ارشيف من :مقاومة

"ويكيليكس" حرب تموز/صحيفة الأخبار 15 آذار/ السنيورة: مزارع شبعا اختراع إيراني – سوري وإذا تركتمونا تحت رحمة السوريين سيسحقونا

"ويكيليكس" حرب تموز/صحيفة الأخبار 15 آذار/ السنيورة: مزارع شبعا اختراع إيراني – سوري وإذا تركتمونا تحت رحمة السوريين سيسحقونا
السنيورة: مزارع شبعا اختراع إيراني – سوري وإذا تركتمونا تحت رحمة السوريين سيسحقونا
حسن عليق
منذ أن وضعت حرب تموز 2006 أوزارها لم يقفل النقاش بشأن دور رئيس حكومة تلك الايام فؤاد السنيورة في مجريات الحرب ومفاوضاتها. الرجل وقف على باب السرايا الحكومية ليقبل وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس القائلة بأن ما يجري في لبنان آلام مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد.
بناء على ذلك وصف الرجل بقائد معسكر التخاذل في الحرب التي شنتها اسرائيل على البلاد وأهلها. في مقابل ذلك وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري حكومة السنيورة بـ"الحكومة المقاومة" وهذا الوصف تمسكت به قوى 14 آذار للدفاع عمن اطلقت عليه لقب "رجل الدولة".
الوثائق الصادرة عن السفارة الأمريكية في بيروت في الفترة الممتدة بين 12 تموز 2006 و14 آب من العام نفسه تكشف جوانب عديدة في تفاصيل الحرب التي خاضها السنيورة على الصعيد الدبلوماسي لكن هذه الوثائق لا تشفي بالكامل غليل متهمي السنيورة بالتخاذل والخيانة ولا هي تسمح لمعارضيهم بالقول ملء افواههم إن الرجل خاض معارك بطولية، فيها بعض من هذا وبعض من ذاك.
في وثائق ويكيليكس الخاصة بحرب تموز 12 وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية في بيروت تنقل مواقف السنيورة التي أطلقها في لقاءات مع السفير جيفري فيلتمان ومساعد وزيرة الخارجية ديفيد ولش وحضر بعضها سفير بريطانيا جايمس وات والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون إضافة الى سفراء من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي. ويسمح الاطلاع على هذه الوثائق برسم صورة شبه كاملة لأداء السنيورة في تلك الفترة.

وقف إطلاق النار الآن
منذ بداية الحرب، كان السنيورة مصراً على تحقيق وقف لإطلاق النار خلافاً لعدد كبير من السياسيين اللبنانيين (وخاصة من قوى 14 آذار) الذين كانوا يشرطون وقف إطلاق النار بهزيمة المقاومة. لكن انتقاداته للعدوان الإسرائيلي كانت طفيفة في محضر ممثلي الدول الكبرى. وأبعد من ذلك فإنه يوم 13 تموز 2006 (الوثيقة الرقم 06beirut2353) حمل سوريا وإيران مسؤولية نشوب الحرب لأنهما تريدان "تدمير الحكومة اللبنانية ووقف إنشاء المحكمة وتحويل الأنظار عن الملف النووي الإيراني" قول أيده فيه مستشاره محمد شطح الذي كان جليس اللقاء ذاته.
في موضع آخر وصف أعمال حزب الله بأنها "لا تغتفر" مبدياً "التفهم لواقع أن اسرائيل لا تريد مكافأة" الحزب على تلك الأعمال بتحرير مزارع شبعا. ويشدد في الوقت عينه على ان المكافأة إذا قدمتها إسرائيل فإنها "ستكون من نصيب حكومة لبنان الديمقراطية" (06beirut2535، 5/8/2006).
إلا أنه في اللقاءات العلنية أو تلك التي يحضرها وزراء من خارج فريقه السياسي، كان يطلق مواقف مختلفة: يحمل اسرائيل مسؤولية الدمار وينتقدها بأشد العبارات كما في البرقية التي تحمل الرقم (06beirut2429، تاريخ 20/7/2006).
ازدواجية مواقفه كانت ظاهرة لفيلتمان. في الوثيقة الصادرة عن السفارة الأمريكية يوم 6/8/2006 (06beirut2542) والمتضمنة محضر اجتماع السنيورة مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بحضور وزير الخارجية فوزي صلوخ، كان رئيس الحكومة يتحدث بطلاقة عن مشروع القرار المطروح على مجلس الأمن محذراً من أن إصداره كما هو لن يحظى بموافقة حزب الله. وفي الوثيقة ذاتها كتب فيلتمان ملاحظة مفادها أن السنيورة أدلى بملاحظاته "الصادقة" بعد مغادرة صلوخ، فقال للسفراء إن إقرار المشروع كما هو سيعيد وضع لبنان "تحت السكين السوري".
"السكين السوري" والتدخل الإيراني كانا هاجس السنيورة. او هذا على الأقل ما تخبر به التقارير الأمريكية. المرة الوحيدة التي انتقد فيها إسرائيل كانت يوم 29/7/2006 (06beirut 2492). هذه الوثيقة هي الوحيدة التي ترد فيها كلمة "غضب" منسوبة الى مشاعر السنيورة على ذمة جيفري فيلتمان. ظهر الانفعال على رئيس حكومة لبنان لأنه وجد ان ما قالت اسرائيل إنه ممرات إنسانية لنقل المساعدات لأهل الجنوب كان "مزحة" إذ استهدفت الطائرات الإسرائيلية سيارات إسعاف. لكن فيلتمان سرعان ما احتوى غضب رئيس حكومة لبنان، و"ضغط عليه" لـ"يقر" السنيورة، من دون نقاش، بنظرية مفادها "احتمال أن يستخدم حزب الله بعض المواكب التي تحمل مساعدات إنسانية لإمداد مقاتليه".

سلام اسرائيل وامنها
طوال الحرب، كان تحرير مزارع شبعا مشروعاً مركزياً في خطاب فؤاد السنيورة. قال للأمريكيين "يمكنكم وضعها في عهدة الأمم المتحدة، ولتبق كذلك عاماً أو مئة عام" (06beirut2601، يوم 5/8/2006). فهو لا يرى في مزارع شبعا غير "اختراع إيراني - سوري" وهمه الأول في هذا الإطار، الوصول الى حل عادل "يساعد الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية ويخلق مشكلة كبيرة لحزب الله وراعييه السوري والإيراني" (06beirut2601، 12/8/2006). أما همه الثاني فمرتبط بكون استمرار احتلال اسرائيل لمزارع شبعا يعطي الذريعة لسوريا للاستمرار بالتدخل في الشؤون اللبنانية، "وإذا تركتمونا تحت رحمة السوريين فإنهم سيسحقوننا" (06beirut2545، 7/8/2006).
يذهب السنيورة أبعد من ذلك في الحرص على المصالح اللبنانية - الاسرائيلية المشتركة. تجده يزين لفيلتمان مشروع النقاط السبع التي أطلقها في مؤتمر روما (26 تموز 2006) قائلاً إن إسرائيل تحصل من خلالها "على ما كانت تسعى إلى تحقيقه منذ عقود" (06beirut2504، 1/8/2006). وفي اللقاء ذاته، حذر السنيور من كون الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية "تغرقان في التفاصيل وتوشكان على خسارة الهدف الرئيسي: الأمن والسلام لإسرائيل، والسلام وحزب الله المنزوع السلاح للبنان". وفي وثيقة أخرى (06beirut2535، 5/8/2006) يقول السنيورة لولش وفيلتمان إن إسرائيل رغم المعاهدتين اللتين تربطانها "بمصر والأردن، لم تتمتع بحدود آمنة ومستقرة. لكنها بإنهائها احتلال مزارع شبعا يمكنها ان تضمن سلاماً على حدودها الشمالية".
أمن الحدود الشمالية هو ما يركز عليه رئيس الحكومة عليه في لقائه مع فيلتمان يوم 28/7/2006 (06beirut2489، 29/7/2006)، حين كان يعبر عن شعوره بالانتصار لأن مجلس الوزراء تبنى خطة "النقاط السبع" التي عرضها في مؤتمر روما. وامل السنيورة أن تتنبه إسرائيل الى كون بسط سلطة الدولة اللبنانية على الجنوب هو "مفتاح أمن اسرائيل" وعند الحديث عن النقطة السادسة (من النقاط السبع) التي تنص على قبول لبنان وإسرائيل بالعودة الى اتفاقية الهدنة لعام 1949، قال السنيورة، من دون سبب واضح في المحضر الأمريكي، إنه "يدرك أن افتقاد هذه النقطة للوضوح بشأن اتفاق شامل للعلاقات الثنائية (بين لبنان وإسرائيل) كان غير مثالي". لكن رئيس الحكومة أوضح هنا أن وقف إطلاق النار يجب ألا ينظر إليه كسبيل الى معاهدة سلام بين لبنان وإسرائيل. وإذ لفت إلى "أننا لم نصل الى هناك بعد" عبر عن اعتقاده بأن وقف إطلاق النار "قد يفتح عدداً من الفرص على الصعيد الإقليمي".

إيران في قفص الاتهام
لا يكتفي السنيورة بالحرص على الأهداف اللبنانية الإسرائيلية المشتركة، بل يشمل حرصه أيضاً على المصالح الأمريكية (في الوثيقة السابقة). وفي رأيه فإن تبني خطته بشأن تحرير مزارع شبعا سيلمع صورة واشنطن في المنطقة. "فالولايات المتحدة الأمريكية قضت ما يكفي من الوقت الطويل في "قفص الاتهام" بنظر الرأي العام اللبناني والعربي والآن حان وقت وضعت إيران هناك" (06beirut2504، 1/8/2006).
العاطفة التي يظهرها السنيورة تجاه صورة الولايات المتحدة الأمريكية في عيون الشعوب العربية لا تتأثر بالموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل. يبدو من الوثائق أنها ليست عاطفة بقدر ما هي اقتناع سياسي. فمواقف كوندوليزا رايس تقنع رئيس حكومة لبنان، ما يدفعه الى الثناء عليها وخاصة (في وثيقة صادرة يوم 25/7/2006 تنشرها الأخبار لاحقاً) "مقاربتها للعثور على نهاية دائمة للأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله". ووصف السنيورة ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية في هذا الشأن بأنه تعبير عن كون "وقت التعامل مع الأعراض قد ولى"، وأن ثمة توجهاً من الولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع "أسباب" الأزمة الحالية.
ولرايس قصة مع السنيورة حكاها في لقائه مع فيلتمان يوم 31 تموز 2006. هذه القصة يعرف الرأي العام حزءاً منها منذ حصول مجزرة قانا يوم 30 تموز 2006. فحينذاك عقب السنيورة على المجزرة برفض لقاء رايس وبإعلان أن الحكومة اللبنانية لن تفاوض ما لم يعلن وقف إطلاق النار. يومئذ نظر اللبنانيون الى خطوة السنيورة بعين الرضى. لكن ما بقي مجهولاً حتى اليوم أوردته إحدى الوثائق (06beirut2504، 1/8/2006). ففي اليوم التالي برر السنيورة لفيلتمان موقفه قائلاً "إن هذا الإعلان كان ضرورياً من الناحية السياسية إذ إن لقاءه برايس كان سيؤدي إلى تبخر صدقيته أمام الشعب اللبناني وقدرته على التفاوض كانت ستتضرر كثيراً". أما "الهجوم على قانا" بحد ذاته فلم يستوقف دولة الرئيس إلا من باب أنه "فتح العيون" وقد "يساعد على إقرار وقف دائم لإطلاق النار".

رجل المفاوضات الصعبة

في الوثائق التي تحمل تاريخاً يعود الى الأيام العشرة التالية لاندلاع الحرب، لم يظهر السنيورة صلباً بالقدر الذي كان عليه في الأسبوعين الأخيرين من العدوان. فطوال حرب تموز، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تلح على الحكومة اللبنانية في طلب بعثة رسالة "علنية" إلى الأمم المتحدة، يطلب فيها من السنيورة نشر قوات متعدد الجنسيات في الجنوب اللبناني، إلى جانب الجيش اللبناني. وكان الحديث الأمريكي يجري عن قوات غير تابعة للأمم المتحدة تعمل وفقاً للبند السابع من ميثاق المنظمة الدولية. وكانت واشنطن تضع لهذه القوة مهمة واضحة، هي نزع سلاح حزب المقاومة. في الأسبوع الأول من الحرب أثمر الضغط الأمريكي. في الاجتماع الذي ضم السنيورة وفيلتمان يوم 25/7/2006 (عشية سفره الى روما، وفي اليوم التالي لزيارة رايس الأولى الى بيروت) دار نقاش بين الرجلين حول هذه المسألة. وبعد "التفكير بصوت مرتفع" قال السنيورة إن إعلاناً مماثلاً قد يحصل، على أن يعبر عنه بلغة تحيله على "ما يحتاج اليه لبنان". ثم قال السنيورة إنه سيضيف هذا البند الى ملاحظاته التي دونها ليلقيها في مؤتمر روما، قبل أن يبدأ السنيورة بشرح فوائد انتشار هذه القوات والسبل التي سيستخدمها لإقناع رئيس مجلس النواب نبيه بري بها (وثيقة صادرة في 25/7/2006 ستنشرها الأخبار لاحقاً).
لكن السنيورة لم ينفذ ما وعد به، إذ طالب في اليوم التالي في روما بتعزيز قوات اليونيفيل الموجودة. ومنذ ذلك الحين صار السنيورة يتحدث عن قوات اليونيفيل المعززة. ولم يعد يرضخ للضغوط الأمريكية بهذا الشأن. كان تارة يحيل المسؤولين الأمريكيين (ولش وفيلتمان) على التباين في الموقفين الامريكي والفرنسي، وتارة أخرى إلى كون الحكومة اللبنانية ستعارض ذلك (06beirut2504) وعندما تعرض لضغط ديفيد ولش استخدم ورقة الرئيس نبيه بري قائلاً إن الأخير اعترض على كون هذه القوة تمس السيادة اللبنانية (06beirut2601، 12/8/2006).
وعندما يصر محدثاه على أن هذه القوة ستكون تحت الفصل السابع يرد عليهما بوجوب عدم السماح لإيران بأن "تعرقل جهود السلام"، قائلاً إن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي يضغط لإفشال المفاوضات. وفي الوقت عينه وافق على أن يتضمن مشروع القرار نصاً يقضي "مبدئياً على الأقل بنزع سلاح حزب الله في الجنوب حصراً"، مبدياً اعتراضه على قول ولش إن رفع الحصار يحتاج الى آلية رقابة عبر التشديد على أن اي دولة مستقلة يجب ألا تخضع لنظام تفتيش من أي أحد" (06beirut2582، 10/8/2006).     
وفي وثيقة تحمل تاريخ اليوم ذاته (06beirut2588) طرح الدبلوماسيان الأمريكيان مسألة الرقابة الدولية على المعابر الحدودية، فرفض السنيورة "لأن ذلك شأن سيادي" واعداً بأنه سينسق مع وزير الدفاع الياس المر لمحاولة اجتراح "حل إبداعي من منظار السيادة اللبنانية". وصار السنيورة يناقش فيلتمان في كل واحدة من كلمات مشروع قرار مجلس الأمن ووصل به البحث في التفاصيل الى حد التحفظ على جملة "لأنها تستبطن اعترافاً لبنانياًَ بوجود دولة إسرائيل" (الوثيقة ذاتها). وكلما ارتفع منسوب الضغط الأمريكي كان السنيورة يتنصل من تحته قائلاً إن حزب الله وسوريا لن يقبلا بقوة دولية تنتشر تحت الفصل السابع وانه يقبل بأن يصدر القرار بناء على "الفصل 6،9999". في المحصلة خاض السنيورة بحسب ما تظهره الوثائق الأمريكية مفاوضات صعبة خلال الأسبوع الأخير من الحرب. هدد مرة بوقف المفاوضات اذا لم تتضمن حلا لقضية مزارع شبعا قائلاً "إن المجتمع الدولي يحصل على ما يريده بكلفة كبيرة يدفعها لبنان" (06beirut2545، 7/8/2006).

الحرب على إيران
وفيما كان السنيورة طوال الحرب يعفي الأمريكيين من أي مسؤولية عما يجري في لبنان "بق البحصة" في لقائه الأخير مع ولش (06beirut2601) مشيراً إلى أن "لبنان عانى من الحرب الغربية غير المباشرة على إيران. وبناء على ذلك يستحق لبنان شيئاً في المقابل". ورداً على المحاولة الأخيرة لفرض رقابة دولية على المعابر قال السنيورة "لا أرغب في شيء أكثر من رؤية حزب الله منزوع السلاح وإمداده بالسلاح متوقفاً" مضيفاً "إن لغة القرار تتضمن فتح الباب أمام طلب المساعدة" (الدولية لمراقبة الحدود الجنوبية)، وأنه سيأخذ في الاعتبار بعض الأفكار. "لكن السنيورة بقي متردداً في شأن طلب مساعدة اليونيفيل" يعلق فيلتمان في برقيته.
في الوقت عينه، لم يبد ارتياحه لاقتراح ولش حصول "مباحثات بين ضباط لبنانيين وإسرائيليين" إلا أنه "وافق على أهمية وجود شكل من أشكال مراكز التنسيق مع مرجعية اليونيفيل". وعندما حانت ساعة الحقيقة، قال السنيورة لولش "إنه وبري سيدرسان اللغة النهائية المعتمدة في القرار في حال صدوره، وسيقرران الموافقة عليه أو رفضه جزئياً أو كلياً".
2011-03-16