ارشيف من :آراء وتحليلات

كم عمر فلسطين غداً (2)

كم عمر فلسطين غداً (2)
كتب نصري الصايغ
1 - مقدمة
 قبل استكمال المقال، لا بد من حاشية: أصدرت بريطانيا قراراً اعتبرت فيه أن الجسم العسكري في حزب الله (المقاومة تحديداً) هو إرهابي.
تعليق أول: لا جديد في هذا القرار، سبقت أميركا في افتتاح حملة التشهير.
تعليق ثان: ظن البعض، أن براون أفضل من طوني بلير، لقد ورث الأول الثاني ولا نعرف إذا كان مستعجلاً ليرث الوصف الذي أطلقه عليه يومذاك سياسيون وإعلاميون بريطانيون، إني أخجل من استعمال ذلك اللقب: "كاف، لام، باء جورج دبليو بوش".
تعليق ثالث: لو كان لساني سليطاً لقلت إن بريطانيا، في الشرق الأوسط، ذنب أميركا، ولكن لسان البريطانيين ضد ساستهم أسلط من لساني، فشكراً لألسنتهم.
2 - أما بعد
في المقالة السابقة، يحاول موشي يعلون، أن ينصح "راعي السلام" اللاهث خلف انجاز، بأن لا يحلم بالتبشير بدولتين، لأن ذلك مستحيل، ويحذره من غوغائية طرح الانسحاب الاسرائيلي، وعدم واقعية هذا الطرح، لإنشاء كيان فلسطيني مستقل، وعليه، كي يتجنب الفشل، بالكف عن الضغط على اسرائيل لإزالة المستوطنات أو بعضها، لأن كل تنازل اسرائيلي، جغرافياً، سيضرم الصراع ويعطي دفعاً جديداً للإسلام الجهادي، ويخلص إلى القول بأن أي انسحاب أو الغاء للمستوطنات لا يلغي أسباب النزاع، ويقارن بالتنازلات التي قدمتها أوروبا لهتلر والنازية، ويؤكد أن كل ما قُدم له، لم يخفف من عدوانيته وجنونه وحروبه.
3 - ثقافتان: واحدة للموت وأخرى..
يقول يعلون، ليس صحيحاً أن السلام في الشرق الأوسط، مفتاحه حل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، هذا وهم خادع، هذا تضليل، وإذا كانت النخب الأوروبية تنادي بذلك، وبلير منهم، فهم على ضلال، لقد شهد الشرق الأوسط صراعات بينية عربية وإقليمية، استظلت النزاع بين اسرائيل والعرب، العنف في الشرق الأوسط ليس وليد هذا النزاع، والإسلام الجهادي في أفغانستان والباكستان والسعودية والعراق وفلسطين ولبنان، لم ينشأ بسبب هذا النزاع، الشرق الأوسط، بؤرة عنف لا تستمد جذوتها من المشكلة الفلسطينية.
أين تكمن المشكلة في نظر يعلون؟
المشكلة ليست في الصراع على الأرض، ولا في الجغرافيا، بل في الايديولوجيا العربية الإسلامية، والايديولوجيا لا تهزم بالتنازلات والمكافآت، بل بالقوة العسكرية، "لا يغرينك أن تمضي إلى تحقيق انجازات ضئيلة بالطلب إلى اسرائيل ان تزيل المستوطنات أو أن توقف الجيش الاسرائيلي عن التوغل في المدن الفلسطينية، كل تخلٍّ اسرائيلي اليوم سيسجل نصراً للإسلام الجهادي".
ويذكر يعلون بلير، ومَن سيرثه من المبعوثين بأن "الدفاع الأفضل هو الهجوم" فبريطانيا، كي تدافع عن أمنها، أرسلت جيوشها إلى افغانستان كي تمنع الإرهاب في لندن والارهاب وليد ثقافة الموت.
4 - أعمى يدل أعمى
لا شك أن يعلون، يمارس دور الأعمى، فهو إذ يحرف العنف عن مصدره الأول، يجد له جذراً في الدين الاسلامي.
وهو يتجاهل عن عمد أن الثقافة التي يتصدى لها في نصائحه، هي ثقافة التحرير، وان الايديولوجيا التي يتغافل عنها، هي ايديولوجيا المقاومة، وان الأخيرة بنيت من واقع الاحتلال للجغرافيا والاقامة العدوانية في الأرض.
وعليه، فإن ما يهدف اليه يعلون هو التالي: يلزم انتزاع فلسطين برمتها من الايديولوجيا العربية، و"تحرير" اسرائيل من عقدة الذنب الفلسطينية عبر استحضار الاسلام الجهادي بديلاً عنها.
ويقترح يعلون أن الحل الوحيد هو بقيام اصلاح تربوي سياسي اقتصادي يلغي ثقافة الموت ويؤسس لثقافة الحياة، ثقافة تكرس حقوق الانسان (لا حق العشوب) وان مثل هذا الاصلاح تقوم به طبقة وسطى واعية لمصالحها ومقدّرة لظروفها وحاسبة لمكتسباتها.
 لا بد من تأهيل الفلسطينيين، بدون فلسطين.
لا بد من  اقناع الفلسطينيين، بيهودية الدولة في اسرائيل.
أي، تحقيق المستحيلين: أيها الفلسطيني تعلم كيف تطلق النار على رأسك كي يعترف بك العالم.
أو أيها الفلسطيني دافع عن يهودية الدولة في فلسطين كي يتسنى لك أن تكون مواطناً عبرياً.
5 - عجباً!!!
لنفرض جدلاً أن هناك امكانية لتدفق الأموال الدولية والعربية طبعاً، لتنفيذ هذا الاصلاح التربوي، ولنفترض أن هناك فعلاً، من يريد ترجمة هذه الإمكانية، فما هي مرتكزاتها العقلية والخلقية والسياسية.
أولاً: يلزم أن نقول لفلسطين، وداعاً.
ثانياً: بيع فلسطين بالمال، بعدما بيعت الدماء بسخاء.
ثالثاً: بيع قرار العودة بفيزا سخية إلى دنيا المذلة الواسعة.
رابعاً: كتابة تاريخ اسرائيل من مهد البشرية، من دون ذكر فلسطين، أي خلق تاريخ جديد.
خامساً: القبول بنهائية يهودية اسرائيل.
سادساً: تربية اسلامية نفتي فيها بقيم "اذا جنحوا إلى السلم..".
سابعاً: اعتبار الرفض والانكار وعدم القبول بما جاء أعلاه، ارهاباً  يعاقب عليه.
ثامناً: وداعاً للحقوق وأهلاً وسهلاً بالفتات الدولي.
أخيراً: أن لا يكون الفلسطيني فلسطينياً، وخاصة أن مشروع تغريب العربي على قدم وساق.
أخيراً أيضاً: المطلوب في هذه التربية ان يتحول الفلسطيني إلى اسرائيلي يحمل السلاح دفاعاً عنها.
6 - من منكم لم يتعرف بعد إلى المستحيل، فليقرأ ما جاء أعلاه.
الانتقاد/ العدد1278 ـ 4 تموز/ يوليو 2008
2008-07-04