ارشيف من :نقاط على الحروف

14 شباط: الساحات ’الآذارية’ تفتقد جماهيرها

14 شباط: الساحات ’الآذارية’ تفتقد جماهيرها
هي الذكرى التاسعة لاغتيال الشهيد رفيق الحريري. جماهير "14 آذار" التي ملأت ساحة الشهداء في الذكرى الأولى  والثانية للجريمة تقلّصت عاماً بعد آخر. قاعة البيال في سط بيروت باتت اليوم المكان الأفضل للحد من وطأة الساحات الخاوية. ساحات تشهد على خيبات الفريق الأزرق والشرخ القائم مع جمهوره.

شعار الذكرى لهذا العام مستورد من قاعات "المحكمة" الباردة في لاهاي. "زمن العدالة". عبارة فضحت افتقار التيار التائه لقضية أساسية يتبناها. فكان الشعار باهتاً لشد عصب جمهور متشتت. من رفيق الى سعد. آل التيار الى غير ما أراده الرئيس الراحل. لم يكن الأوّل ليترك جمهوره من بيروت الى طرابلس وعكار في مرمى "التطرّف" والتكفير. أمّا الثاني فما استطاع الحفاظ لا على النهج الوحدوي لوالده ولا على العلاقات التي كان الشهيد الحريري رائداً في نسجها مع الأفرقاء في الداخل والجوار.

14 شباط: الساحات ’الآذارية’ تفتقد جماهيرها

قناة "المستقبل" واكبت الذكرى الجامعة مع ضيوف من لون واحد. فحوّلت الذكرى كما جرت العادة الى مناسبة لتوجيه السهام نحو المقاومة. قبيل بدء الاحتفال دأب مراسل القناة من ساحة البيال على الحديث عن "الجماهير الشعبية التي بدأت تتوافد" دون أن نرى أياً منها على الشاشة. صحيفة "المستقبل" بدورها كانت أكثر تجدداً في الذكرى، فخرجت بحلة جديدة لموقعها الالكتروني، مرفِقَةً نسختها الورقية الصادرة ليوم 14 شباط بكتيّب أزرق حمل عنواناً هو أبعد ما يكون عن نهج "التيار"، معنون بـ"الاعتدال إن حكى". فلم يحدّث كتيّب "الاعتدال" القراء عن موجبات تسليح تيار "المستقبل" لميليشيات جعلت من "الفيحاء" طرابلس "امارة" للموت. ولم يوضح خلفيات الخطاب الفتنوي لنوابه "الأنبياء" منهم، وغير "الأنبياء". تجاهل الكتيّب كذلك الحديث عن أسباب التصريحات "المستقبلية" المعادية للجيش اللبناني والمؤسسة العسكرية، ودورها في خدمة "الاعتدال".

يبدأ الاحتفال المتنظر. في القاعة الضيقة يجلس الحالم بكرسي وزارة الداخلية اللواء أشرف ريفي جنباً الى جنب مع منسّق الأمانة العامة لـ"فرقاء 14 آذار" فارس سعيد. يتسامر الرجلان ربّما عن الحقيبة الحلم التي طارت. يدخل وكيل الرئيس المغترب وسط تصفيق الحضور. فؤاد السنيورة فأحمد الحريري الرجلان اللذان يسعيان لصنع هالة لهما، اقتربا من الصف الأوّل مسلّمان عن كل شخصية. "الطائرة بدون طيار" التي تستهدف أمن رجل معراب دفعت زعيم "القوات" الى ترك زوجته تدخل الحفل وحيدة الاّ من رجال الحماية. غابت عن الحفل "قيادات الصف الأوّل". فلا رئيس حزب "الكتائب" اللبنانية حجز مقعداً له ولا رئيس "جبهة النضال الوطني" فعلها.

حفل "زمن العدالة" افتتح بفيلم تضمن تصريحات سياسية لشخصيات من قوى الثامن من آذار ترفض المحكمة الدولية وتتحدث عن تسييسها، يفصل بين التصريح والآخر مشهد لقائد ماسيترو يعزف بشغف لافت، لينتهي دون أن يفقه الجمهور المتابع المبتغى منه.

بعد كلمة مسجّلة للسيدة نازك الحريري، ففيلم قصير عن الشهداء. ثم يخرج مقدّم الحفل بـ"انجاز" هو أكثر ما استطاعت قوى "14 آذار" تقديمه لجمهورها، معلناً كأنه يتلو بياناً هاماً سيغيّر مصير لبنان أن "نواب الرابع عشر من آذار قرروا تقديم عريضة الى أمين عام الأمم المتحدة تطالب بتوسيع صلاحيات المحكمة الخاصة بلبنان وبضم ملفات كافة شهداء قوى 14 آذار ووضعها في عهدة المحكمة الدولية تحقيقاً للعدالة". نعم فـ"العدالة" المزعومة لا تليق الاّ بـ"صنف" معين من الشهداء. في هذا اليوم أراد الآذاريون تقسيم الشهداء أيضاً الى محاور.

بعد غياب طويل، يطلّ وزير العدل السابق شارل رزق متحدثاً. لعلّ التيار "الأزرق" لم يجد من هو أكفأ من الرجل ليلمّع صورة "العدالة" الأممية. كلمة مقتضبة أرادها رزق خالية من أي فحوى مفيد أو طرح سياسي يمكن استنباطه منها.

فيلم وجداني آخر حول الشهداء، ويطلّ الزعيم القابع في بلاد الغربة، النّافي لنفسه عن وطن الرئيس رفيق الحريري. يطل زعيم "المستقبل" سعد الحريري محيياً الحضور و"الأحبة في كل مكان في لبنان" من بعيد. يبدأ بوصف مشاعره "الجياشة الصادمة" ربمّا، عند دخوله أروقة المحكمة في لاهاي لأوّل مرّة، فهو شعر أن "دوي العدالة أقوى من دوي انفجار 14 شباط 2005"!

مهاجمة حزب الله وسلاحه، هي القاعدة الثابتة في خطابات الرجل. لكن تحسّناً ملحوظاً برز لديه لناحية القدرة الخطابية، خصوصاً أنه أعطى دوراً كبيراً ليداه اللتان لم تتوقفا عن "الشوبرة" يميناً وشمالاً طيلة الكلمة. رافع لواء "الاعتدال" يرى أن "الطرف الآخر لا ينفع معه الحوار السياسي". يقول "تصوروا أن نخرق القانون ونحمل السلاح ونضعف الدولة"! يسأل عن ما يجنيه لبنان من مشاركة "آلاف المقاتلين من حزب الله" في الحرب السورية. لكنه لم يصوّر للمستمعين دور نائبه المرابض على الحدود التركية - السورية منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا ووظيفته في تقوية الدولة. "صقر المستقبل" هل لا يزال يوزّع الحليب والبطانيات على أطفال سوريا؟ لعلّ على أحد ما أن يذكّره أن في لبنان نازحين سوريين بأعداد وفيرة تطلب المعونة، وأن في سوريا من شبع من حقائب الدم التي يموّلها للميلشيات المتناحرة.

عنصر اضافي لفت في كلام الرجل. حاول أن يساوي بين المقاومة اللبنانية التي حررت لبنان بتنظيمات ارهابية أجنبية متطرفة كـ"داعش". مساواة تطرح تساؤلات عدّة حول نيّة "المستقبل" الحقيقية بالجلوس على طاولة حوار أو طاولة حكومية مع حزب الله. خلاصة تناقض الشعارات التي بدأ فيها الحريري خطابه حول "الحوار".

يرفع الحريري صوته بكلام لا يختلف عليه اثنان فـ"الولد اللي رايح على مدرستو بيستحق الحياة مش الموت، والرجل المؤمن الخارج من المسجد في طرابلس يستحق الحياة مش الموت..." وهكذا "سحبت" معه نغمة "الحياة من الموت" في صورة "درامية، خالصاً الى موقف جديد شجاع "لبنان بيستحق الحياة"!

التحية لوطنه "الأم" لم تغب عن الخطاب. وبعد تقديم واجب الشكر للمملكة العربية السعودية يتطرّق الحريري الى "وصاية آل الأسد" على لبنان موجّهاً بذلك الاهانة لصاحب الذكرى الذي كان طيلة الحقبة المذكورة رئيساً لحكومة لبنان والصديق الأساسي لسوريا.

يختم الرجل الذي لا يحسد على خيباته بالتأكيد على أنه أهل "الاعتدال". اعتدال بات على اللبنانيين القلق منه اذا كان نائبا "المستقبل" خالد الضاهر أو معين المرعبي نماذج له.
 
2014-02-14