ارشيف من :أخبار لبنانية

الدولة تكرم الأسرى وتكرم وحدتها بعرس تحريرهم

الدولة تكرم الأسرى وتكرم وحدتها بعرس تحريرهم
بعد قيام حكومة الوحدة الوطنية بالصورة التذكارية في قصر بعبدا بحضور الرؤساء الثلاثة، سارعت إلى ترجمة معناها التوحيدي والتآلفي وأسس تشكيلها بالفعل والعمل، فزحفت بكامل طاقمها إلى مطار بيروت الدولي لملاقاة الأسرى الخمسة المحرّرين، في مشهد تضامني جميل يؤكّد حقيقة لبنان القوي بمقاومته وتلاحمه، مهما اشتدت الصعاب، ومهما زلّت الألسن بالثرثرات في غمار الحروب والتحدّي والقتال، كما حصل خلال العدوان الإسرائيلي في العام 2006.
فقد أعاد تحرير الأسرى بكل تجلّياته الإنسانية الهيبة إلى الدولة، فأضحت دولة حقيقية بكلّ ما للكلمة من معنى. وأعاد إليها أنفاسها المجمّدة في ثلاّجة الخلافات المنتجة بإرادة أميركية لا تريد الخير لهذا البلد الصغير. وأثبتت مشاهد الوقوف صفّاً واحداً ومصافحة العائدين من جحيم زنازين العدوّ، وتقبيلهم فرداً فرداً ومعانقة البعض لهم للتبرّك من عرقهم وصبرهم وكفاحهم، أنّ الوحدة الوطنية أقوى وأرفع من أيّ محطّة سياسية آنية داخلية في سبيل تحصيل مركز هنا أو مغنم هناك.
وقلّد الأسرى الحكومة وسام وحدتهم وأمدّوها بأوكسجين التفاعل مع عرسهم الوطني، على الرغم من الخلاف الجوهري حول عملية أسر الجنديين الإسرائيليين وما تبعها من عدوان دموي وتدميري، وهم الذين ما استنكفوا يوماً عن التضحية في سبيل لبنان.
فالرافضون لإخراج سمير القنطار من خلف القضبان خشية تلويث "السموكن" الملتصق بأجسادهم، أو الذين كانوا يريدون له الحرّيّة ولكن ليس على يد المقاومة الإسلامية وفرسانها، شعروا خلال ملاقاته في المطار بنكهة التضحية من أجل الوطن والإنسان، وهو طعم مميّز لا ترقى إليه حلاوة الحياة كلّها، ولن تنسى قلوبهم هذا الطعم الشهي.
وارتفعت الدولة إلى مصاف فرحة العائدين بدعوتها إلى الإقفال الرسمي لكلّ الإدارات والمؤسّسات والمرافق العامة، وهو فعل يحمل دلالة واضحة أنّ هناك إجماعاً وطنياً عاماً حول هذه القضية الإنسانية، وجاء من باب ردّ جزء طفيف من الوفاء لمن بذل دماءه وروحه فداء الوطن، لكي يبقى شامخاً وعزيزاً وسيّداً ومستقلاً. فالدماء هي التي تصنع الاستقلال، والمقاومة وحدها تنتج فرحة التحرير.
وقد كان لهذا الإقفال الرسمي وقع مميّز في نفوس اللبنانيين الذين يمّموا أرواحهم منذ ساعات الصباح الباكر نحو الجنوب لاستقبال العائدين إلى الحياة، خصوصاً بعد أزمة الحكم والحكومة التي عاشها لبنان أشهراً عديدة، وجعلت المواطن حيّاً أو شهيداً يشعر بأنّ دولته تقدّره، ولو كان جثماناً ورفاتاً.
على أنّ ما حصل في المطار من حضور لأركان الدولة برمّتها بمختلف تيّاراتها ومشاربها وتوجّهاتها وطوائفها، لهو دليل على الوحدة الوطنية الصافية التي لطالما نادت قوى 8 آذار/ مارس والمعارضة بها كعنوان تصحيحي لما آلت إليه أوضاع البلاد منذ انطلاق عمليات الاغتيالات والتفجيرات لتصفية روح الإباء والعزّة الموجودة في نفوس اللبنانيين.
وما لفت نظر المراقبين أكثر هو أنّ هذا الحضور المنوّع للدولة على الرغم من الفجوات السياسية الكبيرة بين بعضهم وبين مبادئ العائدين وتطلّعاتهم، أتى من قبيل الاعتذار ولو متأخّراً، عن هفوات سابقة عن عدم تكريم أسرى وشهداء كسروا قيود سجّانيهم وعادوا إلى رحاب الحرّيّة في عمليات تبادل ماضية، باستثناء تكريم دفعة الأسرى المحرّرين في العام 2004، حيث حضرت الدولة برؤسائها الثلاثة: إميل لحود ونبيه بري ورفيق الحريري، والوزراء والنوّاب والشخصيات السياسية إلى المطار للترحيب بهم.
لم يكن الأسرى ينتظرون من الدولة أوسمة أو دروعاً، بل تكريماً يناسب تضحياتهم، فوجدت أنّ حضورها حفل الاستقبال برهان على تقديرهم، وإنْ كان لا يوجد شيء في الدنيا يرقى إلى مستوى التضحية بالنفس البشرية.
وما زاد من تقدير الدولة للأسرى هو معنى الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي رأى في عودتهم "نصراً جديداً"، وأكّد أنّه من حقّهم "أن يعتزّوا بوطنهم وشعبهم وجيشهم ومقاومتهم". مشدّداً على أنّ "التحرير لا يكتمل في ظلّ الألغام والقنابل العنقودية الإسرائيلية"، وكأنّه يطلب من الحكومة بذل المستحيل من أجل الارتقاء إلى مستوى تضحيات الأسرى والشهداء عبر القيام بعمل ما لنزع هذه الألغام. ولعلّه دور الدبلوماسية، وإلاّ فلتبقَ الكلمة الفاصلة للمقاومة ورجالها الأفذاذ.
بعودة الأسرى وتكاتف الحكومة لمس المواطن أنّه يحيا في وطن لا يحيا إلاّ بمقاومته وجيشه والرجال الكبار والنادرين، مثل قائد الانتصارين عماد مغنية والسائرين على خطاه.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1282 ـ 18 تموز/يوليو 2008
2008-07-18