ارشيف من : 2005-2008

جهاديّون يسألون: من أين تأتي الصحف بأخبارها؟

جهاديّون يسألون: من أين تأتي الصحف بأخبارها؟

للعلاقة بها، وخاصة أنهم يمارسون نشاطاتهم تمويلاً وإدارة موارد بشرية باكتفاء ذاتي، ويرون إلى الوضع اللبناني بنظرة متشائمة، إذ «في لبنان لا ضرورة للقاعدة، فالأمور تتجه وحدها نحو الأسوأ»‏

على مفترق طرق جب جنين، تقف دبابات للجيش اللبناني باردة جامدة، وقرب مفترق القرعون كان حاجز الجيش يصمد في وجه الجليد الذي يشل الطرق حتى ساعات الصباح الأولى، ويخبرك المواطنون عن مواقع الجيش الإسرائيلي، وهي الذكرى الحية في أذهانهم، والتي لم يلاحظوا بعد أنه مضى عليها عقود.‏

يعيش الشيخ منير رقية في منزل من طبقة واحدة في بلدة القرعون التي يؤمّ مصلّيها، ويكتفي بحياة متواضعة، علماً بأن ما يقدمه أبناء القرية الأغنى في محيطها للجهاد بالمال يفوق ما يمكن أن تقدمه أية منطقة أخرى في البلاد، وقد اعتادوا ذلك منذ ثورة الجزائر.‏

الشيخ رقية مسكون بالقلق مما يمكن أن تحضره الأجهزة الأمنية للمنطقة، عبر اتهامها بأنها من مواقع القاعدة في البلاد، «نحن بعيدون عن الإعلام، ولا أحد يهتم بما يحصل هنا، فتجرؤ القوى الأمنية على الإسلاميين، ووحده مقتل إسماعيل الخطيب أحدث نوعاً من التوازن بين الأهالي والقوى الأمنية.‏

بعيداً عن البقاع الغربي حيث القرعون ولالا، وقرب الحدود السورية يقف عالم دين سلفي ووالد أحد الشهداء في العراق ليقول «لسنا أغبياء، نعرف أن الملك عبد الله أهدى السيف لبوش ليقطع به رقابنا، ولكننا أدرى بأخطائنا ولن نقبل بأن ينتقدنا أحد».‏

وفي مجدل عنجر ستجد مشقة في إقناع أي من أقرباء إسماعيل الخطيب الذي قضى عام 2004 في السجن، بالكلام. العائلة أوكلت أمر الحديث إلى شخص واحد، هو مسؤول منظمة الحزب الشيوعي في المنطقة وقريب اسماعيل، محمد الخطيب، والرجل يتحدث عن دور اسماعيل في فتح طريق العراق لمدّ المجاهدين بالرجال.‏

«نشاط الأحزاب انكفأ 100 في المئة، وكانت الشبكات الأصولية في البداية على علاقة ما بالاستخبارات السورية، أو على الأقل عملت بغضّ طرف منها، وجاءت عملية اعتقال اسماعيل والعديد غيره لتقدم فاتورة حساب للأميركيين في محاربة الإرهاب».‏

تعرض اسماعيل للتعذيب بالكهرباء، كما يقول محمد الخطيب، وأطفئت السجائر في عينيه والأماكن الحساسة من صدره وجسده، ونتيجة الضغط والكهرباء حصلت الأزمة القلبية التي أدت إلى وفاته. ويضيف محمد الخطيب «لو كان الطريق إلى الجنوب مفتوحاً لذهب اسماعيل وغيره بهذا الاتجاه، ولكن من أقفل طريق الجنوب هو نفسه من فتح طريق العراق».‏

يشرب الشيخ منير رقية الزعتر المغلي، وهو يعرّف عن قناعاته بالقول «أتفق مع السلفيين في الجانب الفكري والعبادي، وجهاد العدو، ولكن أختلف معهم في مسألة النضج السياسي وعزلتهم». ويتحدث، البعيد عن القاعدة والقابع في قلب الحركة الجهادية في الوقت عينه، عن حجم الاعتقالات التي تمارسها القوى الأمنية على أبناء المنطقة، وعن محاولات هذه القوى استدراج المعتقلين إلى التوقيع على إفادات لم يدلوا بها، من الضنية إلى «شبكة لالا»، ويقول إنه من أبناء «منطقة عصيّة على النظام، تفاعلت بقوة مع الصحوة الإسلامية الحديثة، ويأخذ على سوريا «تفهمها للبندقية الشيعية ورفضها للبندقية السنية المقاومة».‏

ويحافظ على التمييز في موقفه من حزب الله، الذي يراه من منظار إيجابي على صعيد المقاومة «بغضّ النظر عن الموقف من الشأن الداخلي».‏

ويتحدث عن الوفود التي تزور البقاع، وهي كثيرة، وتأتي من العديد من الدول وضمنها الخليجية، «ولكنها تنزل في الأزهر ومنه تنطلق في جولاتها». ويتابع في الرد على انتشار القاعدة «إذا اخترقت القاعدة المنطقة فإن ذلك سيتم لأن الناس تحبها، لا لأنها تملك قدرات مالية»، متحدثاً عن الشبان الذين ذهبوا إلى الجهاد في العراق، والذين لم يعودوا من هناك.‏

ولا يمتنع عن انتقاد الجهاديين «الذين لا يفكرون سياسياً، بل ينطلقون إلى المعركة حتى قبل أن تتعرف إليهم الناس، ثم في لبنان إذا لم ينهض مشروع سياسي في بيروت فلا مشروع جهادياً كما نطمح إليه، وللأسف إن الجهاديين يتخبّطون سياسياً، ويدفعون الثمن، ولا أمل بنجاحهم ما دامت البنية الفكرية في التعاطي السياسي غير متوافرة لديهم.‏

وفي مخيم عين الحلوة، يتجول الشيخ أبو شريف دون مرافقة، يتحرك من منزله إلى المسجد على أبواب المخيم وتحت أنظار قوات «فتح»، ويجلس في المسجد بمفرده مطمئناً، وهو يرى اليوم إلى «عصبة الأنصار» كصمام أمان للمخيم ولمدخل الجنوب، «بفضل نضج فكر أبناء العصبة استطاعت هذه أن تفرض نفسها على الجميع» يقول في المسجد بين صلاتين.‏

ويعرّف أبو شريف العصبة بأنها سلفية المنهج، وتقول إن المنهج الإسلامي يجب أخذه بكليته، ما بين دعوي وجهادي، بما في ذلك «الدفاع عن الإسلام، فالشأن الذي يهمّ الأفغان والعراقيين وغيرهم يهمّني، فالإسلام لا يعترف بجنسية ولا بحدود».‏

ويضيف أبو شريف: إن العصبة تتبنّى الجهاد، و«نحن أرسلنا خيرة شبابنا إلى العراق منذ بداية الغزو، وهو ما لم يتوقف ولن يتوقف، وهناك المئات والآلاف من الشباب المجاهد الذي يتمنى أن تتيسر له السبل إلى العراق، وإذا استطعنا أن نوصلهم فلن نتوانى».‏

وينفي أبو شريف الاتهامات بإرسال شبان إلى الغرب، «نحن لا نتعاطى بشؤون التزوير، ولم نرسل أحداً إلى الغرب، وإن كنا لا نحرّم ذلك، فالغرب هو من أتى إلى بلادنا، وأما الكلام عن علاقتنا بالقاعدة فهو قديم وسبق أن نفيناه مراراً، فالعلاقة التنظيمية غير موجودة، ونحن نقوم بتنسيق خط لبنان ـــ سوريا ـــ العراق عبر أبناء العصبة، لا بواسطة أحد».‏

ويضيف: إن العصبة وجّهت نصائح عبر الإعلام إلى القاعدة بعدم القيام بأي عمل عسكري في البلاد العربية، «لأن هذه الأعمال لا تخدم المشروع الجهادي، ولا بد من توحيد الجهود للقتال في العراق وفلسطين وأفغانستان».‏

وعن تمويل العصبة، يقول أبو شريف إنها تحصل على أموال من الزكاة، وإن عناصرها يمارسون أعمالهم يومياً لكسب العيش. ويضيف أن الكلام عن دخول عناصر عربية للتدريب «لا أساس له من الصحة، فالمخيم محاصر حصاراً شديداً، ونحن لا نتعاون مع القاعدة، ولو أمكننا الذهاب للجهاد في فلسطين لما ذهبنا إلى العراق، لكننا نركز حالياً على إنشاء جناح عسكري في فلسطين».‏

أبو شريف الذي يقول إنه مطلوب للسلطات اللبنانية دون اتهامات، ولمجرد انتمائه إلى العصبة شأن العديد من الشبان، ينفي صحة دخول ابن أسامة بن لادن إلى المخيم «ولو صحّت فهي دليل على فشلهم وفشل حواجزهم».‏

في شارع آخر من المخيم ومسجد غير بعيد، يبدأ الشيخ جمال خطاب حديثه بنفي أية صحة للمعلومات حول علاقة الحركة الإسلامية المجاهدة بتنظيم القاعدة، «وجهتنا هي فلسطين، ونتجنب الصراعات الداخلية مع الأنظمة العربية، ونرى أنها تعوق تحقيق أهدافنا، والقاعدة تتحدث عن فلسطين، ولكن ليس لها دور فيها». أما العراق فشأن آخر، هنا قتال للمحتل، «ونختلف في الصراع ضد الشيعة، ونعتبر أنه يحرّف المسار».‏

وينفي خطاب إيواء عناصر من خارج المخيم: «أكثر الكلام يتردد بأننا ندرب شيشانيين، وهذه كذبة كبرى»، ويؤكد خطاب أن الحركة تتمول من اشتراكات الأعضاء وعبر الزكاة، ودون مموّلين خارجيين، وليس لديها متفرغون، أو نفقات كبيرة، ومن سبق أن اتهم بتحويل أموال فقد برّئ في المحاكم اللبنانية.‏

إلا أن حسرة تكتسي نبرة خطاب حين يتحدث عن الجهاد، «نشعر بأننا ممنوعون من الجهاد، وهذا الموضوع في لبنان له حساسيته، وآخر عملية قام بها الإخوة في الجهاد الإسلامي استدعاهم بعدها رئيس الحكومة (آنذاك) وطلب منهم الكفّ لأنهم يسببون له الإحراج الداخلي والخارجي». وحين اندلعت حرب البارد «تدخلنا في الوساطة من أجل إيجاد صيغة لإنهاء الوضع، لكن الانقسام الفلسطيني أدى إلى تعطيل إنشاء قوة فصل، وكذلك الوصول إلى وقف النار، والانقسام اللبناني، وموقف 14 آذار المصرّ على استمرار المعارك».‏

ـــــــــــــ‏

فتح الإسلام‏

يرى الشيخ جمال خطاب أن أغلب من اعتقلوا من «فتح الإسلام» تلقّوا تدريباتهم وخبراتهم العسكرية في الخارج، مضيفاً «أنا لا أبرّئ سوريا في موضوع فتح الإسلام، فلا يمكن انتقال هذا العدد من المقاتلين إلى لبنان دون علم الأجهزة السورية، وربما اعتبر السوريون أن هؤلاء يشكلون عبئاً عليهم، فوقعت اشتباكات داخلية وتخلصت سوريا منهم عبر وضعهم في معسكرات فتح الانتفاضة».‏

بينما يقول الشيخ أبو شريف إن «ما حصل (في مخيم نهر البارد) في لبنان دليل على الضرر الذي لحق بالحركة الجهادية وسكان نهر البارد ومحيطه، جراء الأحداث المؤسفة التي حاولنا تداركها». ويضيف أن ما حصل في البارد «كان خطأً في التوقيت والاتجاه، وربما هناك الكثير من الحقائق التي تبين أن المخيم كان مستهدفاً، سواء كانت فيه فتح الإسلام أو لم تكن، واستطاعوا استدراج فتح الإسلام».‏

التاريخ: 15/4/2008‏

2008-04-15