ارشيف من :آراء وتحليلات

سؤال الحكومة

سؤال الحكومة

كتب إبراهيم الموسوي

الحكومة ستشكل، الحكومة لن تتشكل، سوف يتأخر تشكيل الحكومة.. أصبحت مسألة تشكيل الحكومة هي القضية الأولى اليوم، لقد استطاعت إزاحة كل العناوين الأخرى جانباً، على بالغ أهميتها وحساسيتها: الموضوع المعيشي، الانهيار الاقتصادي، أزمة الدين العام، أزمة الكهرباء، الموضوع الأمني...الخ.
عروض تقدّم وتُسحب، وصيغ تعرض وترفض، وسيناريوهات ترسم وتُمحى، والنتيجة واحدة، مراوحة داخل مأزق عدم تشكيل الحكومة، أسئلة كثيرة تتوالد من سؤال عدم التشكيل، لماذا التأخير، ولمصلحة من؟ من هو الطرف أو الأطراف الداخلية أو الخارجية، التي تعرقل؟ وصولاً إلى السؤال التالي من يأسر تشكيل الحكومة، وهل ينبغي خوض معركة لفك أسرها؟
الموالاة تلقي باللائمة على المعارضة، والمعارضة تتهم الموالاة بالمماطلة والتسويف وتأخير التشكيل، وما بينهما من قوى محايدة ترى أن فريق الموالاة، والمكلف بالتأليف، أي الرئيس السنيورة، هما من يتحمل المسؤولية. قد يكون وجيهاً جداً أن نسأل هنا عن تدخلات القائمة بالأعمال الاميركية في لبنان ميشيل سيسون وزيارتها يوم الثلاثاء الماضي للسرايا الحكومي، وجلستها مع أركان فريق الموالاة، يومها كانت تروج معلومات عن أن تشكيل الحكومة بات وشيكاً، فجاءت التعليمة الاميركية لفريق السلطة بالتعطيل، ولكن لماذا التعطيل وما هي الاستفادة من ورائه؟
ثمة سببان يقدمان جواباً عن هذا السؤال، الأول أن ثمة مراهنة حقيقية لدى فريق في الإدارة الاميركية على أن الرئيس بوش لن يغادر البيت الأبيض قبل توجيه ضربة كبيرة إلى ايران.. إن هذه الضربة بحسب المراهنين عليها ستؤدي إلى تضعضع في إيران والمنطقة، وهو ما سينسحب حتماً على حلفاء إيران وأصدقائها، ويضعهم جميعاً في موقف الضعف، ما يتيح لخصومها أن يستفيدوا بتحسين مواقع القوة، وهو ما سينعكس ايجابياً على فريق السلطة، ويجعله في موقع مساومة أفضل.
السبب الثاني للمماطلة، هو موضوع الانتخابات النيابية المقبلة، ففريق السلطة الذي يعرف أن المواجهة الكبرى ستكون في المناطق المسيحية، يرى أنه من الضروري تأخير تشكيل الحكومة لأطول مدى زمني ممكن، ما يحجب فرصة ثمينة عن التيار الوطني الحر في تسجيل تجربة حكم تؤدي إلى تعزيز فرصه الانتخابية، وترك بصمات ايجابية لدى محازبيه وأنصاره كما لدى الرأي العام اللبناني، وهو ما يعتبر أحد الأسلحة لدى فريق السلطة لاستعماله.
الفرضيتان صحيحتان إذا سارتا على ما يشتهي أصحابهما، ولكن ثمة أسئلة مضادة لا بدّ من أخذها بالحسبان أيضاً؟ من الذي يستطيع ضمان أن ضربة سوف توجه بالتأكيد لإيران؟ ومن الذي يضمن أن نتائجها ستكون ايجابية لمصلحة أميركا وحلفائها وأصدقائها ومنهم فريق الموالاة في لبنان؟ من يستطيع التنبؤ بسيناريو اليوم التالي بعد حصول الضربة لإيران، وكيف سيكون وجه المنطقة والعالم؟ ثم من قال إن النتيجة لن تكون لمصلحة إيران وحلفائها بطريقة ما، واستطراداً من قال ان رصيد الجنرال عون والتيار الوطني الحر سوف لن يزيد أضعافاً مضاعفة، إذا وجهت اميركا ضربتها و"فلت الملق" بحسب التعبير اللبناني الدارج في المنطقة بمجملها.
بخصوص السبب الثاني، فإن ثمة استخفاف "موالاتي" فظيع وجهل شنيع، أو تجاهل لا يفيد لكيفية التفاف الجماهير حول قياداتها. إن المكابرة والإنكار في هاتين الحالتين لا يفيد أبداً، إن تأخير تشكيل الحكومة لمنع التيار الوطني الحر من تسجيل رصيد إضافي في مصداقيته، يشبه إلى حد كبير مماطلة العدو ورفضه لإجراء صفقة التبادل بشروط حزب الله، فما هي النتيجة، هل اهتز رصيد حزب الله وتراجعت شعبيته خلال عدوان تموز وبعده، وهل ربح العدو شيئاً أو استطاع تحسين شروطه التفاوضية بعد مرور عامين على هذا الزمن، بالتأكيد لا، فالنتائج جاءت معاكسة تماماً، وها هو أولمرت الذي شن حرب تموز يعلن أن شعوره بالألم لا يضاهيه إلا الشعور بالذل نتيجة هذه الصفقة، وهو يعلم أنه لو قبل بها قبل بدء حربه لوفّر على حكومته وجيشه وكيانه الذل المضاعف.
هل تكون المماطلة الموالاتية بنتائجها شبيهة بمماطلة العدو حيال صفقة التبادل، الجواب هو نعم، إلا إذا قرر هؤلاء الاستفادة من العبر الماثلة.
فالجنرال عون وتياره الوطني ظل يراكم مصداقية عبر سنوات طويلة من النفي والاعتقال والمطاردات، وكل مماطلة وهروب من اعطائه حقه الطبيعي في التمثيل هو بمثابة اضافة نقاط إلى رصيده الكبير في الشارع المسيحي.
الأمل كل الأمل ان يتعلم هؤلاء من التجارب، وأن لا تكون المدرسة الاميركية في الفشل قد استحوذت عليهم بالكامل.
تحرير الأسرى مقبل بسرعة، الأمل بإمكانية تحرير الحكومة!
الانتقاد/ العدد1277 ـ 1 تموز/ يوليو 2008

2008-07-01