"المنار" في تغطيته لحرب افغانستان

فرادة المضمون السياسي للرسالة الاعلامية


طويلاً ساد الاعتقاد ان تلفزيون "المنار" هو قناة المقاومة بامتياز ليس إلا، وطالما تصور آخرون في مرحلة لاحقة ان حدود مشاهدي "المنار" لا تتعدى وجدان من يلتزم القضية الفلسطينية في رأس اهتماماته.

لكن الاجتهادات تخسر في ميدان الوقائع والاحداث المحلية والعالمية ومضاعفاتها تفضح قدرة المؤسسة الاعلامية في مدى رصدها وتقديم التحليلات والاحاطة بكل جوانبها. وجاء الحدث العالمي لكن هذه المرة من افغانستان ليضع المؤسسات الاعلامية اللبنانية في موقع لا تحسد عليه، وامتحان غير عادل في وجه المؤسسات الاعلامية العالمية نظراً الى ما تملكه هذه من امكانات ضخمة، وطاقات كبيرة تجعلها في منأى عن المنافسة، مع مؤسسات محلية غير ان ذلك لا يعفي المؤسسات اللبنانية من ان تسابق الحدث وعلى تواضع قدراتها ولو كان في افغانستان من اجل التدرج الطبيعي في تطوير عمل المؤسسة، والنهوض بها من المحلية الى العالمية.

ضمن هذه الرؤية بنى "المنار" سياسته، فمن عالم المقاومة الى القضية الفلسطينية ثبت هويته الاعلامية ورسالته المهنية الملتزمة القضايا الانسانية والتحررية، وجاءت احداث واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من ايلول لتشكل اختباراً مهنياً على مدى قدرة المؤسسة في الوصول الى مركز الحدث وانعكاساته التي وجدت صداها في العدوان على افغانستان.

وفيما كانت بعض المؤسسات اللبنانية تكتفي بنقل الاخبار وتداعياتها من مؤسسات اعلامية عربية واجنبية ووكالات الانباء الغربية اراد تلفزيون "المنار" ان يكون في قلب الحدث من واشنطن الى افغانستان، فقد أوفدت المؤسسة فرق عمل مهنية متخصصة وكفوءة الى باكستان وايران (عبد الله شمس الدين ، عباس ناصر، زكريا الشيخ) مع سعي حثيث للوصول الى مراكز الحدث في هيرات (علي الحسيني بالتنسيق مع التلفزيون الايراني) وفي كابول (حكم امهز) بالاضافة الى ولاية نمورذ على الحدود الايرانية - الافغانية حيث أوفد الزميلين محمد شمص وفؤاد نور الدين لمتابعة التطورات الميدانية، وتضم هذه الفرق بالاضافة لكل هؤلاء المراسلين عددا من الفنيين والادلاء والمترجمين المجهزين بتقنيات رفيعة وعالية الجودة.

وجود هؤلاء في مراكز صناعة الاحداث ومحيطها ونظراً الى صعوبة الوصول اليها جميعها (كابول، قندهار، رغم المحاولات المستمرة) بالاضافة الى تعميق التعاون مع عدد من المراسلين والصحافيين في عواصم صنع القرار (واشنطن، موسكو، تركيا) كان له الأثر الطيب في خروج "المنار" من دائرته الاعلامية المحلية والاقليمية الى فضاءات اعلامية أرحب في ضوء رسائل الموفدين والمراسلين، التي تنقل الوقائع والتطورات والمواقف السياسية وحركة الفارين والمهاجرين والمعاناة الانسانية والتظاهرات المنددة، دون اجتهاد وكالات انباء او فلترة معلومات.

اذ لا يخفى ان التحركات الشعبية الباكستانية (على سبيل المثال) الرافضة للعدوان الاميركي ومعاناة النازحين والبؤس الذي يلف حياتهم في المخيمات هي صور يسعى الاعلام الغربي المؤيد لسياسات الولايات المتحدة الى تغييبها قدر الامكان حتى لا تحرف "مهمتها" عن الخط المرسوم لها.

انطلاقاً من ثقل هذه الوقائع بدأ ضخ الدم الجديد في روح نشرات الأخبار من خلال الاتصالات المباشرة عبر الأقمار الاصطناعية مع المراسلين وعرض المقابلات الحية مع مختصين في تحليل الحدث ومشاهد خاصة تتعلق باقتحام المعارضة الشمالية بعض مواقع طالبان، وعملت مؤسسات عالمية الى نقلها عن شاشة "المنار" وكان يتزامن النشاط مع متابعة دقيقة لكل التطورات التي تحدث في فلسطين المحتلة، وللاعتداءات الاسرائيلية المتفاقمة باستمرار ضد الشعب الفلسطيني، واغناء النشرات الاخبارية بالاتصالات المباشرة ايضاً مع غير مراسل لـ"المنار" في غير منطقة فلسطين. هذا الحال اغنى النشرات وجعلها تتفوق على ذاتها وقدرتها في متابعة الاحداث وتسارعها وفي أكثر من بقعة جغرافية في آن واحد.

وكما كانت نشرات الاخبار كان قسم البرامج السياسية يرمي بثقله في متابعة هذين الحدثين ليصطاد في مروحته الاعلامية اكبر قدر من المختصين والمحللين والخبراء في قضيتي افغانستان وفلسطين على مستوى العالم بدءاً من واشنطن مروراً بفلسطين ومصر والاردن وصولاً الى ايران وباكستان وروسيا، وهذا الحال دفع بالبرامج السياسية الى ان تكون من اولى البرامج اللبنانية التي يتابعها المشاهد خصوصاً ان عدة شخصيات من غير دولة كانت تحل ضيفة في الحلقة الواحدة تحديداً في برنامجي "حديث الساعة" و"ملفات"، وكل شخصية لها قناعاتها واتجاهاتها التي قد تتباين مع آراء الضيوف الآخرين. ولا شك في ان ذلك زاد من رفع مستوى الحوار والنقاش وتالياً من مستوى البرامج السياسية على قواعد ثابتة تؤمن استمراريتها بالزخم ذاته وفي اكثر من مرحلة، قد لا يكون فيها بالضرورة حدث ساخن يشد بسخونته المشاهد.

لا شك في ان قناة "المنار" قد غدت أكثر نضجاً اعلامياً واستطاعت ان تفرض نفسها رقماً صعباً في معادلة الاعلام المحلي واصبحت مؤسسة لها حضورها في معادلة الاعلام العربي والاقليمي، وبذلك تكون رسالتها الملتزمة قد استحالت الى رسائل يتابعها المشاهد اللبناني والعربي والمسلم في شتى انحاء العالم.

ويؤشر الى ذلك فرادة مضمونها السياسي في معالجة العدوان الاميركي وعدم انجرارها تحت وطأة الضغط الاميركي والغربي الى اعادة توجيه مضمون رسالتها الاعلامية، أو حتى جعلها تعتمد سياسة حيادية تقوم على عدم التعرض للواقع السياسي والبعد الحقيقي للحملة والاكتفاء بمنهجية ولغة تتناول الوضع الانساني والمعيشي للشعب الافغاني.

هذه السياسة الاعلامية رفعت مصداقية المؤسسة تجاه الشعوب العربية التي لطالما وجدت في المؤسسة صدى لصوتها المغيب، ومنبراً للتعبئة الجماهيرية ضد الظلم والاستعمار بتجلياته وصوره المتنوعة المختلفة من الاحتلال الاسرائيلي للبنان الى الانتفاضة الى العدوان الاميركي ضد افغانستان ارضاً وشعباً.

محمد العاصي