ارشيف من :آراء وتحليلات

انفراجات؟!

انفراجات؟!
كتب ابراهيم الموسوي
أزمة تشكيل الحكومة في تأرجح، بل يمكن القول إنها في مراوحة برغم بعض مفردات الحلحلة ومشاهد الانفراج بين وقت وآخر، ومشكلة الموالاة أنها لن تستطيع أن ترضي جميع أطرافها، وكلهم يعتبرون أنفسهم أقطاباً ينبغي أن لا تحجب عنهم نعمة التوزير. الواقع السياسي لا يسمح للموالاة بترف توزيع الحقائب يمنة ويسرة، أو كيفما اتفق، لأن الزمن غير الزمن، ما أخذته الموالاة تسلطاً وتفرداً واستئثاراً لم يعد ممكناً الاحتفاظ به، وما كان يجب أن يكون حصة التيار الوطني الحر يجب أن يعود اليه، ولكن المشكلة أن العادة طبيعة ثابتة، والموالاة اعتادت أن تمد يدها إلى حصة غيرها، حتى إذا حصحص الحق، ووجب أن تعطي ما سلبت، وترد ما أخذت، برزت المشكلة.
لن تطول الأزمة طويلاً، وأغلب الظن أننا سنشهد تسوية لأزمة التشكيلة الوزارية قريباً جداً، ليس فقط لأن لعبة المماطلة تنهك البلاد والعباد، بل لأن استمرار التعطيل من جانب الموالاة يهدر رصيداً ثميناً من زخم مبادرة الدوحة، كان يفترض أن يعزز الدفع باتجاه ما هو أكبر من تسوية.
لدى اللبنانيين عامة، والموالاة خاصة فرصة، فرصة حقيقية بإنجاز ما هو أكبر من تسوية وأقل من حل، لكن إذا سنحت الظروف الاقليمية والدولية قد يمكن أن نؤسس من خلال تسوية "الدوحة" لحلٍ ما، اللحظة الاقليمية مؤاتية، وكذلك الأوضاع الدولية والظروف الحالية أكثر من ناضجة أيضاً، فالعدو الاسرائيلي اليوم يتخبط في وحول أزماته الداخلية، وفضائح زعاماته المالية والمسلكية والأخلاقية، جيشه مترهل ويعاني اخفاقات معنوية هائلة بعد حرب تموز 2006، وهو يهرب إلى الخارج بعرض التفاوض على لبنان وبدئه مع سوريا، كذلك الأمر فإن العدو مربك ولا يعرف ماذا يفعل حيال قطاع غزة وأزمة إطلاق الصواريخ على مستوطناته التي بدا واضحاً التطور الذي طرأ عليها مؤخراً كماً ونوعاً، إذ بدأت تصيب وتقتل أيضاً، والولايات المتحدة المشغولة بمحاولة ايجاد المخرج الذي يحفظ ماء الوجه في العراق أولاً، وبانتخاباتها الرئاسية التحضيرية ثانياً، ومتابعة مناكفاتها مع روسيا والصين ثالثاً، وبأزمة الارتفاع الجنوني لأسعار النفط وانخفاض قيمة الدولار عالمياً، تجد نفسها على عتبة استحقاقات اقتصادية داهمة من النوع الذي لم تخبره جيداً من قبل في ظل صعود ماردين آخرين إلى جانبها وهما الهند والصين، وهذا ما يضعف قدرة واشنطن على التأثير الجدي فيما يمكن أن تقرره الأطراف المحلية في أماكن عديدة من العالم ومنها لبنان.
وقد اعترف مستشار الكونغرس لشؤون الشرق الأوسط الدكتور كينيث كاتزمان في مقابلة أجرتها معه قناة "برس تي في" بالأمس (الأربعاء 11 حزيران/ يوليو 2008) ان واشنطن تلقت ضربة كبيرة نتيجة ما قام به حزب الله والمعارضة في لبنان، وأنها فقدت جزءاً كبيراً من نفوذها وتأثيرها على مجريات الأحداث في هذا البلد.
إزاء ذلك كله، ثمة فرصة حقيقية متاحة لإبرام تسوية جدية بعيداً عن تأثيرات الإدارة الأميركية وحليفتها "اسرائيل" اللتين لا تريدان حتماً الخير للبنان واللبنانيين. الفرصة حقيقية وجدية شرط أن يدرك فريق الموالاة حقيقة ما جرى في لبنان وحوله وفي العالم، فحزب الله والمعارضة عموماً اللذان انتصرا للبنان لم يُغيّرا شرطاً واحداً، ولم يُضيفا بنداً واحداً جديداً على ما سبق وطالبا به منذ ما يزيد على السنتين، ولو كان الهدف زيادة المكاسب السياسية وتحسين شروطهما لكانا استغلا إمساكهما بمقاليد الأمور على الأرض لفرض شروط جديدة، وفي هذا ضمانة كافية وبرهان عملي لتمسكهما بالصيغة اللبنانية، برغم الملاحظات الأساسية عليها. ثمة لحظة تأسيسية هنا ينبغي الإمساك بها، هي ليست من النوع الذي يمكن أن ينتج وطناً ودولة بشكل نهائي وناجز، ولكنها وبالتأكيد قادرة على تهيئة الظروف المناسبة، وإيجاد المدخل الملائم لذلك.
هل تستوعب الموالاة هذه الحقيقة، وتبدأ بممارسة الواقعية السياسية، فتتراجع عن عنادها والمكابرة، الأمل في أن تفعل ذلك، وإلا فإن الفرصة الراهنة إن ذهبت، فإنها قد لا تأتي إلا بعد وقت طويل، وخاصة أن للمعارضة حساباتها أيضاً التي لن تنتظر ترف المكابرة الذي تتعاطى به الموالاة مع الاستحقاق الكثيرة والمصيرية في آن معاً!
الانتقاد/ العدد1272 ـ 13 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-12