ارشيف من :نقاط على الحروف

كييف ... برنار هنري ليفي , كان هناك

كييف ... برنار هنري ليفي , كان هناك

ميساء ابراهيم

"في كل عرس له قرص".. لعل هذا المثل الشعبي أكثر ما ينطبق على الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي. من حرب البوسنة إلى أفغانستان ومن ثم ليبيا ومؤخراً ميدان كييف. ليفي  حاضر دائما ... يلتقط لنفسه الصور، يوثق كل لحظة، والأهم يمارس دوره التحريضي لينصرف بعد ذلك ليصنع من الحدث كتاباً أو حتى فيلماً سينمائياً وفق رؤيته وخلفيته الداعمة للصهيونية. لا يكتفي ليفي بالبقاء خلف الكواليس بل يتعمد الظهور العلني ويتصدر الجبهات الإعلامية كما الميدانية.

للرجل علاقاته الوطيدة مع مفاتيح أساسية في وسائل الإعلام بما يتيح له استخدام منابرها للترويج لآرائه فيما تقفل هذه المنابر أمام المفكرين الحقيقيين. حتى إن ليفي لا يتردد في المبادرة إلى الاتصال بالوسيلة الإعلامية لكي تستضيفه. يتذكر كريستوف باربيي من مجلة "اكسبرس" كيف أن ليفي كان يتصل به بالتزامن مع بدء الصراع في ليبيا لا سيما وان المجلة كانت تؤيد التدخل العسكري الفرنسي في هذا البلد فيما شكل هو في مرحلة من المراحل صلة الوصل بين ثوار بنغازي والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.

وإلى جانب ذلك فإن لليفي منابره الخاصة الناطقة باسمه وبأفكاره من بينها المجلة الدورية "قواعد اللعبة" التي تصدر ثلاث مرات في السنة، ومقالة رأي أسبوعية في صحيفة "لوبوان" بالإضافة إلى موقع الكتروني ومدونة.

كييف ... برنار هنري ليفي , كان هناك
برنارد هنري ليفي في كييف

في حالة أوكرانيا لم يشذ ليفي عن "قواعد لعبته" وخلال أيام قليلة من الأحداث في العاصمة كييف، كانت له إطلالات مكثفة على "كانال +" و"فرانس انتر" و"ار تي ال" و"اوروبا 1"، فضلاً عن مقالة له في صحيفة "لوموند".

بداية دعا اللاعبين الفرنسيين إلى مقاطعة الألعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي. ثم وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"الجزار". إعتبر أن مكان أوكرانيا في أوروبا وقال "نحن كلنا أوكرانيون".

كما في ليبيا اتبع ليفي الأسلوب نفسه في أوكرانيا "الاستعراض والتحريض"، أسلوب كان خلال الأيام الماضية محط انتقادات واسعة، انتقادات وان انطلقت من الحدث الأوكراني إلا أنها كانت فرصة للتذكير بدور ليفي السيء في الأحداث الليبية.

"فن الفلسفة لا يساوي شيئاً إلا ذا كان فن الحرب" هذه العبارة التي تتصدر مدونة ليفي على الانترنت استشهد بها كزافيي تيري ليقول "في كل عام للأسف تمنح الأحداث العالمية برنارد هنري ليفي الفرصة ليس للتفلسف وإنما لدعوة العالم إلى خوض الحروب.. في السابق كانت حرب البوسنة ثم دارفور والتدخل في ليبيا والدعوة إلى التدخل العسكري في سوريا واليوم إنها الحرب على روسيا".  

توقف تيري عند ظهور ليفي على شاشات التلفزة وعبر الإذاعات لدعوة الأوروبيين إلى "الوقوف في وجه الجرائم الروسية في أوكرانيا وللضرب بيد من حديد في مواجهة روسيا لتحرير أوكرانيا" قائلاً "يبدو أن على أحد ان يذكر ليفي بأن أوكرانيا سبق وأن نالت حريتها وأن الحكومة الحالية تمخضت عن انتخابات حرة".

خطاب ليفي في ميدان كييف كان أيضاً محل انتقاد تيري الذي استغرب ربط ليفي القمع الحكومي للمتظاهرين بـ"مذابح القوقاز بحق اليهود، ومجازر ـ المجاعة التي نفذها ستالين، وضحايا الهولوكست في بابي يار (الأوكرانية)" مستبعداً "أن يرغب مواطنو كييف بالثورة على خلفية هذه الأمثلة".

أمام هذا الخطاب رأى تيري أنه بات من الضروري عقد مؤتمر بمشاركة مؤرخين وفلاسفة والأهم علماء نفس من أجل تهدئة برنارد هنري ليفي وإفهامه التالي:

ـ التوتر بين الحكومة الاوكرانية ومعارضيها لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالهولوكست او القمع السوفياتي.
ـ المنطق يستدعي من كل شخص أن لا يرمي الزيت على النار بل ان يهدئ الاوضاع في اوكرانيا.
ـ مصلحة الاتحاد الاوروبي ليست في اختراع عدو جديد بشخص بوتين أو روسيا بل إن مصلحته في التحرك مع روسيا من أجل التوصل الى حل سياسي وسلمي.

هل سيكون بوسع ليفي العمل وفق ما يمليه المنطق؟ بمفهومنا لن يكون ذلك وارداً لأن ليفي يعمل وفق أجندة صهيونية وحدها المصالح تتحكم بها. بمفهوم صحيفة "لو فيغارو" فإن ليفي الذي لطالما نادى بالتدخل العسكري من سراييفو الى سوريا، لم يعترف يوماً بأنه أخطأ وأساء التقدير مذكرة بالنتائج العكسية للتدخل العسكري في العراق وليبيا قائلة "من الصعب جداً تذكر أي تدخل عسكري نجح في تحقيق أهدافه خصوصاً حين نتحدث عن تدخل الغرب في الشرق".

أما ايف دوري فبعث برسالة إلى ليفي انتقد فيها اللامنطق السياسي لدى الأخير، لكونه يدعم المقاطعة الروسية من خلال دعوة الفريق الفرنسي الى الانسحاب من سوتشي، فيما يرفض في الوقت عينه كل النشاطات التي يقوم بها مكتب مقاطعة البضائع الاسرائيلية المناهض للصهيونية.

أن يغيب مثقفو أوكرانيا عن ميدان كييف ويحضر برنارد هنري ليفي بدلاً منهم، للأمر دلالاته وأبعاده وخلفياته الواضحة سيما في ظل المعلومات التي تتحدث عن دور الموساد واسرائيل في الأحداث التي شهدتها العاصمة الأوكرانية. وعلى الرغم من أن هذا الجانب يكاد يكون غائباً بالكامل في وسائل الاعلام الغربية إلا أن دخول ليفي على خط الأحداث الساخنة في أوكرانيا استفز كثيرين في الغرب وفي فرنسا تحديداً ممن لا تزال التجربة الليبية ماثلة أمامهم، من يلقي نظرة على التعليقات على مقالته في "لوموند" في صفحته الخاصة على "فايسبوك" يرى ذلك بكل وضوح.

فقد ردّ أحد المشاركين على عبارة "كلنا أوكرانيون" بالقول "ما هو أكيد أننا لسنا كلنا برنارد هنري ليفي"، وسأل آخر "قلت يوماً نحن ليبيون.. واليوم تقول نحن أوكرانيون... أما آن لنا أن نكون فرنسيين"، فيما علق مشارك ثالث "برنارد هنري ليفي يوجه خطاباً للأوكرانيين... لم أجد طريقة أفضل لجعل بوتين أكثر لطفاً بنظري".
2014-02-26