ارشيف من :مقاومة

عدوان تموز: أي حرب مقبلة ستكون حساباتها معقدة جداً ولن تكون عسكرية فقط

عدوان تموز: أي حرب مقبلة ستكون حساباتها معقدة جداً ولن تكون عسكرية فقط

كانت حرب تموز 2006 حربا فريدة من نوعها، فهي أول حرب من نوعها تقع في المنطقة بين قوة نظامية (جيش) يملك قوة تدميرية هائلة جوية وبرية وبحرية، وقوة مقاومة اعتمدت اسلوب المواجهة المباشرة مع هذا الجيش ما دفع الاسرائيليين للقول اننا لا نواجه مليشيا بل لواءً من القوات الخاصة.

وذلك للتخفيف من حجم الهزيمة التي لطخت وجههم في بنت جبيل ومارون الراس. هذه الحرب التي لم يعلن فيها عن وقف اطلاق نار حتى الان يقول عنها شمعون بيريز "ان الاستمرار فيها بات يمثل حاجة اسرائيلية خطيرة وجذرية تتمثل في انقاذ صورة الجيش الاسرائيلي".

في هذه الحرب تلمّس العدو استراتيجية عسكرية فريدة من نوعها للمقاومة في القتال ومستوى رفيعاً من المقاتلين مهنيا ومعنويا.

يقرأ خبير عسكري في نتائج هذه الحرب وما تركته من انعكاسات على الجيش الصهيوني فيقول: انه بعد حرب تموز 2006 ظهرت عند اسرائيل نقاط ضعف جوهرية، وهذه النقاط هي نقاط ضعف بنيوية ونقاط ضعف مفاهمية. فاسرائيل اظهرت اثناء حرب تموز فشلا ذريعا في تقدير الموقف الذي استندت اليه عندما قررت الدخول في الحرب والذي تبين انه مستند الى عقيدة عسكرية فاشلة. فحلوتس رئيس اركان الحرب الاسرائيلي اثناء الحرب تبين انه متأثر بحرب «عاصفة الصحراء» التي خاضتها الولايات المتحدة الاميركية ضد الجيش العراقي. حيث قدمت نموذجا حول كيف يستطيع سلاح الجو حسم المعركة من دون الرجوع الى القوات البرية. فحاول تطبيق هذه النظرية في جنوب لبنان.

الخبير يضيف ان الوضع مع المقاومة كان مختلفا. فهي خاضت حرب عصابات بتشكيلات قتالية صغيرة من حيث العدد. مجموعات المقاومة ـ يقول الخبير العسكري ـ كان لا يتجاوز عددها عشرة اشخاص، لكل مجموعة، وهي مجموعات لا توجد لها تشكيلات ثابتة على الارض، وهي مجموعات متخفية تستعمل كل وسائل التمويه وتذوب في بيئتها الاجتماعية بحيث لا يستطيع أحد ان يميز من هو المدني ومن هو العسكري، ثم ان لديها خبرة تفصيلية دقيقة جدا بالارض في حين ان الخصم لا يملك هذه الخبرة. فالمقاومة لديها بيئة اجتماعية صديقة لأن مقاتليها هم ابناء المدن والقرى التي يقاتلون فيها. والعدو يتقدم في اتجاه بيئة اجتماعية معادية.

الخبير يقول ايضا انه في حرب تموز تبين ان المقاومة اعدت مسرح المعركة بشكل جيد واستطاعت اولا ان تحيد عنصر التفوق الجوي لدى العدو .

فـ"اسرائيل" حاولت تدمير المربع الامني في الضاحية، لكنه كان قد اخلي بسرعة. لذلك كانت الضربة فارغة ولم تدمر سوى الأسمنت. الخسائر اتت في صفوف المدنيين، اما في صفوف المقاتلين فكانت الخسائر قليلة جدا. لان هذه المجموعات مدربة جدا وتعرف الارض ومستعدة للمواجهة وقد فرضت اسلوبها في القتال، وهذه النقطة لن تستطيع "اسرائيل" معالجتها، وهي ستبقى نقطة تفوق لمصلحة حزب الله. حتى ان الدبابات التي اعتبرتها " اسرائيل" من عناصر تفوقها في المعركة واجهتها المقاومة بما يعرف بالنسفيات، وهي عبارة عن براميل محشوة بالمتفجرات توضع تحت الارض وتدار بالريموت كونترول لتفجيرها عن بعد.

واضافة الى ذلك يقول الخبير العسكري كان هناك حقول الالغام وقاذفات الـ "أر.بي.جي" المتطورة التي استعملها الحزب وهي من النوع الذي لا يخطئ الهدف. فالدبابة اذا اجتازت حقل الالغام فإنها لن تجتاز النسفية واذا اجتازت النسفية يمكن مواجهتها من مكان قريب جدا، ما يفقدها ميزة استعمال المدفع. وهذه الدبابة ووجهت بقذائف حديثة جدا، فالجيل الرابع والثالث من دبابات الميركافا لديه تصفيحان، تصفيح خارجي لتفجير القذيفة الآتية على الدبابة، وتصفيح داخلي لحماية الدبابة وهو البدن الاساسي للدبابة.

الفرنسيون والروس اخترعوا نوعاً من القواذف يحمل صاعقاً تفجيرياً ويحمل رأسين متفجرين، الاول ينفجر في الدرع الاولى للدبابة، اما الصاعق الثاني فلديه وسيلة تأخيرية بحيث ينفجر بعد ثانية او نصف الثانية بالدرع الثانية، اي داخل الدبابة، وهذه مسألة تقنية بسيطة جدا، وهذا ادى الى انهيار اسطورة الميركافا بسرعة. عندما تحيّد نقاط تفوق العدو وهي الدبابات والطيران يبقى ان الجندي هو المعيار الحاكم في أي معركة، والجندي في حاجة الى روح قتالية والاسرائيلي لا يمتلك روحا قتالية، لانه ليس صاحب قضية، فيما الروح القتالية عند المقاوم اللبناني روح قتالية عالية لانه صاحب قضية ويقاتل على ارضه.

يشرح الخبير العسكري ايضا انه في ظل سيطرة جوية كاملة اسرائيلية تمت موازنة السيطرة الجوية بسلاح الصواريخ. سلاح الجو عند العدو يمكن ان يطاول عمق المناطق اللبنانية وكذلك اي منطقة عربية، ولكن هذه المرة اتت الصواريخ لتشكل توازن رعب مع طيران العدو اذ ان الصواريخ طاولت مناطق متقدمة داخل كيان العدو.

وهذه ثغرة اساسية عند "اسرائيل" وهي ثغرة خطيرة جدا وتتمثل في ان استهدافا امنيا لهذا العمق لا يمكن لـ"اسرائيل" ان تتجنبه الا بخوض المعركة على ارض الخصم، وهي فعلت ذلك في حرب تموز، لكن الخصم استطاع الوصول اليها بالصواريخ، ما سبب هجرة معاكسة وانعدام اليقين عند الاسرائيلي بمستقبل اسرائيل. الخبير يرى ان حزب الله اليوم اقوى مما كان عليه اثناء حرب تموز، ويمكن مراقبة ذلك من خلال خطابات السيد حسن نصر الله الاخيرة، وهي خطابات غير تقليدية. هو تحدث عدة مرات عن تغيير وجه المنطقة وتحدث عن هزيمة "اسرائيل" وتحدث عن سقوط "اسرائيل"... هذا الكلام لا يتم بناءً على قدرات كلاسيكية وعادية.

وعن احتمالات شن "اسرائيل" حربا مقبلة لرد اعتبارها يقول الخبير المذكور انه اذا لم تستطع "اسرائيل" امتلاك القدرة على اعتراض الصواريخ القصيرة المدى، فمن الصعب عليها خوض اي حرب مقبلة لان لدى سوريا ولدى « حزب الله» قدرات كبيرة في هذا المجال، وسوريا افادت من حرب تموز في اتجاه اعادة تشكيل جيشها ليكون قادرا على خوض حرب عصابات. بعدما ظهرت بشكل صارخ ثغرات كبرى لدى اسرائيل يجب التركيز عليها، و"اسرائيل" اعلنت مراراً انها تبني منظومة لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى اسمها قبة الحديد، وقبل انجاز هذا البرنامج فان " اسرائيل" لن تكون قادرة على خوض الحرب، لان ضربات الصواريخ القصيرة المدى ستكون مميتة هذه المرة، "وانا أعتقد ان "اسرائيل" لن تفلح في ذلك لان المسألة تقاس بثوان قليلة جدا".

الخبير العسكري يرى ان اي حرب مقبلة ستكون حساباتها معقدة جدا، وهي لن تكون حساباتها عسكرية فقط، بل هناك الحسابات السياسية الاكثر اهمية وحضورا من الحسابات الميدانية. "اسرائيل" تسعى منذ سنوات الى اقناع الولايات المتحدة بأن ايران تشكل خطرا وجوديا عليها ويجب ان تدمر، واميركا مترددة في اتخاذ القرار نظرا لحسابات اميركية داخلية قبل اي شيء آخر. اذ ان الداخل الاميركي اصبح يشكل عائقاً كبيراً امام ارادة حكومته بفتح حرب ضد ايران وسوريا وحزب الله، لكن هذه المسألة تستطيع هذه الادارة ان تتغلب عليها باختراع سيناريو تعيد فيه صياغة الرأي العام الاميركي على قاعدة ان الامن القومي الاميركي يتعرض لخطر داهم، وان اميركا مضطرة الى العودة مرة ثالثة ورابعة للانخراط في حرب تستطيع فيها بتر جذور هذا الارهاب الذي يستهدف الامن القومي الاميركي وامن اسرائيل. الخبير العسكري يقول ايضا انه ربما نكون امام سيناريو متدحرج لتشكيل بيئة ومناخ حرب يتم على اساسهما اعادة تعبئة الرأي الاميركي من جديد، فاذا نجحت الادارة الأميركية في اعادة صياغة سيناريو يعبّأ به المجتمع الاميركي في اتجاه الحرب فإن علينا وقتها ان نراقب التطورات.

نبيل المقدم

2011-08-08