ارشيف من : 2005-2008

لا أموال للمزيد من الحرب في العراق!

لا أموال للمزيد من الحرب في العراق!

حرب العراق وغيرها من التورطات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط سجلت خلال الأيام القليلة الماضية، مزيداً من الانعكاسات على مستوى تعمق الخلافات داخل الساحة الأميركية. أبرز تلك الانعكاسات تمثل في تصويتين لمجلس النواب الأميركي دلّا في جملة الدلالات، على مدى العسر الذي تعاني منه سياسات الرئيس بوش. الأول هو تصويت مجلس النواب سلباً بأكثرية 149 صوتاً مقابل 141، على طلب البيت الأبيض تخصيص مبلغ 163 مليار دولار إضافية لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان. مع الإشارة إلى أن عدداً من النواب الجمهوريين صوّتوا ضد الطلب الرئاسي. أما التصويت الثاني فكان إيجابياً على مشروع قانون يحدد أواخر العام 2009 موعدا لسحب القوات الأميركية من العراق، مع بدء التنفيذ في غضون شهر بعد المصادقة على مشروع القرار. وهنا كانت شقة الخلاف أكبر بين مؤيدي القرار ومعارضيه: 227 مقابل 196. ومن المتوقع كما حدث في مواقف مشابهة سابقة، أن يستخدم الرئيس بوش حق الفيتو لمنع تمرير المشروع، فيما لو عجز الجمهوريون في مجلس الشيوخ عن منعه. وفي الحالتين لن يكون وضع الرئيس مريحاً، لأنه سيكون في الحالة الأولى شاهداً حزيناً قبل نهاية ولايته، على فشل مغامرته العراقية، ولأنه سيقدم في الحالة الثانية تأكيداً جديداً من خلال تواتر استخدام الفيتو، للطبيعة الامبراطورية لموقع الرئاسة الأولى في بلد يطرح نفسه ليس فقط كديمقراطية نموذجية، بل أيضاً كحامل للواء نشر الديمقراطية في العالم.
وسواء تعلق الأمر بموازنة الحرب الإضافية أو بموضوع الانسحاب، فإن المسألتين باتتا في حكم ما لا طائل من البحث فيه، بسبب قرب نهاية ولاية بوش التي لم يتبقَّ منها غير ستة أشهر، لأن المرشحين الديمقراطيين للرئاسة هيلاري كلينتون وباراك أوباما، قدما وعوداً انتخابية تعهد فيها كل منهما بسحب القوات من العراق فور تسلمه مقاليد الرئاسة، هذا اذا لم تتدخل اعتبارات من النوع المعروف الذي يتنكر معه الفائز لوعوده، وبالطبع ما لم تحدث مفاجأة تجعل المنصب من نصيب المرشح الجمهوري جون ماك كين.. عندها ستكون الليلة استمراراً للبارحة، لأن المرشح الجمهوري لا يزال يتكلم على الطريقة التي كان يتكلم بها بوش وجماعته يوم كانوا يتخيلون بعد أحداث أيلول سبتمبر وقبل حرب العراق، وخصوصاً أيام التفرد الأميركي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، أن إقامة امبراطوريتهم العالمية بات في متناول اليد، ولا يحتاج غير تغطية من نوع التلفيقات التي أطلقت على أساسها الحرب العالمية على الإرهاب. فهو يقول في حملاته الانتخابية ان انتصار الولايات المتحدة ممكن في العراق في غضون أربعة أعوام، ليصبح بعدها من الممكن البحث في إعادة الجنود إلى البلاد في حدود العام 2013، تاركين وراءهم عراقاً يمتلك مقومات "الديمقراطية الفعالة" على حد تعبيره. ولكن السؤال الذي لا يبدو مطروحاً في ذهن ماك كين هو التالي: هل سيمنحه الكونغرس ما سيطلبه من موازنات إضافية أو حتى موازنات عادية، لتغطية نفقات الحرب؟ لا لأن الكونغرس سيكون قد أصبح موئلاً للتفكير الرشيد والمسالم، بل لأن الولايات المتحدة تتخبط منذ اليوم في مشكلات مالية، ناهيكم عن السياسية والاجتماعية والأخلاقية، تحول بينها وبين الاستمرار في اعتماد سياساتها الاستكبارية المعهودة.
 وإذا كانت الولايات المتحدة قد تمكنت بالترغيب والترهيب من حشد تحالفات من عشرات الدول لحروبها في العراق وأفغانستان، فإن عقد هذه التحالفات قد بدأ باكراً بالانفراط منذ اللحظة التي تبين فيها أن الغزاة يُستقبلون ـ خلافاً لوعود الرئيس بوش وأركان إدارته ـ بشيء غير الأرز وباقات الزهور. وإذا كان الحلف الأطلسي قد تدخل في أفغانستان إلى جانب القوات الأميركية، ظناً منه بأن التجربة ستقتصر على شيء من القصف الجوي المشابه لما جرى مع صربيا، فإن هذا الحلف قد بدت عليه أعراض التفكك الفعلي بعد مضي ما يقرب من سبع سنوات على الحرب في بلد لم يكن بإمكان أي محلل من الأكاديميين الذين يحسنون لغة الحسابات على أساس موازين القوى المتعارفة، أن يتوقع صموده أكثر من ساعات أو أيام.
إن أميركا التي كانت قادرة على حشد الحلفاء قبل سنوات، والتي تمكنت في حرب أفغانستان من جعل الحلفاء يقاتلون جنباً إلى جنب مع جنودها، دخلت اليوم في مرحلة جديدة تريد معها زج حلفائها في حروب لحسابها على طريقة المثل العربي القائل: "ركّب عبدك على الفرس، فإن هلك هلك، وإن ملك فلك". وإذا كانت أميركا لا تزال تعثر في بعض الأصقاع على هذا الضرب من الحلفاء، فلأن هؤلاء يعيشون في حالة انعدام الذاكرة ببعديها البعيد والقريب. فمن باتيستا وسوهارتو وماركوس، إلى شاه إيران وبينوشيه، تركت الإدارات الأميركية عملاءها السابقين لمصيرهم، هذا إذا ما عفّت عن غمس كفيها بدمائه.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008

2008-05-23