ارشيف من :نقاط على الحروف

المقاومة حيث يجب

المقاومة حيث يجب
حمزة الأمين

تزامن نشوء المقاومة الإسلامية مع نشوء جبهة معادية لها. حملت المقاومة قضية الدفاع عن الأمة ومقدساتها وتحرير الأرض والإنسان، وفي الصف المقابل حمل أناس لواء العداء لها، وكان هذا العداء يأخذ أشكالاً متعددة بحسب متطلبات كل مرحلة، وبحسب المؤامرة التي تعيق المقاومة تنفيذها.

لم تقتصر جبهة المعادين للمقاومة على صنف واحد من الناس، فقد مر على هذه الجبهة ما هب ودب، من رجال دين ومفكرين ومثقفين وسياسيين وإعلاميين. وفي هذه المرحلة التي نعيشها، بات الإعلام رأس حربة في تلك الجبهة، وصار موضع استقطاب الجهات الداعمة والممولة، ودخل مرحلة العمل الممنهج والمنظم بعدما كان عملاً فردياً، ودخل كم هائل من الإعلاميين المعادين مرحلة الـsms، أي أمر اليوم، فيكفي أن يشاهد ويقرأ المراقب العديد من الوسائل الإعلامية ليعلم مدى التنسيق في الهجوم وحرفية تقاسم الأدوار.

نجحت هذه الجبهة الممتدة من أميركا إلى أوروبا إلى دول الخليج وصولا إلى لبنان في تسجيل الكثير من النقاط على جبهة المقاومة، أو ما بات يعرف لاحقاً بجبهة الممانعة، ومن أحد أهم الأسباب الكامنة خلف نجاح هؤلاء هو فشل المنظومة الإعلامية التي تدور في فلك المقاومة وضعف تقنياتها وتمويلها أحياناً، والسبب الأهم بالنسبة للإعلام الرسمي للمقاومة، هو عدم امتلاكه لتقنيات الكذب والدجل، أو ما يعرف بالبروباغندا الإعلامية، مع لحظ احتراف الجبهة الأخرى لهذا الأمر.

ومن أهم الاستهدافات التي تعرضت لها المقاومة، خاصة بعد الانتصارات الميدانية والسياسية التي حققتها، محاولة ضرب وتشويه المنظومة القيمية التي نشأت عليها هذه المقاومة. ولهذه المهمة وضعت الولايات المتحدة الأميركية، باعترافها، مئات ملايين الدولارات كميزانية قابلة للزيادة، وهنا، يمكن لأي مراقب أن يحصي عشرات المواقع الالكترونية ومئات الصحافيين والناشطين، العاملين ضمن هذا المشروع.

المقاومة حيث يجب

استهداف المنظومة القيمية ليس صدفة، فهنا تكمن المفارقة، وهنا سر الانتصار، وهنا التمايز. المنظومة القيمية للمقاومة هي مجموعة القيم النابعة من عقيدتها والتي تحكم سلوكها، وقد كان لهذا المنظومة الأثر الكبير في نجاح المقاومة وانتصارها، ولهذا، تأهب الجميع للحرب على هذه المنظومة، ولضربها وتشويهها، بدءاً من الانتماء والولاء، وصولاً إلى دافع كل مقاوم ونواياه.

قبل طفرة الإعلام الإلكتروني كانت بعض القنوات الفضائية والصحف الخليجية رائدة في هذا المجال، لكن مع سطوع نجم العالم الإلكتروني، باتت المواقع المتخصصة والمعادية كـ"الكشك"، وضمت مئات الكتّاب، ومن بين هؤلاء الكتاب بعض الداخلين إلى نادي الصحافة بعدما طرد من المقاومة لأسباب مسلكية وأخلاقية، فباتوا من المنظرين لقيم وأخلاق المقاومة، ولهؤلاء تسعيرة مرتفعة، ليس لجودة عملهم، بل لانتمائهم الحزبي السابق.

تدخل حزب الله في سوريا استخدم كمادة دسمة للمشوهين، فلم يتوانوا عن الوقوف إلى جانب الجماعات المتطرفة التي دمرت سوريا، وتتهدد لبنان، واغاظهم تنبه المقاومة للخطر المحدق، وذهابها لقتاله في مهده، فافرطوا في الدفاع عن القتلة والإرهابيين وتجميل صورتهم، كما أفرطوا في مهاجمة المقاومة. لا أنكر وجود من سقطوا في فخ الدعاية، ممن دغدغتهم شعارات الثورة، لكن معظم هؤلاء سرعان ما انتبه للمؤامرة، وعاد إلى الواقع والمنطق، إلا الحاقدين على المقاومة وجودوا في الحرب السورية فرصة لا تعوض للنيل منها، ورغم معرفتهم بالخطر الذي يتهدد لبنان فيما لو سيطرت الجماعات المتطرفة على سوريا، راحوا يسددون خناجرهم في ظهرها، ووصل الأمر بهؤلاء إلى فبركة مقابلات مع مقاومين، وسرد قصص من خيالاتهم، ومن وحي أحلام اليقظة التي يعيشونها.

لطالما رفعت المقاومة شعار أن لا عدو لها إلا العدو الإسرائيلي وعملائه وداعميه، إضافة إلى رفعها شعار الدفاع عن لبنان الوطن والشعب، وفي أدبيات المقاومة هذه ليست مجرد شعارات، ولا أبيات من الشعر تتلى في مهرجان شعبي، هذه المقاومة أثبتت على مدى ثلاثين عاماً أن شعاراتها هي سلوك واداء، وحملها لها هو مثابرة في الليل والنهار لتحقيقها، وهنا يتجلى التمسك بالمنظومة القيمية، في الحرب وفي السلم، فالمقاومة التي حملت شعار مقاومة الكيان الغاصب والمعتدي على حدود الوطن الجنوبية، ليس بوسعها أن تسمح بنشأة كيان معادٍ على حدود الوطن الشرقية والشمالية، بل إن سماحها بذلك يعد هروباً من المسؤولية التي تحملتها وتملصاً من شعاراتها، لذلك فإن المقاومة اليوم موجودة حيث يجب أن تكون، كمان كانت في مواجهة الإجرام الصهيوني الناتج عن العنصرية المقيتة، فإنها تقف اليوم في مواجهة الإجرام التكفيري الناتج عن الفكر المتطرف، وبهذا فإن المقاومة في قمة التصالح مع نفسها، وهي لم تخالف ما قامت من أجله، التحرير والدفاع، وخير الدفاع الهجوم!
2014-02-14