ارشيف من :أخبار لبنانية

عملية الرضوان: تتويج لمسيرة تحرير.. وتظهير لمعادلات استراتيجية

عملية الرضوان: تتويج لمسيرة تحرير.. وتظهير لمعادلات استراتيجية
كتب جهاد حيدر
لم يكن تبني حزب الله لتحرير الأسرى وليد لحظة سياسية مستجدة او وليد تطورات مرتبطة بساحة او ظرف معين، بل كان متفرعا عن اعتقاده بالحرية التي شكلت احدى منطلقاته الاساسية في العام 1982. ومن هنا نلاحظ أن مساعي حزب الله لتحرير الأسرى كانت تسير جنبا إلى جنب مع العمليات الجهادية لتحرير الارض. ونلمس ذلك من خلال تذكر ان محاولاته لتنفيذ عمليات اسر تعود الى منتصف الثمانينات، وبأن العملية الناجحة الاولى بهذا الصدد، على ارض الجنوب، كانت في 16 شباط 1986. ثم توالت المحطات عبر وقوع وحدة كوماندوس بحرية خاصة، الشييطت، في كمين لحزب الله عام 1997، كانت تهدف الى تنفيذ عملية امنية ضد المقاومة وما نتج عنها من وقوع اشلاء عدد من الجنود في قبضة المقاومة ادت الى تحرير العشرات من الاسرى وجثث الشهداء. ومن ثم عملية الأسر في شبعا بعد تحرير العام 2000، واخيرا عملية الوعد الصادق في 12 تموز 2006.
لكن في المشهد المقابل لمسيرة التحرير هذه التي استمرت اكثر من عقدين من الزمن، انه لا يزال عدد كبير من الاسرى الفلسطينيين والعرب يقبع في السجون الاسرائيلية، برغم اتفاقيات السلام التي تربط دولهم بالدولة العبرية.
الامر الاكثر اهمية في كل عمليات تحرير الاسرى، واخرها عملية الرضوان، أنها تمت دون دفع أي اثمان سياسية او امنية، كما حصل في عملية تحرير الاراضي اللبنانية عام 2000، ورغما عن القرار الدولي 1701 (بخلاف ما قاله احد الرسميين اللبنانيين)، الذي يتضمن في فقرته التمهيدية الثالثة "(إن مجلس الأمن) إذ يشدد على الحاجة إلى وضع حد للعنف، انما في الوقت ذاته على الحاجة الى المعالجة الفورية للأسباب التي ادت الى نشوب الازمة الحالية، بما في ذلك الافراج غير المشروط عن الجنديين الاسرائيليين المخطوفين". أي بمعنى آخر فقد تبنى القرار الدولي المطالب الإسرائيلية بشكل مباشر لكن الذي حصل ان ما تحقق هو ما أعلنه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ اليوم الأول، بأن إعادتهما تتم فقط عبر عملية تبادل من خلال تفاوض غير مباشر.
كما تجاوزت عملية التبادل في ابعادها محتواها المادي المباشر (تحرير اسرى)، على الرغم من أهميته الكبيرة جدا. لتمثل تظهيرا لانتصار المقاومة في مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وخاصة ان "اسرائيل" اتخذت من عملية الاسر ذريعة لشن حربها التدميرية من اجل القضاء على البنية التحتية العسكرية لحزب الله. وحددت اهدافا لها، شكل اطلاق سراح الجنديين دون قيد او شرط أحدها.
ويلاحظ في هذا السياق ان الاسرائيلي كفى المراقبين والمحللين عناء الاستدلال على دلالة رضوخ "اسرائيل" لشروط حزب الله وعلاقتها بهزيمتها في حرب تموز، حيث انطوت مواقف المؤيدين والمعارضين للعملية، على اقرار واضح بمعادلة استراتيجية أفرزتها هذه الحرب، سلّم فيها العدو بحقيقة قدرات حزب الله الردعية وبعجزها عن ارضاخه عسكريا.
ويُشهد لعملية الرضوان انها كسرت محرمات اسرائيلية كانت عصية على الانكسار منذ اكثر من عقدين، والتزم بها كافة رؤساء الوزراء الذين توالوا طوال هذه الفترة، وتحديدا في ما يصطلح عليه بتحرير اسرى "ملطخة ايديهم بالدماء"، وهو الذي ادى الى استثناء عميد الاسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار من صفقة التبادل عام 2004. مع ما ينطوي على ذلك من تداعيات حتمية التحقق على الساحة الفلسطينية الى جانب تداعياته النفسية والمعنوية والسياسية على الداخل الاسرائيلي.
كما برز المفاوض اللبناني، الممثل بحزب الله، في قدراته على افشال كافة المحاولات الاسرائيلية في خفض الثمن وعدم اطلاق أي أسير فلسطيني. لكن برغم ذلك لا بد من الاعتراف بحقيقة ان الاسرائيلي لم يكن ليوافق على اطلاق كافة الاسرى والمعتقلين اللبنانيين مقابل جنديين مجهولي المصير، تبين لاحقا انهما مقتولين، لولا خشيته الكبيرة مما قد سيترتب على فشل هذه المفاوضات وشعور حزب الله بأن ما يملكه من اسرى غير كاف لتحرير الاسرى والمعتقلين. كما لا يمكن استبعاد ونسيان فوائد المعادلات التي ارساها حزب الله في عمليات التبادل السابقة. 
الانتقاد/ العدد1282 ـ الجمعة 18 تموز/ يوليو 2008
2008-07-17