ارشيف من :خاص

المفعول القانوني لفضائح ويكيليكس بشأن السياسيين المتورّطين فيها

المفعول القانوني لفضائح ويكيليكس بشأن السياسيين المتورّطين فيها
يمكن لأيّ لبناني تضرّر من حرب تموز معنوياً أو مادياً أن يقاضيهم
كتب علي الموسوي
أتت وثائق ويكيليكس المستخرجة من خزانة وزارة الخارجية الأميركية، لتؤكّد معلومات كانت متداولة عن كواليس الحرب الإسرائيلية الأميركية المشتركة على لبنان بين 12 تموز/ يوليو و14 آب/أغسطس 2006، بشأن ضلوع مسؤولين لبنانيين من قوى 14 آذار فيها، عن طريق تحريض القائمين بها على الاستمرار في القصف وتنفيذ الغارات وارتكاب المجازر والمذابح والتنكيل بالمواطنين العزّل وتهجيرهم وتشريدهم وتخريب البنية التحتية، وذلك لاعتقادهم بأنّ هذا الأسلوب يوهن المقاومة التي كانت تبذل الغالي والرخيص في سبيل صدّ العدوان وإبعاد الغازي وإبقاء الوطن حرّاً وسيّداً، والحفاظ على كرامته وعنفوانه.

 فالمعلومات المنشورة في هذه الوثائق عن اجتماعات ولقاءات كانت تعقد بين السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان وغيره من المسؤولين في هذه السفارة، وقيادات في قوى 14 آذار، وفي طليعتهم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس "حزب المستقبل" سعد الدين الحريري والنائب مروان حمادة والنائب السابق فارس سعيد ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوّات اللبنانية" سمير جعجع، معروفة مسبقاً وليست جديدة، بدليل أنّ أصحابها لم يكونوا يتوانون عن التصريح بها والمجاهرة بها في مناسبات مختلفة، حتّى أنّهم كانوا يخترعون المناسبة لإطلاق تصاريحهم ومواقفهم العدائية تجاه أبناء وطنهم والمدافعين عن عزّته، وإذا أعيتهم الحيلة، أدلوا ببيانات معدّة سلفاً، من دون أن يرفّ لهم جفن إزاء المجازر المقترفة.

على أنّهم أيضاً، لم يكونوا يتأخّرون عن إبداء هذه الآراء في مجالسهم، وفي الصالونات السياسية التي كانوا يتعمّدون الوجود فيها لتنفيذ المخطّط المرافق لهذه الحرب، وهو إعطاء انطباع وصورة مشوّهة عن حقيقة الجبهة، ونقل معلومات خاطئة عن مسارها، وعن المتابعة السياسية الإقليمية والدولية لها، وذلك بغية إضعاف الداخل اللبناني وإحساسه بالوهن، تمهيداً لاستكمال استباحته وإخضاعه للاحتلال من جديد.

ولا يزال اللبنانيون يذكرون صورة العناق الخلاّب الذي جمع السنيورة مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في باحة السراي الحكومي، بينما كان الأطفال في مختلف المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف والمذاهب، يتعرّضون للقتل والخوف الشديد من الموت المحلّق فوق رؤوسهم والآتي من الطائرات الحربية الإسرائيلية.

 الفضائح الواردة في صفحات وثائق ويكيليكس، معاقب عليها في قانون العقوبات اللبناني
كما أنّ عبارة " المغامرين" التي تفوّه بها الحريري انسجاماً مع الموقف السعودي، لم تنمح من ذاكرة اللبنانيين الذين لم ينسوا أيضاً استماتة وزير الداخلية بالوكالة النائب أحمد فتفت في الذود عن ثكنة مرجعيون عبر السماح بفتح أبوابها أمام الجنود الإسرائيليين لدخولها وإرواء ظمأهم بالشاي والتعبير عن حسن الضيافة تجاههم، لأنّ إكرام الضيف ولو محتلاً ولو قاتلاً، هو من صلب أدبيات 14 آذار.

وبعدما وضعت الحرب أوزارها، اندفع بعض اللبنانيين الذين خسروا أهلهم وأبناءهم وعائلاتهم وأرزاقهم ومنازلهم إلى تقديم دعاوى ضدّ العدوّ الإسرائيلي، كما أنّ الحكومة اللبنانية سعت إلى مقاضاته نظرياً من دون أن تكمل عملها بتحويل القول إلى فعل، وإعداد الملفّات التي تدعم موقفها وحججها، وهي في الأساس حجج وذرائع موثّقة وبالصورة أيضاً، من كثرة اعتداءات الإسرائيليين برّاً وبحراً وجوّاً، وتابعها ملايين الناس على الكرة الأرضية.

أمّا وأنّ وثائق ويكيليكس قد ظهرت لتؤكّد المؤكّد، وتدعم ما كان معروفاً، فإنّ القراءة القانونية لنتائجها ومدلولاتها ومفعولها، تظهر أنّه بمقدور اللبنانيين المتضرّرين من حرب تموز 2006، وهم أغلبية الشعب اللبناني، أن يرفعوا دعاوى جديدة أمام القضاء اللبناني، أو أمام قضاء أيّة دولة أوروبية، أو أجنبية، وما عليهم إلاّ إرفاقها بنسخ من وثائق ويكيليكس لإثبات دليل الخيانة المقترف والتعامل مع دولة أجنبية، وتقديمها على مصلحة لبنان.

وبرأي أكثر من قانوني، فإنّ الفضائح الواردة في صفحات وثائق ويكيليكس، معاقب عليها في قانون العقوبات اللبناني، ويمكن لأيّ مواطن سواءٌ تضرّر مادياً أو معنوياً من عدوان تموز/ يوليو 2006، أن يضمّ هذه الوثائق إلى أيّة دعوى ينوي أن يرفعها بحقّ المعنيين بها، لأنّ الأفعال الجرمية واضحة للعيان ولا تحتاج إلى عناء بحث وتدقيق، كما أنّ جرائم حرب تموز لم تسقط بعد بمرور الزمن الذي يعوّل عليه كثيرون لعدم مرور عشر سنوات على وقوعها، فضلاً عن أنّها جرائم متمادية، ونشر وثائق ويكيليكس في العام 2011، يعزّز الأدلّة على انخراط سياسيين لبنانيين كثر فيها، مباشرة أو بطريقة التفافية، ويمكّن المواطنين المتضرّرين من إعادة فتح ملفّ هذه الحرب.

ويوضّح أحد الحقوقيين أنّ المواد القانونية التي يمكن تطبيقها بحقّ اللبنانيين المعنيين بما نشرته وثائق ويكيليكس"، هي التالية:
أوّلاً: الخيانة الواردة في المادة 274 عقوبات التي تتحدّث عن أنّ "كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى مباشرة العدوان على لبنان، أو ليوفّر لها الوسائل إلى ذلك، عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة، وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام".

ثانياً: إنّ الأفعال تندرج ضمن المادة 275 عقوبات والتي تنصّ على أنّ" كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى العدوّ، أو اتصل به ليعاونه بأيّ وجه كان، على فوز قوّاته، عوقب بالإعدام".

ثالثاً: إنّ جرائم هؤلاء السياسيين ليست بعيدة عن المادتين 295 و296 عقوبات، فالأولى تقضي بأنّ" من قام في لبنان في زمن الحرب، أو عند توقّع نشوبها بدعوات ترمي إلى إضعاف الشعور القومي، أو إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية، عوقب بالاعتقال الموقت"، بينما تذهب الثانية إلى القول:" يستحقّ العقوبة نفسها من نقل في لبنان في الأحوال عينها أنباء يعرف أنّها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمّة".

رابعاً: لا يمكن استبعاد جنحة المادة 283 عقوبات عن الأعمال المذكورة في ويكيليكس، "فمن كان في حيازته بعض الوثائق أو المعلومات التي يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة، فأبلغه أو أفشاه دون سبب مشروع، عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين". ويتضح من مضمون المستندات السرّية المنشورة أنّ هناك شخصيات أساسية في قوى 14 آذار، تعمّدت أن تخبر السفير الأميركي وسواه من موظّفي سفارته أيّة معلومة عن المقاومة وسلاحها، في محاولة تبييض وجه ونيل الرضا على شاكلة منحها وزارة، أو تسهيل فوزها بمقعد نيابي.  

أمّا قول بعض السياسيين بأنّ ما تداولوه مع الأميركيين ليس بلاغاً، أو إفشاء لأسرار، وإنّما عرض وجهة نظر، ولم تكن الغاية من ذلك تسريب معلومات إلى الإسرائيليين، فإنّ الردّ يكمن في أنّ الأميركي كان أكثر تشدّداً من الإسرائيلي لإطالة عمر الحرب بعد الهزائم المتتالية التي لحقت بقوّات الأخير في جنوب لبنان، حيث كان يرغب في إنهائها للتقليل من خسائره، إلاّ أنّ بعض السياسيين اللبنانيين الواردة أسماؤهم في وثائق ويكيليس، كانوا يحثّون الأميركيين على الاستمرار في هذه الحرب لعلّهم يتمكّنون من تحقيق انتصار على المقاومة التي أفشلت مخطّطاتهم وخيّبت آمالهم ورسمتهم عملاء ومن الصفّ الأوّل، وإن كانوا يرتدون زيّاً سياسياً.
2011-03-18