ارشيف من : 2005-2008

خاص "الانتقاد.نت" : لماذا يلوح النسيان لعباس

خاص "الانتقاد.نت" : لماذا يلوح النسيان لعباس


بقلم مارك بري Mark Perry ـ ترجمة يوسف شنشيري
في صيف 1997 وجدت نفسي جالسا في مكتب ياسر عرفات في غزة.  وكنت اعرف عرفات لسنوات كثيرة وكنت ضيفا له مرحبا به. فكوني امريكي وصديق له منحني امتيازات لديه.  ففي الوقت الذي كان فيه الآخرون يزنون كلماتهم بين يديه، لم اكن مقيدا بمثل هذه المتطلبات والمتوجبات.  ولهذا، وبينما كان يستعرض رزمة من الاوراق، كنت التمس الرافة منه بصديق لي كان قد امضى الجزء الاكبر من تلك السنة تحت الاقامة الجبرية.  وكان الرجل، وهو مسؤول امني رفيع، قد امر قوات الامن الفلسطينية باطلاق النار على مظاهرة لحماس في الصيف السابق، وكان عرفات، الساخط عليه، قد امره التزام بيته.  "لقد ارتكب خطا،" قلت انا.  "لقد آن الوقت لاعادته."  وتجاهلني عرفات.

ومرت فترة طويلة من الصمت بينما كان مرافقوا عرفات يتبادلون النظرات بضيق وعدم ارتياح.  واشار عرفات الى احدهم وناوله ورقة.  كان ذلك نمطيا من عرفات.  إذ كان بامكانك ان تقضي ساعات مع الرجل بصمت.  واستمر عرفات بالتظاهر بعدم السماع.  فغصت قدما في الموضوع قائلا: " ان الرجل متفان".  فتوقف عرفات، وعيناه تتسعان، ولكنه كان لا يزال يرفض النظر الي.  انتظرت لحظات كثيرة ورافعت عن قضيتي مرة اخرى: "انه رجل صالح."  واخيرا، تكلم عرفات، ولكنه كان يعض كل كلمة تفوه بها لتثبيت موقفه: " إن هذا الامر ليس من شانك."  وعاد الى الصمت.  "اعتقد إنه من شاني،" قلت أنا.  "انه صديق لي."  فجأة، تضايق عرفات ونظر الي بتركيز مؤكدا: "لقد تجاوز الرجل خطاً."

أُحزنَ منا الذين يعرفون ويفهمون شيئا عن المجتمع الفلسطيني باحداث حزيران/يونيو – ووميض ال يوتيوب Youtube يلمع بمسلحين فلسطينيين يسحلون في شوارع القطاع وبدت الصورة كانها طلاسم خطوط اجتيزت مرارا وتكرارا حتى زالت الخطوط. - بدا الفلسطينيون انفسهم يبتعدون عن هذه الظاهرة، بل ويجفلون من العنف.  "الطرفين ارتكبوا اخطاء," قال لي مسؤول حماس اسامه حمدان في بيروت في اواخر حزيران /يونيو وكان هناك حزنٌ في صوته.  "نحن نأسى لذلك."

في اعقاب هذه الاحداث، قطع الرئيس ابو مازن (محمد عباس) الروابط بحماس، اعلن حكومة طارئة، علق اعمال المجلس التشريعي الفلسطيني، اعتقل عشرات من اعضاء حماس في التشريعي، قيد التظاهرات المناوءة للحكومة، نبذ المنتقدين من حركته ذاتها فتح، واعلن انه سيبدأ محادثات فورية مع حكومة أولمرت.  واستجابت الولايات المتحدة بالمثل:  حثت اسرائيل على ان تفرج عن مئات الملايين من الدولارت من اموال الضرائب الفلسطينية المحتجزة، قالت انها ستعمل باتجاه خلق دولة فلسطينية، طالبت اسرائيل بتسهيل التنقل في الضفة الغربية، منحت حكومة ابو مازن عشرات الملايين من الدولارات كمساعدات اقتصادية وامنية، حثت الدول العربية على دعم برنامج ابو مازن السياسي، دعت الاتحاد الاوروبي لاتخاذ اجراءات مماثلة، اوفدت، على وجه السرعة، فريقا من الخبراء لتقدير الاحتياجات الفلسطينية، دعت الى مؤتمر دولي لحل الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني واجرت محادثات عالية المستوى مع الدول العربية لتتأكد من ان دعمهم لهذه البرامج مضمون.  كانت الاجراءات الامريكية مذهلة في ابعادها وسعة نطاقها.  اذ وفرت، ولأول مرة من قرابة عقد من الزمان، امكانية حل سياسي للصراع الاسرائيلي-الفلسطيني الهائل.

وليس لدى هذه الاجراءات الامريكية، مطلقا، أي أمل في النجاح.

بل سيفشل عباس في تقوية موقعه كرئيس للسلطة الفلسطينية، وخلال الايام الستين او التسعين القادمة - ومن المؤكد تقريبا مع نهاية العام الحالي – سيرغم ابو مازن وزملاءه الى المنفى الا اذا اتخذوا خطوات لاعادة بناء ذات حكومة الوحدة الوطنية التي انفقوا الستين يوما الماضية في تدميرها.

وهنا الاسباب:

1.  المجتمع الفلسطيني غير منقسم

بالرغم من كل ما نشاهد على شاشات التلفزة وما نقرأ في الصحافة الامريكية، فان المجتمع الفلسطيني الان اكثر توحدا مما كان عليه لسنوات.  "انقلاب غزة" لم ينطلق من غزة بل بدأ من رام الله – والقوى التي اتت بالاضطرابات في القطاع وجلبت حالة عدم الاستقرار في غزة مولت وسلحت من الولايات المتحدة.  لم يمثلوا فتح ولا حتى الغالبية في فتح، بل كانوا اقلية صغيرة من متطرفي فتح.  فالسواد الاعظم من قوات فتح الاساسية وحتي عدد مهم من اعضاء لجنة فتح المركزية لم يدعموا تسليح جهاز الامن الوقائي.  قائد جهاز الامن الوقائي، محمد دحلان، الآن في المنفى ويطالب مناهضوه باعتقاله.  الشعب الفلسطيني يعرف هذا.  إنهم يعرفون ان نتائج انتخاباتهم التشريعية نُقِضَتْ من عباس والولايات المتحدة، وهم يمقتون ذلك.

2.  لا تزال حماس شعبية وتزداد قوة

صحيح، توجد بعض الانخفاضات في شعبية حماس في بعض المجالات، ولكن الخسائر ليست ذات شأن.  وتذكّرْ أن هناك نزعة مقيمة في الولايات المتحدة للتقليل الدائم لشعبية حماس التى اعزوها لما يلي:
   - عدم تصديق انه من الممكن للفلسطينيين ان يدعموا منظمة كحماس
   - تصديق ارقام استطلاعات الراي الممولة امريكيا
   - الطبيعة العلمانية المفترضة للمجتمع الفلسطيني
   - نزعة اغفال قوة حماس التقليدية في فترات المجابهة
   - الانعكاسات الناجمة عن الحصار الاقتصادي

اعتقادي الذاتي (اعترف انه ليس علميا)، ان قوة حماس مرجحة للنمو.  قاعدة الدعم الحركة اتسعت بشكل كبير – من 9% في اواخر الثمانينات الى 25% او 30% الآن، وهذه الارقام تضاهي بشكل حسن ارقام اي حزب سياسي غربي راسخ الجذور.  ومع ان انتصار حماس البرلماني في يناير (كانون الثاني) 2006 كان الى حد كبير بسبب سمعة فتح السيئة، الا ان حماس لم تكرر اخطاء فتح: فبالرغم من مغريات السلطة، قدمت حماس حكومة صالحة بقد ما اتاحت امكانياتها لها – ولم تمس لطخة فواحش واحدة قياداتها العليا.  وتبقى هذه الحقيقة ابرز انجازات حماس.

3.  حماس تمثل السواد الاعظم للمجتمع الفلسطيني
ليس المجتمع الفلسطيني علمانيا، ليبراليا، تقدميا وغربيا.  إنه عربي، تقليدي، محافظ ومسلم.  محمود عباس، سلام فياض، صائب عريقات وياسر عبد ربه اناس مليحة – وهم اصدقاء لي – ولكنهم لا يمثلون السواد الاعظم من المجتمع الفلسطيني.  حماس تمثله.  ليس انتخاب حماس وقوتها المتزايدة انتكاسة للمجتمع الفلسطيني بل انعكاس لنموه وتطوره. ان ميولي الذاتية الهاملتونية (التي تقول باحقية النخبة للقيادة) قد تواضعت امام هذا التطور.  من الممكن ان يفهم المرء امريكا بزيارة لمدينة بوسطن، ولكنني لا انصح بذلك اكثر من انصح بان يعتقد الامريكي بإن حنان عشراوي نمطية الفلسطينية.  لا يحكم الامريكان من نانتكيت بل من نانشيز، ولا يحكم الفلسطينيون من رام الله بل من جباليا - والتمني بان يكون الامر كذلك لا يجعله كذلك3.  لم تكن حقيقة أن فتح هزمت في الانتخابات تعليقا على فسادهم فحسب، بل على عدم قدرتهم على ان يتكلموا نيابة عن الشعب الفلسطيني.  لهذا من المرجح ان تنمو حماس وتزدهر.

4.  حماس ليست فطريا وقطعيا مرتبطة بالعنف

شاركت حماس في الانتخابات وربحت.  نحن (الامريكيون) قررنا ان ننقض ونعكس حكم عملية ديمقراطية، وليس اهل حماس.  بدون شك هناك حوار داخل حماس حول جدوى استمرار مشاركة الحركة في السياسة الانتخابية.  ان خسارة بعض الدعم الشعبي والارتداد الى العنف في غزة وعدم قدرة الحركة على كسر الحصار الدولي والانقسامات الناشئة داخل حماس ذاتها واغلاق الخيارات السياسية قد اطلقت هذا الحوار الداخلي.  ولكنني اشك في مقولة أن حماس ستتخلى عن استراجيتها الحالية لصالح مواجهة عنيفة مع فتح او مع اسرائيل.  قد يبدو المشهد قاتما من غزة، .  ومن الممكن ان يبدو المشهد اكثر قتامة من دمشق.  ولكن هناك جانب آخر في دفتر الحسابات،  وهو جانب بذات الاهمية وهو حقيقة ان نقاط القوة في حماس تثبتها نقاط الضعف المستمرة في فتح – وليس من الممكن عكس نقاط الضعف هذه بعملية ضخ نقود بسيطة من مالنا (الامريكي).

5.  من القمة الى القاعدة فتح متكسرة

فتح ضعيفة وهرمة وفاسدة الاخلاق وفوضوية واكثر انقساما من حماس.  وتمول حصريا من مصادر خارجية.  ينقصها برنامج سياسي ورؤيا سياسية.  قياداتها ليست على اتصال بالوقع و ملازمة للمؤتمرات ومتشبثة بفكر حقبة خلت وتعتمد في بقائها على قيد الحياة على الولايات المتحدة واسرائيل (حقيقة يدركها الشعب الفلسطيني بشدة وعلى حساب مصداقية فتح) وهي في حرب مع كادرها الشاب (الذين يعزفون عنها ويتركونها).  ان تنظيمها المقاوم ينمو في القوة، ولكن اعضاءه مستبعدون من قيادة فتح ومنسلخون عنها ويمقتون فسادها.  ومن الاكثر اهمية هو ان هذا الكادر المقاوم يتعاون مع حماس.  ان القواعد التحتية لفتح تضغط بشدة في هذا الوقت لعقد المؤتمر العام لحركة فتح الذي طال تاخيره بهدف اصلاح الحركة.  يستطيع ابو مازن ان يلقي نواب حماس في السجن – سيكون من الاصعب بكثير عليه ان يلقي اعضاء حزبه في السجن.  ولهذا السبب...

6.  المعركة السياسية المستعرة الآن في الضفة الغربية تدور رحاها بداخل فتح

تآكلت قوة عباس بشكل خطير داخل حركته ذاته.  ففي الاجتماع الاخير للجنة التي دعيت لتقييم احداث غزة ادانت اللجنة مُعَيَّني ابو مازن: محمد دحلان ورشيد ابو شباك و توفيق الطيراوي.  ويقف ابو مازن على مسافة صوت انتخابي واحد من خسارة قاعدة قوته: أي فتح ذاتها.  ان اقرب مساعديه (سلام فياض وصائب عريقات ورفيق حسيني وياسر عبد ربه) لا يُحسبوا بشيء في فتح اذ ان ليس لهم اصوات انتخابية فيها.  لقد أثار تَوَسُّلَ عباس امام اللجنة المركزية لفتح "لقد اكد لي مساعديني ان افعالي شرعية" الضحك حتى من اقرب مؤيديه.  وقد رفض رئيس الوزراء السابق ابو علاء ان يدعمه، كما ادانه هاني الحسن.  وردا على ذلك قام البعض باطلاق النار على بيت هاني الحسن يوم الخميس الماضي. ولقد اخبرني هاني الحسن وهو يضحك  "لقد تأكدوا انني لم اكن موجودا في البيت".  وطالب مستشار الامن القومي السابق، جبريل رجوب، باعتقال محمد دحلان.  كان جواب ابو مازن قوله باجراء انتخابات وطنية عامة – ولكن بدون السماح لحماس بدخولها، ولقد تكرم رئيسنا (جورج بوش) بمباركته لهذا واصفا حكومة عباس ب"الشرعية".  حقا، حقا، حقا، نحن نور في الظلمات ومدينة على تلة4.

7.  ابو مازن معزول بشكل متزايد

ان عدم دفع مرتبات الحكومية لاعضاء حماس في الضفة الغربية يسبب نفورا عميقا لان ذلك يقطع خلال خطوط عائلية وعشائرية.  فبهذا يدفع مرتب أخ لانه عضو في فتح بينما أخوه لا يحرم من حقه لانه عضو في حماس.  بهذا اثبت فياض عباس بانه محاسب بارع ولكنه ليس من السياسي بشيء كثير.  إذ انه وضع عائلة ضد عائلة والاخ ضد اخيه.  وهذا الفعل ممقوت بعمق في الضفة الغربية.  أيضا الاجهزة الامنية في وضعية تقارب التمرد بسبب سياسة الاعتقالات المستمرة للمقاومين المناوئين لابو مازن.  ولقد بدأت ملصقات تظهر في الضفة الغربية تظهر ابو مازن على أنه بينوشيت5 فلسطيني – أو أسوأ، ملصقات تظهره على انه "ابو موسى" (الرجل الذي اوفده الرئيس السوري حافظ الاسد لقتل عرفات في لبنان).  هذه الملصقات يتم تصميمها من قبل ابناء فتح، وليس حماس.  احقا نصدق ان الشرطة الفلسطينية ستستمر باطاعة اوامر عباس: بان يعتقلوا نشطاء حماس لانهم لا يستوفوت شروط اللجنة الرباعية؟ ولأن حماس لا "تعترف باسرائيل؟"

8.  جبهة امريكا واسرائيل والانظمة العربية المتحدة ليست نظير حماس في معركة الحصول على تاييد الشعب الفلسطيني

بالفعل، ان الجبهة المتحدة المتبجح بها كثيرا والتي تبنيها الولايات المتحدة لمواجهة حماس لشيء من الخرافة: فالمصريون والسعوديون رفضوا بهدوء البرنامج الامريكي للاطاحة بحماس وحثوا فتح وحماس على التصالح.  وكولن باول6  دعا الى محادثات مع قيادة حماس، في الوقت الذي يبقى فيه دعم اسرائيل لابو مازن فاتر كالمتوقع.  (انهم ليسوا اغبياء – والاسرائيليون ايضا سيتحدثون مع حماس في نهاية المطاف.  هذا رهاني.)  هناك 542 حاجز طرق في الضفة الغربية – وسيكون نفس هذا العدد هناك غدا والاسبوع القادم والشهر القادم.  قولوا لي انني مخطئ في هذا.  أعادت اسرائيل اموال الضرائب التي جبيت من الفلسطينين وللفلسطينيين، ولكنها لم تعد الاموال كلها – بل بالقطارة. احقا نؤمن فعلا بان اسرائيل ستهب فجأة، هبة رجل واحد، وتقول انها تنوي تأييد قرارات الامم المتحدة 242 و 383 ؟ أم أن الاسرائيليين يضحكون بهدوء الآن ويهزون برؤوسهم:  سندعم ابو مازن؟  سنرسل له البنادق؟  سنجري محادثات معه ونستنتج بانه يستطيع اقامة ادارة كفوءة وغير فاسدة – وحكومة تتمتع بدعم شعبه؟ ام ان الاسرائيليين سيرون ما فشلنا (نحن الامريكيون) في رؤيته: انه في اخر مرة جرت انتخابات في فلسطين خسر حزب السيد ابو مازن.  البرنامج الامريكي في العراق في انهيار كامل، الهدوء والاستقرار يعودان الى غزة واسئلة عن ماهية البرنامج الامريكي لفلسطين تطرح في واشنطن,  ليس هذا وقت حركات سياسية مفاجئة او وقت تحول في الاستراتيجية،  انه وقت الحسابات السياسية.  حماس تعرف ذلك.  اسرائيل تعرف ذلك.  مصر تعرف ذلك.  العربية السعودية تعرف ذلك.  الشخص الوحيد الذي يبدو وكانه لا يعرف ذلك هو جورج بوش.

9.  عهد حماس في غزة يقوِّض دعايات اعداءها

يحب بعض ساسة الولايات المتحدة و حلفاء ابو مازن الاكثر تهويلا ان يرسموا ادارة حماس في غزة كنوع من الدولة المناصرة للدولة الاسلامية الايرانية، ولكن هذا لا يثبت امام الفحص والتدقيق.  ليس هناك من فرض للحجاب او لاي من القوانين المحافظة الاسلامية الجتماعية الاخرى، ليس هناك مجلس للشريعة، ولا اكراه في الحضور الى المساجد.  عاد الاستقرار الى غزة.  الناس تطيع القانون وتشعر بانها آمنة.  ولم يفت هذا الدرس على مصر او اسرائيل.  ماذا يفضلون – نزاع مدني او نظام مدني؟

10.  لقد تجاوز ابو مازن الخط

بعد سنوات من مواجهتي اللطيفة مع السيد عرفات في غزة.  التقيت به في مقر قيادته في رام الله.  كان ذلك في صباح باكر مشرق من شهر نيسان يلح جماله على الذاكرة:  كان اللقاء بعد يوم واحد من فك الحصار على كنيسة المهد.  وكان من في الكنيسة قد ارسلوا من الكنيسة الى اوروبا في اليوم السابق – بعيدا عن عائلاتهم لمنفى قسري.  وكان فراقهم شجي مثير للعاطفة:  كانوا قد ساروا من الكنيسة بينما كانت عائلاتهم، على سطوح بيت لحم تهلل وتبكي.

في اليوم التالى سافرت مبكرا الى رام الله لرؤية عرفات وللحديث معه عن الحصار.  عندما وصلت روفقت الى مكتبه في الطابق العلوي.  كان الوقت بعد الفجر مباشرة.  كنت مرهقا، ولكنني وجدت عرفات في مزاج طيب ومنفتح على مزاحي.  قلت له " ارى انك قد تجاوزت خطا".  كان ذلك شيئا لم اكن اجرؤ على قوله في اي وقت آخر،  ولكنه كان يبتسم وكانه يداريني.  " اه، واي خط قد يكون ذلك؟" سالني.  فسردت عليه القانون بشعائرية طقوسية وقلت : "إن الفلسطينيين لا يرسلون الفلسطيين الى المنفى،"  نظر الي وهز راسه ونظر الى الاسفل، حزين بشكل مفاجئ، وقال "نعم، ولكن عندي خط آخر،" واضاف متأملا: "إن الفلسطينيين لا يرسلون فلسطينين آخرين الى السجون الاسرائيلية."

هناك خطوط.  الفلسطينيون لا يرسلون فلسطينين آخرين الى المنافي. .  الفلسطينيون لا يطلقون النار على فلسطينين آخرين.  الفلسطينيون لا يخونون فلسطينين آخرين.  الفلسطينيون لا يسوون خلافاتهم السياسية بالسلاح.  الفلسطينيون لا يتعاونون مع اعدائهم.  الفلسطينيون لا يخونون شعبهم بذاته.  الفلسطينيون لا يخونون قضيتهم بذاتها.  الفلسطينيين لا يرسلون فلسطينين الى السجون الاسرائيلية. وفي وقت أو آخر، تم تجاوز كل خط من هذه الخطوط.  ولكنه لم يحصل في أي وقت من الاوقات ابدا، ان يقوم اي فلسطيني بالتنكر للوصية الحقيقية التي حفزت كل فلسطيني وطني، من عرفات الى ابو موسى الى ابو نضال الا وهي: ان الشعب الفلسطيني وحدة لا تتجزأ، وان الفلسطينيين لا يمكن تقسيمهم.

حتى الآن.  بادارة ظهره للفلسطينيين في غزة، وسعيه النشيط لافقارهم في الامم المتحدة (كما فعل، بخزي كامل، يوم الجمعة، عندما عرقل دبلوماسيوه جهودا تسعى للحصول على بيان من مجلس الامن حول الاوضاع الانسانية في غزة).  لقد انطلق ابو مازن ليقطِّع الامة الفلسطينية، ولكي يضعها ضد نفسها.  وذلك الخط، في نهاية الامر، لا يمكن تجاوزه.  وحقيقة أن ابو مازن قد تجاوزهذا الخط، سيكون لها كل الفرق في قلوب وعقول الشعب الفلسطيني.  هناك فلسطين واحدة.  وابو مازن ليس بجزء منها.
31 تموز /يوليو 2007
ــــــــ
1.  نانتكيت Nantucket جزيرة في ولاية ماساشوستس Massachusetts الامريكية حيث تعيش نخبة امريكية غنية.
2. نانشيز Natchez مدينة في ولاية ميسيسبي Mississippi حيث يعيش امريكيون عاديون نمطيون.
3. أي أن التمني بان يحكم الفلسطينيون من رام الله لا يجعل الامر كذلك في واقع الحال
4.  يسخر الكاتب بهذه الجملة من مقولة جورج بوش بان حكومة عباس شرعية كما يسخر من الادارة الامريكية التي تدعي حرصا كاذبا على نشر الحرية والديمقراطية في العالم
5.  اوغستو بينوشيت Augusto Pinochet قام بانقلاب عسكري على الحكومة الشرعية سنة 1973 في تشيلي بمساعدة المخابرات المركزية الامريكية واقام حكما دكتاتوريا دمويا ذهب ضحيتة عشرات الالاف من الابرياء
6.  كولن باول Colin Powell وزير خارجية الولايات المتحدة السابق
ــــــــــ
(*) كاتب المقال محلل وكاتب في الشؤون العسكرية والامنية والاجنبية.  ظهرت مقالاته في عشرات المطبوعات.  هو مدير ملتقى النزاعات (Conflicts Forum )
المقال بالانكليزية على الرابط التالي:
http://tonykaron.com/2007/07/31/why-oblivion-looms-for-mahmoud-abbas/
التعربف بكاتب المقال على الرابط التالى:
http://conflictsforum.org/who-we-are/mark-perry/

 

2007-08-06