ارشيف من :أخبار لبنانية

سمير القنطار.. عاشق البندقية والحرية: ما تركت فلسطين إلا لأعود اليها

سمير القنطار.. عاشق البندقية والحرية: ما تركت فلسطين إلا لأعود اليها

كتب محمد الحسيني
ثلاثون عاماً من الأسر في غياهب السجون الإسرائيلية لم تأخذ سمير القنطار من أهله وإخوانه.. وخطوط الزمن التي حفرت في وجهه مسارات العذاب والصبر لم تغيّر من هويته التي حملها شعاراً في بندقيته.. وها هو يطلق العهد من جديد، ويذلّ تعب السنين، ويعلن المقاوم عودته.. "إلى فلسطين المحتلة مع الاخوة في المقاومة الاسلامية الباسلة"، ويطلق الصوت مرة أخرى ليهزم السجّان ودوي مواقفه لم تغب بعد عن آذان جلاديه، ها أنا سمير القنطار كما غزوتكم قبل ثلاثة عقود سأغزوكم من جديد تحت راية المقاومة.
وصل سمير إلى أرضه التي طالما عشقها، وارتدى من جديد بذلته العسكرية، وحلّق من الناقورة إلى مطار بيروت الدولي، وأشبع عينيه نظراً وهو يرمق القرى التي كانت تئن لأعوام من ثقل الاحتلال، وها هي اليوم محررة تلوّح بيديها له، تبارك له القدوم والعودة إلى أرض الكرامة التي أذاقت المحتل الكأس المرّة.
"إنه النصر الكبير".. كانت الكلمة الأولى التي نطقها سمير القنطار وهو يطأ أرض الوطن، ومعه مقاومو "الوعد الصادق"، وهم الذين خاطبوه قبل عامين في ملاحم تموز بأنهم على عهد قائدهم الأمين سائرون إلى تخوم فلسطين ليكونوا معه، ويعود معهم، فكان أن رافقوه في رحلة الأسر، وذاقوا معه مرارة الصبر حتى يفوزوا بفضل عطاءات الشهداء والمجاهدين حلاوة الظفر.
تحدّي السجّان
لقد عاد سمير بطلاً وصدق رهانه على المقاومة، فهو الذي تحدّى سجّانه وقال له: "إن المقاومة هي التي ستعيد لي حريتي، وهناك الآلاف من المقاومين الذين يعشقون الحرية قادمون إليكم، وعلى رأسهم قائدهم السيد حسن نصر الله". ومن سمعه وهو يخطب أمام الجماهير التي جاءت تستقبله مباركة له النصر، يدرك كم كان هذا الرجل يختزن من الألق المتدفق في عينيه، ونظرات الشموخ التي كان يرمي بها السجّان هي نفسها اليوم يراها الناس ولها معنى آخر، فهي تترجم اليوم توقاً دفيناً للقاء، ورسالة شكر ووفاء لقائد المقاومة الإسلامية وسيد شهدائها وشيخ شهدائها وقائد الانتصارين وقوافل المجاهدين، هؤلاء الذين حملوا معهم كل الآلام وأنّات الثكالى وجزع الأطفال، فانطلقوا يقاومون ويستشهدون ويُجرحون ويحررون الأرض والانسان.
سنواصل الدرب
أعلن سمير الموقف وهو الذي رافقه طيلة ثلاثين عاماً دون أن يتراجع عنه قيد أنملة، منذ أن اعتقل للمرة الأولى في عام 1978 على يد جهاز المخابرات الأردنية، وكان هدفه مع رفاقه اختطاف حافلة إسرائيلية بين بيسان وطبريا، وأسر ركابها المستوطنين مقابل إطلاق سراح أسرى لبنانيين في سجون العدو، وأطلق سمير بعد 11 شهرا في السجون الأردنية شرط ألا يكرر محاولته مرة ثانية، ولكنه لم يمتثل لإرادة الهزيمة. وعاد ليشارك في عملية نهاريا البطولية عام 1979 وكان بعمر السادسة عشرة، وهو كان يعلم أنه قد لا يعود.. إلا أنه عاد اليوم ليؤكد أن "المقاومة الاسلامية أصبحت ثورة نوعية لا تهزم أبدا، وهي تقترب من تحقيق الحلم"، وأن "السلاح الموقف أصبح ثقافة للأجيال التي ستقضي على هذا الكيان الغاصب"، وأنه "لن نكون في مستوى دماء الحاج عماد الا في حالة واحدة، وهي إذا أجبرنا هذا العدو أن يشتاق إلى أيامك". وفي "حضرة الكرام العظماء، شهدائنا الابرار.. في حضرة الاسطورة القائد المجاهد الكبير الحاج عماد مغنية"، أقسم القنطار ورفاقه: "نقسم بالله العظيم وبدمائكم الطاهرة اننا سنواصل هذا الدرب ولن نتراجع ابدا حتى ننال المنزلة التي اعطاكم اياها الله تعالى، هذه أمنيتنا الكبيرة نحسدكم عليها وسنصل اليها بإذن الله".
عشق النصر
وأمام كل ذلك، قد يقول قائل إن عرس العودة والفرح بالحرية، غالباً ما يكون مشحوناً بأجواء العاطفة والحنين، كعاشق يطلق الوعود لمعشوقه، وواله ينتظر اللقاء لينفلت لسانه من عقال الحكمة والواقعية.. ولكن للمقاومين مع العشق حكاية أخرى، فهم الذين لم يهنوا ولم يحزنوا فكانوا الأعلين، وهم الذين أقسموا على خوض غمار البحر خلف قائدهم فلم يرعبهم حديد الزنازين، ولم تثقل عاتقهم أغلال الأسر وسلاسل القهر والإذلال، وقالوا كلمتهم في محضر الذئب: "لن نترك مقاومتنا".
عاد سمير وأبطال "الوعد الصادق" وقافلة الشهداء إلى أرض الوطن ليعيش لبنان فرحاً جديداً في تموز، وفي الضفة الأخرى حيث طالما تبجّح عتاة الموت، حداد قاتل ورقاب منكسة وقهر غائر في القلوب، وسقوط آخر ستكتبه الأيام المقبلة، حتى لا ينسى الصهاينة أن هناك من خُلق في لبنان ليذل جبروتهم ويكسر القيد ويصنع العزة والكرامة لكل الأمة.
الانتقاد/ العدد 1282 ـ 18 تموز/يوليو 2008

2008-07-18