ارشيف من :أخبار لبنانية

عملية الرضوان: الأسرى والشهداء الى الحرية ..

عملية الرضوان: الأسرى والشهداء الى الحرية ..
كتب علي الصغير
عملية الرضوان: الأسرى والشهداء الى الحرية .. 
لم يكن خبر اطلاق سراح الاسرى اللبنانيين الاحياء والشهداء في السجون الاسرائيلية مفاجئا لعوائلهم واهلهم لعلمهم بأن هذا اليوم "آت لا ريب فيه"، وانما الفرحة التي غمرت قلوب هؤلاء "الناس" نبعت من عاطفة الاشتياق لحبيب غاب بعض الوقت عن العين وانما لم يفارق القلب ابدا.
محمد سرور، ماهر كوراني، جواد عيتا، موسى خنافر وغيرهم، اسماء كثيرة ارتبطت بالوعد الصادق وشكلت عنوانا جديدا للمستقبل القادم الذي رسمته دماء الشهداء وصبر الاسرى.
"قريبا جدا" هو موعد جديد اطلقه سيد المقاومة لعوائل الشهداء والاسرى للقاء من احبوا، موعد سيصدق كما صدق ما سبقه ولتتحقق مقولته إننا قوم لا نترك اسرانا في السجون أبدا.
محمد سرور
عندما أُبلغت الحاجة صبحية رضا والدة الاسير محمد سرور بخبر أسر ولدها، اعلنت امام الجميع انها على ثقة من ان فترة اسر ابنها لن تشبه بأية حال المدة التي قضاها سمير القنطار في المعتقلات الاسرائيلية، بل ان الفترة ستكون اقل من ذلك بكثير.
اليوم تعيش هذه العائلة وغيرها من عوائل الاسرى والشهداء الاسرى لدى العدو الإسرائيلي فرحة النصر الآتي في الأيام المقبلة، ينتظرون بصبرهم الطويل مرور هذه الساعات الثقيلة ليجتمع شملهم مع الاحباء وان كانوا شهداء.
تقول الحاجة وهي صندوق المقاومين في حفظها سلاح ابنها، ومن راحتيْها كان خلال العدوان خبزهم وقوتهم ان المرة الأخيرة التي رأته فيها كانت قبل أن يعتقل بثلاثة أيام. كعادته جاء ليأخذ زوّادة رفاقه، لكنه هذه المرة ودّع أمه وطلب دعاءها المعتاد بالنصر والشهادة.
ماهر كوراني
"ست الكل" كما يخاطب ماهر والدته في رسائله، لن ترضى ان يطلق ابنها "دون ان يحقق السيد (حسن نصر الله) كل مطالبه مهما طالت المدة". تقولها بتلك النبرة التي توجد في جميع اصوات امهات الاسرى أو الشهداء، نبرة تلمس فيها القوة والحزم مع حنان الام.
الى جانبها يحمل حسن (ابن ماهر) شاحنته الصغيرة وينتظر، وقد تعرف الى الدنيا و"بابا مسافر" وسوف يعود عندما يريد السيد كما قالوا له، يتنقل بين حضن والدته وركبتي جدته، لا يعرف من والده الا صور كثيرة على جدران المنزل، يحمل احداها ويلاحق آلة التصوير، ويذهب بعدها الى ما يشغله، تشير والدته اسراء الى انهم اعتادوا ان يقولوا له ان والده مسافر وسوف يعيده السيد، لذلك عندما بدأ يسمع مؤخرا حديثا متزايدا عن عودة والده راح يردد "السيد قال انو بابا بدو يجي". هو لا يعرفه الا من الصورة التي تحملها والدته امامه يوميا، ومن الهدايا التي تحضرها له على انها من "بابا"، "كان عمره 20 شهرا عندما اسر ماهر.
حسن كرنيب
سنتان من التعب قضتهما ام حسن خلف قضبان الانتظار، معها الحديث لا يمكن ان يأخذ لونا محددا، فبكرها الذي انقطعت اخباره في الاسبوع الثاني من تموز 2006 خلال معارك مارون الرأس ما زال مجهولا ومع هذا التوصيف تتوقف الاسئلة.
عائلة حسن كرنيب، تتابع يومياتها على سجية واحدة خاصة في هذه الأيام التي تنشغل فيها قرى الجنوب بـ "قطاف الدخان". تتجمع الاسرة من ام (قبل ان تكسر رجلها) مع اخوات في اراضي البيت (الطابق السفلي) وتبدأ التقاليد اليومية بعد رحلة صباحية في القطاف.
منذ أيام وليالٍ تنتظر الام امام التلفاز خبراً عن حبيبها.. متمنية ان لا تنهار في هذه الساعات الحاسمة، تبحث بين تلك الاذاعات والمحطات الكثيرة عن أي خبرية حول ابنها، وتفترض بأننا كصحافة يمكن ان نعرف أكثر من قلبها الحائر منذ سنتين.
جواد دمشق
تخطت بطولات جواد في معركة مارون الراس عمره الذي لم يتجاوز 27 عاماً، وغابت عن وجهه ملامح الطفولة التي ميزته، امتشق كل أنواع الأسلحة التي وصلت الى يديه، فدمر اول دبابة وصلت الى مارون الراس في الاسبوع الاول للحرب، وأنشد أناشيد النصر على الجهاز اللاسلكي حتى ضاق بصوته العدو فاستعمل كل وسائل التشويش وما نجح، وعاد وواجههم في كل بيت وزقاق في البلدة الصغيرة التي تحير العدو كيف يدخلها. فضل جواد الشهادة على انتظار مولودته البكر فاطمة التي لم يرها. حمل الاسم الجهادي لشقيقه الاكبر رياض (جواد) الذي استشهد عام 1994 واتخذه قدوة له في الجهاد والشهادة وهو لطالما ردد أمام والدته "بدنا نأكل الإسرائيلي بأسناننا يا امي".
اليوم تنتظر ام رياض تشييع شهيدها الثاني، تبدو متماسكة وصلبة، تنظر بعين الى النصر الذي تحقق وبعين اخرى الى ولدها الذي ترك فيه استشهاد رياض تغييرا كبيرا على شخصيته "تأثر كثيراً بشهادة أخيه الذي كان يحترمه ويحبه كثيراً". تقول أم رياض إن "مثل هؤلاء الأولاد يعلّمون أهلهم. أنا تعلّمت من ابني رياض الثقة بالله عن جد".
زيد حيدر
على مسافة قريبة من لقاء جثمانه يقول والده الحاج ابو سعيد "لم اشعر يوما انه كان بعيدا عنا، فهو دائم الحضور في احاديثنا وجلساتنا، عودة جسده الطاهر هي تحقيق امنية له بأن يدفن في هذه الارض بجوار بقية الشهداء الذين سبقوه او استشهدوا معه". هو لا ينكر بأنه فقد عزيزا، ولكن تعبه عليه لم يذهب هدرا، "لقد ربيته لكي يأتي اليوم الذي ارفع رأسي به، ولا شيء اشرف من الشهادة لرفع الرأس، فكما انهم شيبوا رأس عدوهم في كل بقعة واجهوه فيها فقد رفعوا رؤوسنا ورؤوس كل الوطن والامة".
لم تبهره الدنيا على حلاوتها يروي الوالد الذي اراد ككل اب ان يؤمّن مستقبلا مريحا لاولاده، وبخلاف ما فعل مع اخوته قام الوالد بتشييد منزل لولده في البلدة وسلمه مفتاحه فرد عليه مبتسما "ليش عذبت حالك شو كاين راح اقعد فيه"، ومنذ ذلك الوقت ادرك الوالد بأن ابنه قد سلك طريق الجهاد والشهادة، وقد قضى ساعات فراغه في ذلك البيت هو وبعض الاصحاب لا سيما الشهيد موسى خنافر، وقد كانا رفيقين في الحياة والشهادة والاسر.
موسى خنافر
الشهيد موسى خنافر (29 عاما) كان ممن واجه الاسرائيليين اثناء معارك مربع التحرير (بنت جبيل ـ مارون الراس ـ عيترون وعيناتا) ويشهد له بمعارك قاسية فقاتل حتى قتل برصاص قناص عن بعد وهو يحاول الالتفاف بالقرب من مهنية بنت جبيل على مجموعة متقدمة للعدو ليرتفع بعدها شهيدا، يروي عنه احد الاصدقاء الذين شاركوه اخر ايامه انه تأثر كثيرا لخبر استشهاد صديق عمره الشهيد زيد حيدر، وهذا ما شكل له دافعا اضافيا في خوض تلك المعارك القاسية التي وقعت عند مربع التحرير.
اليوم تنتظر هذه العائلة عودة جثمان ولدها، الاحزان هنا لن تتجدد، فقط بعض الدموع على فراق عزيز لا بد ان تبلل مآقي العيون، "موسى ارتفع شهيدا وهو عند ربه"، الجثث التي ستعود للذكرى وللوطن، اما الدعاء والفاتحة فستصل اينما كانت مدفونة"، يختم والد الشهيد.   
موسى فارس
انتظرت الحاجة ام حسن والدة الشهيد موسى فارس عاما كاملا لتشييع ابنها وتقبل العزاء به، وها هي تكمل سنة ثانية من الانتظار كي تستقبل جثمانه وتمسح براحتيها نعشه وتزفه شهيدا إلى روضته، امنية لطالما تمنتها بعد استشهاد ولدها، وطلبت من الله ان يحققها لها قبل ان تموت لترى ولدها مدفونا بالقرب منها وهي التي انتظرت قبل استشهاده اليوم الذي كانت ستزفه عريسا إلى عروسه.
موسى فارس شهيد من مارون الرأس رسم بجهاده ملامح الغد القادم، وحوّل عدوه إلى ألعوبة مع ثلة من رفاقه في تلك المعركة التي شيبت رأس العدو.
"لطالما لهج لسانه بالشهادة"، يقول أحد رفاقه الذي شاركه المعركة، "لقد كانت الشهادة تحوم حوله في كل صلاة ودعاء".
مروان سمحات
تعيش عائلة الشهيد مروان سمحات هذه الأيام فرحتين، فرحة مولود جديد انضم إلى عائلتهم، وفرحة عودة جثمان شهيدهم الذي سيعود ليحضنه ثرى الوطن الذي احب واستشهد لاجله.
مروان سمحات شهيد آخر من بلدة عيناتا، نال حسنتي الشهادة والاسر والانتصار.
يقول عنه والده ابو نضال (حسين سمحات) "مروان احب هذه الارض فلم يتقبل فكرة السفر فعاش وتربى واستشهد هنا، وسوف يدفن ان شاء الله هنا"، ويتابع والد الشهيد "شاء الله ان اعيش لاراه واشبع منه اخر شهر ونصف من عمره الوردي، فأنا مسافر منذ 30 عاما وراء لقمة العيش، اعتدت ان ازور لبنان سنويا في شهر تموز، ولكن في العام الذي اندلعت فيه الحرب نزلت في منتصف اخر ايار فعشت معه الفترة المتبقية والتي اصفها بأحلى أيام العمر".
يعود الاسرى اليوم.. هو الوعد الصادق الآخر الذي خطه قائد المقاومة في عيد المقاومة والتحرير.. ولن يخيب وعده. 
2008-07-16