ارشيف من :مقاومة

مسؤول رفيع في الأمن الداخلي: تقنيّات متطوّرة كشفت الشبكات

مسؤول رفيع في الأمن الداخلي: تقنيّات متطوّرة كشفت الشبكات

المحرر المحلي + صحيفة "الاخبار"

الحديث عن الشبكات الإسرائيليّة له بداية بالنسبة إلى قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات، تعود إلى عام 2007، وربما قبل ذلك. في ذلك الوقت حصل نقاش بين مجموعة صغيرة من ضبّاط هذه المديريّة، «التي سعينا إلى تحويلها من شرطة سير إلى مؤسسة تعنى بأمن المواطن. وهو أمر احتاج إلى الكثير من التجهيز».

يُشير مسؤول رفيع في قوى الامن إلى أن نقاشاً جرى في قيادة قوى الأمن، عن ضرورة أن تدخل المديريّة على خط «مواجهة العدو الإسرائيلي، لترجمة اقتناعاتنا العروبيّة وانتمائنا الوطني».

عندها اتُّخذ قرار بإنشاء وحدةٍ متخصصة في هذا المجال. وتبيّن أن النقص الأساسي هو في التقنيّات. أجريت العديد من البحوث، حيث اتخذ القرار بشراء تكنولوجيا متخصصة في هذا المجال بمبلغ يُقارب 500 ألف دولار، «دفعته إحدى الدول العربيّة». وبعدما زارها الشهيد وسام عيد في عام 2007 وعُرضت عليه هذه التقنيّات، تقرّر شراؤها، وعمل عيد على تطوير أنظمة شبيهة بها، لأن الحصول على المنتَج كان يحتاج إلى أكثر من ستة أشهر. ومن خلال ما طوّره عيد كُشف على منفذي جريمة عين علق.

أدى هذا الاكتشاف إلى إعطاء ضباط فرع المعلومات دفعةً معنويّة جيّدة، فارتفع مستوى العمل على الشبكات الإسرائيليّة، ما أدى إلى اعتقال أحد العملاء في شهر كانون الأول 2007، «عندها تبيّن مدى النقص الذي نُعانيه في التعاطي مع ملفّات كهذه»، يقول المسؤول الأمني. فالتحقيقات مع هذا العميل لم تصل إلى نتيجة تُذكر نتيجة النقص في المعطيات والمعلومات، وقدرته على مواجهة التحقيقات. وبالتالي كان الملف الذي أُحيل على المحكمة العسكريّة ناقصاً. وفي درس أولي خرج به ضباط قوى الأمن، اقتنع هؤلاء بضرورة العمل بصبر وهدوء في هذا الملف، وهو يعني جمع الحدّ الأكبر من المعلومات عن أي عميل أو شبكة قبل الاعتقال.

ويُقدّم المسؤول الأمني مقارنة بين الشبكات الأصوليّة والشبكات الإسرائيليّة: أعضاء الأولى يتصرّفون كأن الشهادة مطلبهم، وبالتالي فلا قيمة للسجن بالنسبة إليهم. من هنا، فإن هؤلاء يتركون آثاراً وراءهم ويُخطئون، أمّا الشبكات الإسرائيليّة، فإنها تعمل بمستوى عالٍ جداً من الحرفيّة.

إذاً، منذ بداية عام 2008، بدأت مجموعة من فرع المعلومات بالعمل بجدٍّ ودقة على هذا الملف، مستعينة بالتقنيّات التي طوّرها وسام عيد. وحامت الشبهة في البداية حول أديب العلم وشبكته، ثم حول مجموعة أخرى، «اعتقدنا أنها جزء من شبكة العلم، لأن أعضاءها كانوا يستخدمون أرقاماً هاتفيّة سبق أن اشتراها العلم نفسه».

يقول المسؤول الأمني إن عمل هؤلاء اقترب من جسم المقاومة بما قد يكون مؤذياً، إذ كاد هؤلاء أن يخرقوا جسم المقاومة (لا يُؤكّد هذا المسؤول حصول أو عدم حصول خرق مؤذٍ لجسم المقاومة، لكونه لم يطّلع على التحقيقات التي أجراها حزب الله في الموضوع الداخلي). عندما وصل الملف إلى هذه النقطة وجدت قيادة قوى الأمن أنّ من الضروري التواصل مع المقاومة. عُقد اجتماع في مكتب اللواء أشرف ريفي حضره العقيد وسام الحسن والعقيد حسام التنوخي ورئيس لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، تم خلاله تداول المعلومات، وقال الضباط الثلاثة إنهم يُفضّلون الانتظار نحو شهرين قبل توقيف هذه المجموعة، إلا إذا كان ذلك يؤثّر سلباً في المقاومة. بعد مرور 24 ساعة، كان ردّ صفا يُشير إلى ضرورة البدء بتنفيذ العمليّة.

عندما بدأ فرع المعلومات بتوقيف الشبكات، تبيّن له أنها غير مرتبطة بعضها ببعض، وإن كانت تستعمل هواتف خلويّة اشتراها أديب العلم، ثم سلّمها إلى مشغليه الإسرائيليين في أوروبا الذين سلّموها بدورهم إلى عملائهم في لبنان.

ويُشير المسؤول الأمني إلى أن واحدةً من إيجابيّات الكشف عن الشبكات كانت تحسين العلاقة بين استخبارات الجيش وفرع المعلومات، رغم تأكيده أن العلاقة لم تكن مقطوعة، ويُعطي مثالاً على ذلك بأن فرع المعلومات أبلغ استخبارات الجيش نيّته دهم شقّة فتح الإسلام في شارع المئتين في طرابلس قبل أيام عدّة من القيام بالعمليّة.

ثمّ يُعطي مثالاً آخر، هو اعتقال الرقيب الأول في قوى الأمن هيثم السحمراني. إذ اعتقله فرع المعلومات هو وزوجته بناءً على معلومات من استخبارات الجيش، وسُلّم إلى الاستخبارات بعد يومين من اعتقاله. وقد اتصل اللواء أشرف ريفي بقائد الجيش جان قهوجي سائلاً إياه عن وجود مشكلة في إصدار بيانٍ علني يشكر فيه استخبارات الجيش على مساعدتها في «تطهير جسمه»، فكان ردّ قهوجي أنه لن ينشر شيئاً، لكنّه لا يُمانع ببيان صادر عن قوى الأمن. وتُشير المعلومات إلى أن ريفي أصدر هذا البيان لتأكيد العلاقة التي تجمع استخبارات الجيش وقوى الأمن، ورغبته في تنظيف جسمه الداخلي، وخصوصاً أن لا أحد معصوم.

ويُكمل المسؤول الأمني الرفيع حديثه، مشيراً إلى تداول المعلومات والمعطيات مع استخبارات الجيش التي تتداول بالمعلومات مع حزب الله. وهنا، يقول الرجل إن الإسرائيليين قد يكونون فوجئوا بعمل فرع المعلومات، لأن الواقع السياسي يقول بوجود شرخ بين الفرع والمقاومة. ويُضيف أن هذا الأمر قد يكون ساعد الفرع على التحرك بهدوء من دون أن يُثير ريبة الإسرائيليين، بمعنى «لقد ساعدنا الغبار الذي أثير حول العلاقة مع المقاومة».

أمّا في ما يتعلّق بالتحقيقات التي يُجريها فرع المعلومات، فيُشير الرجل إلى اعتماد طريقة تناوب فرق التحقيق على الموقوف تسمح بالوصول معه في نهاية الأمر إلى الإقرار بما لديه من معلومات، وخصوصاً أن التجربة بيّنت أن جميع الموقوفين يتمتعون بتدريب عالٍ لمواجهة التحقيق، وأنهم لا يُقرّون بأي معلومة إلّا بوجود جزء منها بيد المُحققين.

ويؤكّد الرجل أن المعتقل الأخير من بلدة الغندوريّة، ناصر نادر، هو المعتقل الأكثر دسامةً أو الأكثر أذيّة للمقاومة، إذ إنه أجرى مسحاً شاملاً ودقيقاً للضاحيّة الجنوبيّة ولمراكز المقاومة ولمنازل مسؤولين فيها. ويُضيف أن هذا المعتقل استفاد من بيئته العائلية والاجتماعية القريبة من المقاومة.

وكان نادر قد دخل إسرائيل في المرّة الأخيرة في شهر حزيران من عام 2008، وقد ضُبطت عنده رسالة يُحيّيه فيها الإسرائيليون على إتلافه بعض الأغراض، رغم أنه لم يُقرّ إلا بإتلاف محفظته.


2009-05-20