ارشيف من :نقاط على الحروف

طروحات الحريري لم تقنع حلفاءه

طروحات الحريري لم تقنع حلفاءه
على بر الامان، يأتي الحريري ليضع اللبنانيين، لقد حانت لحظة العودة، وخطوط دمشق بيروت ليست متيسرة بعد. الوعود التي قطعت والاحلام التي بنيت، ذهبت ادراج الرياح، سراب محال تحقيقها في المدى المنظور. دقت ساعة الاستحقاق وبات لزاماً على الحريري ان يخلع ثوب "المنفى" ويعود، لكن المرحلة ليست مرحلته، هي مرحلة "حكومة ربط نزاع" كما أسماها وليس "مصلحة وطنية او وحدة وطنية". هي لحظة التسويات وانزال الشعارات، ما اقتضى من الحريري المشاركة في حكومة الى جانب حزب الله، بعدما كان متمنعاً لاشهر بحجة وجود الحزب في سوريا..

طروحات الحريري لم تقنع حلفاءه

كلام الحريري في مقابلته مع بولا يعقوبيان على قناة "المستقبل" امس، لم يلق صدى مشجعاً في اوساط حلفائه والمحسوبين عليه من فريقه السياسي، فهو لم يعجب البعض ولم يقنع اخرين ذهبوا الى تذكيره بتصريحاته السابقة وتناقضها مع مواقفه الحالية، فضلاً عن انتقاد نواياه بالمشاركة في الحكومة علناً. ورغم محاولات الحريري لملمة صفوف 14 اذار، واظهار تماسكها، وعدم انفراط عقدها بظل الاستحقاق الحكومي الحالي، لا سيما مع توارد انباء عن مقاطعة "القوات"، الا انه فشل فشلاً ذريعاً في اقناع جمهوره كما حلفائه وهو ما ظهر من مواقفهم المشككة على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث سأل احدهم متتبعيه:"هل اقتنعتم بكلام الرئيس سعد الحريري؟.

وللجيش حصة من مقابلة الحريري، فهو المقصر في تطويق احداث طرابلس، ومخابراته لا تقوم بواجباتها، وكأن الجيش طليق اليدين، والغطاء السياسي مؤمن له، مع العلم ان القاصي والداني يعلم ان الميليشيات المتقاتلة في طرابلس يتوفر لها الغطاء السياسي من تيار الحريري نفسه، أفلم يكن الاحرى به ان يسحب مجموعاته المسلحة من الشارع بدلا من القاء اللوم والمسؤولية جزافاً على الجيش ؟.

واللافت انه بينما تغنى الحريري في مقابلته باللعبة الديمقراطية حيناً، رأيناه يعزف على وتر العصبية المذهبية حيناً آخر، قائلاً انه :"استقصي من الحكم مهدداً"، متجاهلاً ان "اللعبة الديمقراطية" نفسها هي التي اخرجته من سدة رئاسة الحكومة، وليس أي شيء آخر، وهذا ما يظهر حجم التناقض في المفاهيم المغلوطة التي يحاول الحريري تكريسها لدى جمهوره.

وفي الشأن الحكومي، حاول الحريري الايحاء بأن فريق 8 اذار هو من كان يعطل تشكيل الحكومة وانه حينما تنازل هذا الفريق عن صيغة 9-9-6 لصالح صيغة 8-8- 8، وافق فريقه السياسي مباشرة على الدخول في الحكومة، وذلك في محاولة لاظهار عدم تبعية قرار تياره للمملكة السعودية والرد على ما كتب من ان السعودية هي من كانت تعطل عملية التشكيل، لكن الحريري نسي أو تناسى في الوقت ذاته، - ربما لاعتقاده بأن ذاكرة اللبنانيين قصيرة - ان صيغة الثلاث ثمانات كانت في الاساس مطروحة قبل اي صيغة اخرى، ورغم ذلك كان فريقه السياسي يصر منذ التكليف على عدم المشاركة في الحكومة لأن الضوء الاخضر السعودي لم يكن قد اضاء لهم الطريق الحكومي بعد.

وعن الرئيس المكلف يتحدث الحريري بلغة الواثق والضامن، مؤكداً ما كان يقال دائماً من ان سلام جزء من فريق 14 اذار وليس حيادياً، فهو "من العب للجيبة" و"منا وفينا" كما يقال، "فلا مشكلة مع تمام سلام بأي موضوع" بحسب الحريري-، وانا والسنيورة وسلام "لدينا ارادة لاصلاح البلد". لكن المشكلة بالنسبة للحريري تنحصر فقط في "ثلاثية جيش وشعب ومقاومة" الموجهة ضد العدو الصهيوني، فهي أمر مرفوض بالنسبة له ولن يدور الزوايا بشأنها.

طروحات الحريري لم تقنع حلفاءه

وكالمعتاد، لم يخرج الحريري عن السياق المعهود لدى نوابه، بعدما بدا ان التهجم على الجيش اصبح "تعويذة" يومية ملازمة لتصريحات نواب "المستقبل" ومسؤوليه. فهو اذ هاجم مخابرات الجيش، أشاد بأهالي عرسال، واصفاً اياهم بـ "أنهم ابطال لبنان"، فهل قاتلو عناصر الجيش اللبناني في عرسال تشملهم هذه الاشادة؟؟!

وتماشياً مع النهج التبريري للتفجيرات الذي يتبعه التيار الازرق، سار سعد الحريري في مقابلته، مكرراً معزوفة مملة، لطالما تناهت الى مسامعنا، مفادها ان دخول حزب الله الى سوريا جلب التفجير الى لبنان.

وكما عند كل استحقاق انتخابي، يستحضر فريق 14 اذار مفردات خطابه السياسي الخاص بالمناسبة، فبعدما كان يردد هذا الفريق سابقاً أن لا مكان للانتخابات النيابية في ظل السلاح، طور النائب سعد الحريري النظرية ليخلص الى ان الانتخابات الرئاسية "تعطل بالسلاح" فقال :"الفراغ بالرئاسة احتمال موجود ولكن يجب ان نعمل لعدم حصول فراغ، الانتخابات تُعطَّل بالسلاح" .

وبشأن الاستحقاق الرئاسي، تهرب سعد الحريري من ذكر اسم مرشح 14 اذار للرئاسة، ربما نظراً لما يسببه له ذلك من حرج داخل فريقه السياسي لكثرة المرشحين المتنطحين لكرسي الرئاسة، على الرغم من انه سمى سابقا سمير جعجع في تغريدة له على "تويتر، لكنه ترك في الوقت ذاته الباب مفتوحاً على مصراعيه للتمديد، حينما اشاد بأداء الرئيس الحالي ميشال سليمان، معتبراً انه :"يمثل لبنان احسن تمثيل".

واقتصاد البلد لم يسلم ايضاً من قلب الوقائع لدى سعد الحريري، فسأل "اين البلد واقتصاده مما كان عليه سابقاً"، موحياً بأن البلد ضاع من بعده، رغم اننا لا نزال "ننعم" حتى اليوم بنعيم الـ50 مليار دولار الدين الذي اورثتنا اياه حكومات فريقه المتعاقبة، وفضائحها المالية في سوليدير والهيئة العليا للاغاثة..، وكل ذلك شواهد على العصر الحريري في الحكم، والذي أعاد لبنان الى القرون الوسطى واصبح من الماضي لا مستقبل له.

وفي سياق تحويره للحقائق، ادعى الحريري ان العرض الايراني السابق بتزويد الجيش بالسلاح جاء مشروطاً وهو ما تجافيه كل الحقائق والوقائع. مشيداً في الوقت ذاته بصاحبة الخير الوفير والايادي البيضاء السمحاء على لبنان التي لطالما ارادت الخير له وقدمت للجيش 3 مليارات دولار، فهنا الهبة السعودية منزهة عن اي شروط، لكن هدفها "تعزيز اعلان بعبدا الذي نريده في الحكومة، ودفاع الجيش عن لبنان" حسب قوله.

لكن زلة لسان الحريري جاءت حينما اصدر بنفسه حكم المحكمة الدولية بقضية اغتيال والده، متهماً الرئيس السوري بشار الاسد بأنه هو من اعطى الامر باغتياله، ضارباً عرض الحائط بهيبة المحكمة المنعقدة هذه الايام، ومتجاهلاً ما كان اعلنه سابقاً في مقابلة مع صحيفة الشرق الاوسط في ايلول 2010 من أن "فريقه ارتكب اخطاء حينما اتهم سوريا باغتيال رفيق الحريري وان هذا الاتهام كان اتهاماً سياسياً وانتهى".

طروحات الحريري لم تقنع حلفاءه

وفيما حاول الحريري التنصل من المشاركة العسكرية في الاحداث السورية، معتبراً انه "لا يغطي القتال في سوريا ولا السلاح"، نافياً في الوقت ذاته قوله "بالعودة الى بيروت عن طريق دمشق"، ومتحدثاً عن دعم سياسي واعلامي فقط للثورة السورية، تحدث الحريري في مكان آخر وكأنه ناطق رسمي باسم "الجيش الحر" فدافع عنه بوجه "داعش" التي اعتبرها صنيعة "النظام السوري"، وتحدث بطريقة العارف ببواطن الامور والاسرار والخبايا، وكأنه عضو في هيئة اركان "الجيش الحر".

وفي المحصلة، فان اطلالة الحريري أمس على "المستقبل"، تراوحت بين محاولة تلميع صورته واظهار نفسه في مظهر صاحب المبادرات الحريص على البلد، ومحاولة اقناع ساحته بتوجهاته المستجدة واسترضاء خصومه وطمأنتهم بكلام معسول ظهر انهم لم "يقبضوه".


2014-01-21