محمد البرزاوي: معنويات المعتقلين عالية جداً
قلت للقاضي الصهيوني أنت محتل ومعتدٍ وظالم وأنا أدافع عن أرضي

عاد الشهيد.. عاد الأسير حراً.. في يمينه البندقية يقتحم بالنار قلب العدو.. يحرق حصونه ويرسم بدمه وسنوات عمره حكاية الشجاعة التي هزّت عرش العدو، والبطولة التي لا يقهرها سوط السجان أو حكم المحكمة.

محمد علي البرازوي.. ذلك الشاب الذي زفّته بعلبك يوماً شهيداً.. ورفعته فوق هامتها مشعلاً يضيء للتاريخ درباً في السهل المنسبط حتى حدود النار.

بالأمس حين عاد.. أعدت له مدينة الشمس عرساً.. وأخرجت كل حبّها المغسول بدمع رأس العين.. وخجلت كل الشموس من ملاقاة شمس الحرية القادمة براية المقاومة والنصر من أرض الشهادة.. فلسطين.

عبر محمد البرزاوي الشريط الشائك.. وبدأت رحلته وسط الآلاف الذين احتشدوا للاحتفاء به من الناقورة الى النبطية وميدون وبعلبك في أحد أعراس التحرير والمقاومة.

 

 

محمد البرزاوي: معنويات المعتقلين عالية جداً

قلت للقاضي الصهيوني أنت محتل ومعتدٍ وظالم وأنا أدافع عن أرضي

 

"الحد الفاصل بين الأسر والحرية كان بوابة الناقورة"، بهذه العبارة استهل الأسير المحرر محمد علي البرزاوي كلامه أمام المهنئين النابع من قلب مليء بالعزة والشجاعة لم تنل منه قيود الأسر والاعتقال الصهيوني.. العائد البطل استقبل يومه الثاني في رحاب الحرية والأحبة منذ الصباح الباكر في منزل ذويه في حي الشيخ حبيب في بعلبك، الذي غصّ بالحشود المهنئة والزائرة للتبرك والتهنئة في أجواء مملوءة بالفرح والسرور. وكان في مقدمة المهنئين الوكيل الشرعي العام للامام الخامنئي في لبنان سماحة الشيخ محمد يزبك ومسؤول منطقة البقاع الحاج علي ضعون على رأس وفد من قيادة الحزب في المنطقة، وعلماء وحشود من الأهالي ورفاق الدرب.

الأسير البرزاوي الذي بدأ مرتاحاً وبصحة جيدة أبدى سروره لمراسم الاستقبال التي لقيها، وإن كانت هناك غصة لفراق رفاق له ما زالوا رهن الاعتقال، يحدوهم الأمل بالحرية ومتابعة طريق ذات الشوكة، طريق الجهاد ضد العدو الصهيوني.

الأسير المحرر محمد البرزاوي أكد "أن ليلته الأولى في المنزل كانت حميمة للغاية، وكانت عبارة عن جلسة تعارف، خصوصاً أن خمسة عشر عاماً هي فترة زمنية طويلة".

يقول: "لقد تذكرت تقريباً جميع إخوتي وأخواتي، ولكن ما أدخل الحزن الى نفسي هو أنني لم أجد والدي في المنزل، لأن المنية وافته منذ خمس سنوات".

منذ اللحظة الأولى للحرية بدأت عينا محمد تجوب المدى وتلتقط المشاهد، مواقع العدو المدمرة والأهالي المشغولون بحكاية نصرهم وحريتهم.

يقول: "عندما مررت في القرى المحررة أخذت صور مئات الشهداء تمرّ في خاطري، وشعرت بالعزة والفخر بهذا الانجاز الذي حققته دماء هؤلاء الذين وهبوا هذا النصر العظيم لكل الوطن، وألبسته ثوب العزة والكرامة".

ولكن كل ذلك الفرح قطعته لحظات كان يعود فيها الى الزنزانة في نفحة، ليرمق إخوته المنتظرين هناك لحظة الفرج.. يتوجه الى الأسرى في سجن نفحة فيقول: "ان فجر الحرية آتٍ لا محالة، وإن الله دائماً مع الصابرين".. يضيف: "معنويات المعتقلين داخل السجون الصهيونية عالية جداً، وسنوات الأسر وكل أساليب التعذيب لم تستطع أن تؤثر على معنوياتهم".

ويروي بشيء من الاعتزاز "أن مدير سجن نفحة تعرض للضرب المبرح قبل أيام من قبل المعتقلين، حيث نُقل الى المستشفى على الحمّالة، وذلك رداً على الممارسات الصهيونية بحق أقرباء المعتقلين الفلسطينيين".

ويعود المجاهد البرزاوي سنوات طويلة الى الوراء ليستعيد لحظات المواجهة والأسر فيقول: "بعد إصابتي في عملية تومات نيحا التي نفذتها المقاومة الاسلامية اعتقلني العملاء اللحديون، ولكن بعد أن علم العدو الاسرائيلي بأنني من المنظمين في حزب الله كان التشديد على أن يدخلوني مباشرة الى أرض فلسطين من دون أن أمرّ على معتقل الخيام، لأنني كنت في حساباتهم الأمنية شيئاً ثميناً، لذلك لم أدخل الى معتقل الخيام، لكن اللحديين أوسعوني ضرباً ولم يسلموني الى الصهاينة قبل أن يشفوا غليلهم مني".

يضيف: بعدما تسلمتني قوات العدو الصهيوني لم يعد للحديين أي دور، دخلت الى المستشفى لأني كنت مصاباً، وبعد المستشفى تحقيق وبعد التحقيق انتقلت الى مدعي التحقيق، وبدأت مدة التوقيف التي استمرت نحو عشرة أشهر وتضمنت المناقشة في المحكمة في الجلسة الاخيرة التي نطق فيها بالحكم عشر سنوات بعد ان طلب محاميَّ تخفيض الحكم الى ست سنوات.

ويشير الى أن الفرصة سنحت له لأن يناقش ويدافع عن نفسه، حيث "يدّعون الحرية والديمقراطية".

ماذا قلت لهم؟

عندما سمحوا لي بالكلام تحدثت بكلام يعبّر عن ثوريتي وحقي ومقاومتي، وقلت لهذا اليهودي ـ القاضي الصهيوني ـ "أنت إنسان ظالم ومحتل ومعتدٍ، وأنا إنسان أدافع عن أرضي وحقي، والحكم ليس لك، الحكم لله".. وكنت عنيفاً جداً وعبّرت عن هدفي وفكري ونهجي وخطي، وكنت أضرب بيدي على الخشب، وهذا التصرف نتج عنه ان ثار غضب الحاكم بمستوى كبير وحكم بأقصى مدة وهي سبع عشرة سنة، ولو استطاع ان يزيدها لفعل.

كيف كان رد فعلك على الحكم؟

"ان السنوات التي حُكم بها علي سواء كانت سبع عشرة أو عشرين أو ثلاثين، لم يكن لها قيمة عندي، ولم أكن معتمداً لا على محامي دفاع ولا جلسات محكمة، لم أندم على قولي ولم يؤثر الحكم عليّ، ولو تكررت التجربة مرة أخرى لعدت وفعلت الأمر نفسه.. إنها كلمة الحق في وجه الباطل، ومستحيل أن أندم عليها.

يضيف: "حين كنت عنيفاً في مواجهة الحاكم لم أكن عنيفاً من دون عقلانية، كنت أعلم ماذا أقول، وكنت متأملاً خطواتي وأعلم الى أين سأصل"..

ويؤكد "أن أهم ما يجعل المعتقل يواجه قساوة السجن والجلاد وجبروت العدو أنني كنت عزيزاً بقضيتي وبخطي وبمقاومتي".

عصام البستاني

 

 

الناقورة

 

فعصر يوم الاثنين أطلت سيارات الصليب الأحمر الدولي عند بوابة رأس الناقورة الحدودية حاملة معها واحداً من الأسرى اللبنانيين الستة عشر المعتقلين داخل سجون فلسطين المحتلة. وبعد قليل من عبورها باتجاه الأراضي اللبنانية توقفت القافلة التي يرأسها هنري فورنييه رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان وسوريا، وترجل منها المجاهد البرزاوي حيث دنا من الأرض وسجد شكراً لله.. ثم وقف ليعانق قيادة حزب الله في الجنوب التي كانت بانتظاره هناك، فقلده الشيخ نبيل قاووق عقداً من الزهور والكوفية الفلسطينية، ثم حمّله راية حزب الله والعلم الفلسطيني فقبلهما "الأسير المحرر" ورفعهما عالياً. وتحت رايات المقاومة التي حملها ثلة من المجاهدين أكمل موكب الحرية سيره من الناقورة باتجاه مدينة النبطية.

 

النبطية

 

وعلى وقع الهتافات وزغردة النسوة ونثر الأرز دخل الأسير المحرر محمد البرزاوي الى ساحة النبطية دخول الأبطال، حيث استقبل بحفاوة بالغة في مشهد امتزجت فيه دموع الفرح بعناق الشوق للأحبة والأهل. وفيما كان "المحرر العائد من وراء قضبان الأسر يخترق الجموع، وقفت إحدى وحدات المقاومة الاسلامية بانتظام وقدمت له تحية الاستقبال، وردّ "البرزاوي" معتلياً المنصة رافعاً يده اليمنى التي طالما حملت البندقية دفاعاً عن أرضه وشعبه، وبصعوبة بالغة تمكن من الوصول الى المنبر ليقول كلمات عبّر فيها عن فرحه وحزنه في آن، لأن السرور ما زال ناقصاً بسبب بقاء إخوة له في سجون العدو.. مشيراً الى أن حال الأسرى في غاية الصعوبة في هذه المرحلة التي تشهدها فلسطين المحتلة.

وفيما كان يشدد على المعنويات العالية جداً التي يتمتع بها مع إخوته المعتقلين، تلقّى اتصالاً هاتفياً من الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الذي هنأه بعودته الى أهله وإخوته مطمئناً الى صحته.

مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق الذي كان يرافق الأسير أشار الى أن عملية الافراج عن المحرر البرزاوي جاءت نتيجة الجهود التي يبذلها حزب الله من أجل الافراج عن المعتقلين والأسرى في السجون الاسرائيلية، مؤكداً أن هذه القضية هي في سلم أولويات حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله.

ووسط الهتافات والشعارات وزغردة النسوة التي لم تتوقف، شق الأسير البرزاوي طريقه بين الجموع مرفوعاً على أكتاف إخوانه، متوجهاً الى سيارات عائلته التي أقلته مع قافلة كبيرة من السيارات التي حضرت من منطقة البقاع لاصطحاب الأسير البرزاوي الى مسقط رأسه مدينة بعلبك عبر طريق البقاع الغربي، ليرى من جديد المنطقة التي أُسر فيها وقد تحررت بفعل تضحيات المجاهدين من إخوانه.

 

البقاع الغربي

 

ومن النبطية مروراً بالمنطقة المحررة التي يعرفها الأسير جيداً من خلال جهاده في صفوف المقاومة الاسلامية، وصل الأسير الى مشارف البقاع الغربي حيث احتشد أهالي المنطقة عند المدخل الجنوبي لبلدة ميدون، واستقبل الموكب بصيحات التكبير وزغردات النسوة. وعند ترجله تخطفته أيدي الناس لتتبارك منه ثم نُحرت الخراف تعبيراً عن فرحة الأهالي بتحرره من قيود الأسر.

وتكرر مشهد الاستقبال في عين التينة حيث نثر الأرز والزهور، وفي بلدة مشغرة نُظم استقبال مميز، فعزفت الفرقة الموسيقية التابعة لكشافة المهدي الموسيقى ورفعت الاعلام والرايات والهتافات المرحبة بالأسير العائد.

 

شتورة

 

وعند الثامنة مساءً وصل موكب البرزاوي الى شتورة، وكان في استقباله حشد من أبناء المنطقة ومحيطها الذين نثروا الأرز والورود ونحروا الخراف، وتكرر مشهد الاستقبال المميز من أبناء الكرك عند مفرق البلدة، وكذلك في منطقة رياق.

 

بعلبك

 

وأكمل الموكب سيره الى بعلبك التي كانت تنتظره بفارغ الصبر، وتجمع آلاف المواطنين عند المدخل الجنوبي للمدينة.

ولدى وصول الموكب الى ساحة الرئيس الأسد أدت ثلة من مجاهدي المقاومة التحية العسكرية، ونقل الأسير المحرر في سيارة مكشوفة غطتها باقات الورد وحبات الأرز التي انهمرت عليه.

وكان في مقدمة المستقبلين عضو شورى حزب الله سماحة الشيخ محمد يزبك ورئيس المجلس السياسي السيد إبراهيم أمين السيد ونواب كتلة الوفاء للمقاومة السيد عمار الموسوي، الدكتور حسين الحاج حسن والدكتور إبراهيم بيان ومسؤول منطقة البقاع الحاج علي ضعون.

وفي ظل مظاهر الفرح التي عمّت أبناء البقاع بابنهم العائد الى الحرية، اعتلى البرزاوي المنصة وقال: "يا أبناء المقاومة، يا أبناء بعلبك والبقاع وكل الوطن، أحمد ربي أنني عدت اليكم بشرفي وعزتي، عودة عزيزة برغم أنف العدو".

أضاف: "إنني أشكر العلماء والقادة الأجلاء لما ضحوا، وأخص بالذكر القائد الكبير السيد حسن نصر الله.. كما أخص بالتحية أعز الناس ممن استشهدوا معي، محمد المذبوح وحسن الصعلوك وفرج بلوق، وأهدي لعائلاتهم تحية، والتحية المميزة لوالدي المجاهد الذي رحل ولم يرني.

وألقى سماحة الشيخ يزبك كلمة أكد فيها الاستمرار على نهج سيد الشهداء وشيخ الأسرى اللذين عبّدا لنا طريق النصر والشهادة".

وشدد على ان المقاومة على عهدها الذي قطعته بأنها لن تترك أسيراً في السجون.