ارشيف من :نقاط على الحروف

التأسيس لنقد المجتمع المقاوم

التأسيس لنقد المجتمع المقاوم
أعطت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة واسعة للفرد للمشاركة في الحياة السياسية، وذلك بشكل آني تفاعلي وغير مكلف مادياً أو زمنياً، وبذلك برزت ظاهرة التعليق السياسي كأكثر من مجرد تنفيس للضغط على لوحة كمبيوترية افتراضية البعد، بل كعنصر تأثير في الواقع السياسي من بوابة صانعي القرار.

لبنان بلد مليء بالتناقضات والصراعات والتنوع السياسي والثقافي، في كل اتجاه، ولذلك نرى مدى الصخب والتفاعل اليومي مع الأحداث، حواراً وجدالاً وتهجماً. أخذ المتجمع اللبناني، على تفاوت، دوراً فاعلاً في اللعبة السياسية، حسب التسمية اللبنانية، دوراً متنامياً في نقد سياسات الخصوم والأصدقاء، ما يعكس وجود مجتمع حيوي وحاضر على الدوام.

الشريحة المؤيدة للمقاومة في لبنان تكاد تكون الأكثر حيوية وحضوراً، وذلك نظراً للدور المؤثر والمبادر الذي تلعبه المقاومة محلياً وإقليمياً، وكذلك حجم الضغوط والصراعات والجدال الذي يحيط بكل السلوك السياسي والميداني للمقاومة. جمهور المقاومة يعيش في عين العاصفة فاعلاً ومبادراً ومستهدفاً ومحاصراً، وهو في الوقت عينه يعيش تنوعاً ثقافياً وطائفياً وفكرياً، وهذا ما يزيد في حيويته، إذ ينظر إلى اللحظة السياسية من زوايا مختلفة، وخلفيات متفاوتة.

سرعة الحياة السياسية في لبنان مارست تأثيراً سلبياً على هذا الحراك الحيوي، فتركت لمسة انفعال في اللغة وتسرعاً في تحديد الموقف عند التعبير عنه على خشبة المسرح الافتراضي، وسيمضي بعض الوقت لتتحول حركة النقد إلى حركة مجدية وفاعلة وبناءة.

التأسيس لنقد المجتمع المقاوم

قيادة المقاومة عبرت عن إدراك متقدم لمتغيرات البيئة السياسية، الناشئة من المشاركة الشعبية الافتراضية، تميزت بمستوى استيعاب منفرد على الساحة اللبنانية أو يكاد، حيث عبر السيد نصر الله في خطابه الأخير عقب تشكيل الحكومة عن احترامه لتنوع آراء مؤيدي المقاومة وجمهورها من المشاركة في حكومة تتضمن الأسماء الاستفزازية المعروفة.

الموقف من المشاركة في الحكومة اتُّخِذَ في لحظة سياسية مليئة بالتعقيدات: الحرب في سوريا، التهديد الإسرائيلي، أمن مناطق المقاومة، الضغوط الدولية والإقليمية على كل صعيد. رغم ذلك كان هناك وعي كبير لأهمية الحوار والنقد السياسي الذي يمارسه الجمهور، والذي لا شك أن له تأثيراً إيجابياً في إسناد القرار والتفاوض السياسي، ولكن دوماً تحت سقف الشراكة القهرية التي بني عليها لبنان، وما تحتمه من مرونة وتنازل للشريك اللبناني.

الدينامية التي نشأت بين المقاومة وجمهورها هي ضمانة للثبات والتطور في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية في المرحلة الحالية والأيام القادمة، فهي تعطي للفرد بعداً جماعياً وتحمله مسؤولية سياسية، إنساناً حياً ومؤثراً ويمكن التعويل عليه في تكوين موقف سياسي راجح في اللحظات الحساسية، وخصوصاً في محطات المواجهة المباشرة والحاسمة.

في المقلب الآخر، نجد أن شرائح واسعة من جمهور خصوم المقاومة لم تمارس الدور المأمول والمرجو منها، في توجيه السؤال والنقد لقياداتها التي غرقت في دعم المشروع التكفيري الإرهابي، والذي تدل كل التجارب التاريخية على وخامة نتيجة تنميته ودعمه على الداعمين في المحل الأول، لكننا نجد جمهوراً خامداً وميتاً لا يمارس وعيه الذاتي، بل يلتزم الوعي البديل الذي يقدمه خطاب قياداته، رغم ما لقضية الموقف من الإرهاب التكفيري من تأثير مصيري على حاضر ومستقبل لبنان. يدلنا ذلك على منهجية مختلفة في بناء العلاقة بين الجهة السياسية والمستوى الشعبي، علاقة قائمة على الإفراغ والتلقين.

جمهور المقاومة من ناحية أخرى، الذي بدأ يشعر أنه جزء لا يتجزأ من العمل المقاوم، يدخل في تجربة حديثة وهو في طور النمو، وتطوير لغة إيجابية وبناءة، فالأخطاء والانفعالات تمارس تأثيراً سلبياً على غايات النقد وأهداف عرض الآراء.

النقد بحاجة لثقافة وهدوء ونظرة مستقبلية، إلى جانب استجماع أبعاد الموقف، لا أخذه بالجزئية المحدودة، خصوصاً مع التشابك اللبناني والحرب الكبرى التي تخاض ضد المقاومة على كل صعيد، فعواطف الجمهور الصادقة هي أمر لا يتجاوز عنه، ولكن يحتاج الجمهور إلى مزيد من الوعي وضبط العواطف خلال تحليل اللحظة والموقف.

الممارسة النقدية الحالية هي مدخل لتكوين ثقافة سياسية جدية لدى الجمهور، ستتنامى مع الوقت والتجارب، وتقع على عاتقه مسؤولية الوعي والاطلاع على التجارب الأخرى، عرضاً وطولاً. لكن ما لا شك فيه، أن الحوار النقدي بين المقاومة وجمهورها يجعل من هذا الجمهور كتلة حيوية أكثر التصاقاً بالمقاومة فكراً ومشروعاً، وأكثر معرفة بها ممارسة وقيادة.
2014-03-05