المزارع في احد أهم مداخيله الإضافية، وخاصة أن هذه الزراعة الطبيعية بمعظمها لا تعتمد أسلوب الزراعة التقليدية من حيث استخدام المبيدات والأسمدة فضلا عن المياه خارج نطاق الأمطار".
ولفت الموسوي إلى أن "الأضرار التي تسببت فيها موجة الصقيع الذي ضرب لبنان (صقيع دون أمطار أو ثلوج) والتي لامست السواحل وأضرت بالكثير من بساتين الزيتون في البقاع الأوسط والشمالي مع ما يعني ذلك من تدنٍ في إنتاج الزيتون، كما قضت هذه الموجة على نسبة لا تقل عن80% من قفران النحل التي سلمت من عدوان تموز 2006 وهذا يشير إلى خسارة كبيرة في هذا القطاع ( ثمن خلية النحل يقارب 140$) وخسارة لموسم العسل (متوسط ثمن كلغ العسل 20$)".
أما رئيس نقابة مزارعي الخيم البلاستيكية في لبنان حسين درويش فيوافق المهندس الموسوي في كلامه، ويأسف للمماطلة الرسمية في الكشف على أضرار الصقيع التي طاولت الموسم الشتوي إلى أن باشر الجيش اللبناني بطلب من هيئة الإغاثة عملية مسح الأضرار منذ أيام (أول نيسان) من خلال المخاتير والبلديات دون التعاطي مع النقابات أصحاب الشأن، لافتا إلى "غبن كبير سيحصل وعدم دقة في الإحصاء نتيجة للمماطلة والتأخير، إذ أن الأضرار حصلت منذ ثلاثة أشهر وبسبب عدم المبادرة للمسح وحتى لا تتعطل المواسم قام المزارعون بإصلاح الأضرار على نفقتهم وإعادة الزراعة ما يعني أن المسح والإحصاء لن يكون صحيحا".

ترشيشي

من جهته رئيس نقابة الفلاحين والمزارعين في البقاع إبراهيم الترشيشي أكد على "التواصل الدائم مع وزارة الزراعة للوقوف بوجه جميع الأزمات التي تهم القطاع الزراعي وخصوصا إلغاء الروزنامة الزراعية من قبل الوزير سامي حداد، حيث تم التصدي لهذا القرار مع وزارة الزراعة وإفراغه من مضمونه, كما إن التواصل مع باقي الوزارات قائم أيضا لإثارة ما يهم القطاع الزراعي وأبرزها قضية التعويضات من جراء الصقيع وعدوان تموز 2006 حيث انه ولغاية الآن لم يتقاض المزارع أي تعويض ولم يسأل عن خسائره الفادحة والتي قدرتها منظمة الفاو العالمية بنحو 180 مليون دولار أميركي".
ولفت الترشيشي إلى "مشكلة الجفاف وقلة الأمطار التي يعاني منها لبنان مع منطقة الشرق الأوسط حيث لم تتعدّ نسبة الأمطار لهذه السنة400 ملم بينما المعدل العام 600 ملم، وهذا ما يجعل الزراعة تعتمد اعتمادا كليا على الآبار الجوفية التي يزيد عمقها على 150 مترا، وهو ما يزيد ثلاثة أضعاف من استهلاك الطاقة وخصوصا مادة المازوت التي زادت كلفتها هذه السنة بشكل غير معقول، ويكفي أن نقول ان سعر صفيحة المازوت حسب تسعيرة الدولة تصل إلى حدود 20$ وهو ضعفا ما كانت عليه العام الماضي، وأربعة أضعاف ما كانت عليه قبل ذلك".
وعن رؤيته للنهوض بالزراعة رأى ترشيشي ان "زراعة القمح في البقاع هي زراعة واعدة حيث وعبر الازمان كان البقاع اهراء روما، وسند لبنان ايام المجاعة، وكانت هذه الزراعة صمام امان اقتصادي".
 وقال ان زراعة القمح لا يمكن الاستغناء عنها ولا بد منها نظرا لعدة اسباب:
1-لاتساع المساحة التي تستعمل لزراعة القمح وتصل الى 125 الف دونم، أي ما يعادل نصف زراعة الارض المروية في البقاع.
2- لا بد من زراعة القمح للحفاظ على خصوبة الارض ومنع الامراض من الفتك بهذه الارض (دورة زراعية).
3- حاجة لبنان الى مادة القمح اذ يستهلك اكثر من 400 الف طن سنويا بينما الانتاج لا يصل الى اكثر من 65 الف طن سنويا.
4- غلاء سعر القمح عالميا واضطرار الدولة هذه السنة لدعمه بأكثر من 300$ للطن المستورد لان السعر العالمي للقمح اليوم يصل لاكثر من600$ للطن الواحد.
  واكد ترشيشي ان "ما تعاني منه زراعة القمح اليوم هو اهمال وزارة الاقتصاد لها، اذ ان استراتيجية هذه الوزارة تقضي بأن لا زراعة للقمح في لبنان، وهو ما اكده وزير الاقتصاد عندما رفض تسليم 30 طنا من القمح لزراعتها لتأصيل البذور، وهو ما كان سينتج الف طن للزراعة تؤصله الابحاث الزراعية بالتعاون مع بعض المهندسين".
وكشف الترشيشي للمزارعين انه وبسبب هذا الاجراء التعسفي لوزير الاقتصاد لن يكون هناك بذار مؤصل للسنة القادمة.
ولخص الترشيشي المشكلة بما يلي:
1. نحن على ابواب محصول جيد لهذا العام يصل الى حوالي 65-70 الف طن ولغاية اليوم لم تأخذ وزارة الاقتصاد أي قرار ان كان لجهة التسعير او لجهة نية استلام المحصول.
2. ان دعم الدولة للقمح المستورد من شأنه ان يضع المزارع في حيرة لمن سيبيع هذا القمح غير المدعوم وبأي سعر سيبيعه, مقابل القمح المدعوم ب300$ للطن, كيف سيقدم المستهلك على شراء القمح الوطني غير المدعوم او القريب من السعر العالمي؟ وهل سيكون هناك مشترٍ للقمح؟ وهذا المشتري هل سيكون لبنانيا ام من خارج لبنان؟
وأمل الترشيشي ان "يبقى هذا القمح في لبنان ليكون من نصيب المستهلك اللبناني حتى وان كان سعره اقل من السعر العالمي", متمنياً ان "يجري تأليف لجنة من وزارة الاقتصاد ووزارة الزراعة وممثلين عن القطاع الزراعي ليصار الى تحديد سعر جديد للقمح وتحديد تاريخ الاستلام حتى لا نصل الى اليوم الذي لا يكون معروفا الى اين ستتجه كمية القمح في لبنان".
خلاصة الامر أن المزاعين في البقاع متفائلون، ولكن امامهم اسئلة كثيرة ومخاطر ليست بقليلة، فالطالما انعم الله عليهم بمواسم وافرة كانت تترك في الحقول لان كلفة قطفها اكبر من عائداتها.
تحقيق وتصوير: عصام البستاني
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008


2008-04-10