ارشيف من :آراء وتحليلات

عرقلة!

عرقلة!
كتب ابراهيم الموسوي
ليس الذي يجري في العاصمة بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية من اعتداءات مبرمجة ومتنقلة من جانب فريق السلطة إلا محاولات متكررة ومستميتة لعدم التسليم بالنتائج التي جاءت بعد اتفاق الدوحة. صحيح أن اتفاق الدوحة لم يكن ربحاً لهذا الفريق، لأنه أوصل المعارضة إلى تحقيق مطالبها دفعة واحدة، ولكنه لم يكن انتصاراً لفريق على آخر، ولم يكن فيه غالب ومغلوب، إذ خرج لبنان منتصراً، بعد أن أمكن إقرار اتفاق تصحيح زمن التسلط والاستئثار ومصادرة دور شركاء الوطن لما يزيد على السنتين.
لم تنفع كل الإجراءات الداخلية لفريق السلطة في إبقائه متسلطاً ومستأثراً بالحكم، فلا فبركة وتركيب الأجهزة وتزويدها بالعديد والعتاد نفعت، ولا أعمال التدريب في لبنان والخارج أفلحت، ولا حملات الشحن المذهبي والطائفي، وتصريحات شد الأزر الأميركي والزيارات المكوكية لرايس وولش وغيرهما استطاعت أن تبقي هؤلاء متمترسين فوق كراسيهم، حتى إذا جاءت ساعة الحسم تهاوى كل البناء الورقي في لحظة واحدة.
الذي تهاوى وسقط هو نهج التسلط والاستئثار، والذي سُفِّه وهُزِّئ واستُخفَّ به هو عقلية المزرعة، وطريقة إدارة البلاد كأنها ملكية خاصة. الذي جرى لم يستهدف طائفة أو مذهباً، الذي جرى في 7 و8 أيار هو استهداف لمناخ انحرف بالبلاد عن مسارها، وأدخلها في أتون حسابات مصلحية ضيّقة، تفيد شريحة معينة من الذين ارتضوا التحالف مع الأميركي ضد أبناء وطنهم، والاصطفاف في محاور معادية لقضايا البلد والمنطقة برمتها.
اليوم، يحاول فريق الموالاة عرقلة ما تم الاتفاق عليه، فما كُتب على الورق لم يجد طريقه إلى التطبيق الكامل حتى الآن، وما أظهرته النصوص لم تقرّه النفوس، وفريق السلطة الهارب من مسؤولياته باتجاه تصدير الأزمة نحو المعارضة يظن أنه يستطيع استعادة بعض من ماء الوجه، ورفع المعنويات من خلال المماطلة، ولكن ما لم يحسبه فريق الموالاة جيداً، هو أن حركة الفرز الانتخابي التي بدأها باكراً بتزخيم الشحن المذهبي والطائفي، واستمرار التوتير المناطقي المتنقل، لن تفيده كثيراً، لأن الانقسامات التي ضربت هذا الفريق بسبب أزمة التوزير (قلة مقاعد وحقائب، وكثرة مستوزرين) ستضربه وبشكل أعمق انتخابياً. على مستوى التحالفات والاصطفافات لم تعد تجدي فريق السلطة كل صيغ التحالف السابقة، وأبر الدعم والأمصال الخارجية كي تبقيه متماسكاً، إذ دقت ساعة الحقيقة في اللحظة التي ظهرت فيها نتيجة سنوات من الضخ والنفخ وبذل الأموال الطائلة.
ولكن ماذا ينتظر اللبنانيون بعد؟
الواضح أن لعبة المكابرة، والقفز فوق الحقائق التي أفرزتها الوقائع لن تجدي فريق الموالاة شيئاً، إذ لن يحسّن حصصه، ولن تعطيه حظوظاً لربحٍ أوفر، بل جل ما ينتج عنها أنه سيضيّع وقتاً ثميناً أمام البلد لالتقاط أنفاسه، والانطلاق في ورشة النهوض بأعبائه واستحقاقاته العديدة، يبدو أن هذه أيضاً قد فاتت فريق السلطة، إذ لا يبدو أن الدروس  المستفادة مما جرى كانت كافية لهذا الفريق كي يعيد التفكير، ويأخذ العبرة مما جرى فيشرع في التكفير عن خطاياه القاتلة للبلاد وأهلها. المماطلة والتسويف مجدداً، ومحاولة الاستئثار من ضمن اتفاق الدوحة من خلال وضع الخطوط الحمر على بعض الحقائب الوزارية، وتحريم المس بها وكأنها من المقدسات، هي إحدى مفردات الخطة الجديدة لفريق السلطة.
ولكن ما لم ينجح في الماضي، طيلة ما يزيد على السنتين، لن ينجح الآن أيضاً... والغد قريب!
الانتقاد/ العدد 1271ـ 10 حزيران/ مايو 2008
2008-06-10