ارشيف من :نقاط على الحروف

بين ’الوقاحة’ و’الجرأة’؟

بين ’الوقاحة’ و’الجرأة’؟

"فيّقوا الشهداء من قبورن".. لم يرق ذلك للقاتل. لا يعجبه طبعاً أن تستيقظ الضحية من صمتها الصاخب. لكن الضحايا كانوا أبرز الحاضرين في اليوم الذي أراده المجرم موعداً "لمسح" الذاكرة اللبنانية.

سعى "لتلميع" سجلّه. فَخَيَّب ماضيه حاضره. جلس سمير جعجع بربطة عنقه يتأمّل نوّاب الأمة وهم يقترعون. لا شك أنه كان هو نفسه ساخراً من القدر. ها هو ببركة "نواب السعادة" ينزع عنه صفة "المحكوم" و"المدان" من العدالة اللبنانية بجرائم قتل واغتيالات عدّة، ليصبح "المرشّح" لمنصب الرئاسة.

بمحاذاة "الحكيم" جلس منسّق الأمانة العامة لفريق "14 آذار" فارس سعيد. وفي حين كان جعجع ينصت بنظرات باردة لأسماء ضحاياه تصدح في مجلس النواب، كان سعيد يتمتم معترضاً. أزعجه اسم الشهيدة جيهان طوني فرنجية. عكّرت هذه الطفلة بعد سنوات على رحيلها مزاج قاتلها، ومن أراد لنا أن ننسى.

من لعيني تلك الطفلة البريئة وهي ترمق قاتلها مرشحاً لرئاسة البلاد؟ ألا يتطلب هذا المنصب سجلاً عدلياً من الساعي اليه؟ من لرئيس حكومة لبنان رشيد كرامي؟ من للقلوب الدامية؟ من ينتصر للعدالة اللبنانية التي أدانت القاتل، قبل أن يخرج من سجنه بصك "عفو" لا براءة فيه؟

بين ’الوقاحة’ و’الجرأة’؟
 زنزانة جعجع أبرز الرابحين!

قد يقول قائل إن استذكار الشهداء في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية هو "نكش في سجلات الحرب". ربّما نعم. لكن وقع الحدث كان ثقيلاً على بعض الضمائر، والوجدان. وقد يقول قائل إن محاكمة جعجع كانت غير "نزيهة"، لكن هناك من يرد بالتالي:

إن الحكم الصادر عن المجلس العدلي في 25 حزيران 1999 بادانة جعجع في "دعوى اغتيال الرئيس رشيد كرامي" صدر عن محكمة برئاسة القاضي منير حنين وعضوية القضاة غسان أبو علوان وحسين زين وأحمد المعلم ورالف رياشي، والأخير يشغل اليوم منصب نائب رئيس "المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان"، التي ينزّهها جعجع نفسه عن أي "شائبة". فهل رياشي فاسد في ملف "ادانة جعجع" ونزيه في ملف "المحكمة الدولية"؟

جرأة أم وقاحة أن يترشّح لرئاسة لبنان شخص خرج من السجن بقانون عفو، ومتورط بدماء اللبنانيين؟ جرأة أم وقاحة أن يترشّح هذا الشخص لرئاسة لبنان على أساس برنامج يمثّل قناعاته التي يقول انها لم تتغيّر منذ نشأته؟

لعل سخرية الزمن جعلت من اللبنانيين شعباً مكرهاً على تقبّل قاتليه. مصالحات واتفاقات وصفح "لأجل الوطن" دفعت بنظيفي الكف الى مصافحة المجرمين. لكن كل مصافحات الكون لا تستطيع أن تنزع من وجدان الشعب أسماء الضحايا والشهداء. ولا أن تجعل من المجرم المدان في القضاء اللبناني (اذا لم نرد الحديث عن الجرائم التي لم يدن رسمياً فيها من قبل القضاء) رجلاً شريفاً يحاضر بالعفة ويفخر بزنزانته التي لا شك أنها أنّت طويلاً من وجود ثقيل الظل فيها. لا بد أن زنزانة جعجع كانت أبرز الرابحين من "قانون العفو".
2014-04-24