الدراما السورية في شهر رمضان:
غابت الفانتازيا التاريخية وبقي التاريخ


تشهد ساحة العمل الدرامي التلفزيوني في سورية نشاطاً ملحوظاً يتركز على إنجاز مجموعة من الأعمال الدرامية والكوميدية لعرضها خلال شهر رمضان المبارك، ولئن كان يُسجل انحسار ظاهرة الفانتازيا التاريخية، فإن المسلسلات التاريخية ظلت حاضرة بقوة. هنا عرض بانورامي لأبرز أعمال هذا الموسم.

 

"السيرة الهلالية"

من مجموعة الأعمال التاريخية التي ستقدم في شهر رمضان المبارك مسلسل "السيرة الهلالية" الذي يتحدث عن سيرة بني هلال من خلال توظيف الملحمة الشعبية المرتبطة بذهن الناس تلفزيونياً.

عن النص الدرامي يقول الفنان سلوم حداد الذي يقوم بدور البطولة: "إن الرؤية الدرامية والنص هو للكاتب محمد أبو معتوق، وهذه تجربته الأولى برغم أن البعض يقول إن في ذلك مغامرة.. لكنني أقول ان لا إبداع من دون مغامرة، وقد اطعلنا على حلقتين من العمل واتفقنا على إنجازه، ولن نتدخل في الصياغة، لكننا قدمنا بعض الأمور ووضعنا بعض الإضافات التي يراها المخرج ضرورية في العمل. وعن بطولة العمل يقول سلوم حداد: ان البطولة في العمل موزعة، هناك شخصيات رئيسية كثيرة فيه، إضافة الى دوري "أبو زيد الهلالي" مثل الأمير حسن والأميرة الخضراء والجازية ودياب بن غانم والزناتي خليفة والأمير سرحان، وكل هذه الشخصيات ذات طبيعة محورية في العمل.

أما عن سبب اختياره للأعمال التاريخية قال: أنا أحب الأعمال التاريخية برغم صعوبتها، لأنها تفسح مساحة واسعة لقراءة الأحداث التاريخية وإعادة تقويمها، وأن تقول وجهة نظرك في هذه الأحداث بحرية. أما لماذا الأعمال التاريخية في هذا الوقت، فلأن شهر رمضان المبارك فسحة يمكن طرح الأمور التاريخية خلاله، وهذا ما يرغب فيه الجمهور العربي بشكل عام، برغم أن العمل التاريخي يحمل صفتين، فهو ممتع ومتعب عملاً، لأن جمع الممثلين في مواقع التصوير والانتقال بهم الى عدة دول مع المعدات والألبسة أمر يحتاج الى جهود هائلة. ففريق السيرة الهلالية انتقل من تدمر الى اللاذقية في سوريا، ثم الى لبنان، ومن ثم الى ليبيا والمغرب.

العمل يقوم ببطولته الفنان سلوم حداد، أما الإخراج فهو للمخرج باسل الخطيب، وقام بالتأليف الكاتب محمد أبو معتوق، ويشارك ببطولة العمل: سوزان نجم الدين، جيانا عيد، عباس النوري، جهاد سعد وغيرهم من الوجوه السورية الفنية. كما يشارك في العمل عدد من الممثلين العرب، أبرزهم عبد المجيد مجذوب (لبنان)، مناضل داوود (العراق).

 

"ربيع قرطبة"

ومن الأعمال التاريخية المهمة التي رصدت لها الطاقات والإمكانيات العالية، العمل التاريخي "ربيع قرطبة"، الذي تقوم بإنتاجه شركة الانتاج "سورية الدولية للانتاج الفني"، ومن إخراج المخرج حاتم علي. أما النص التاريخي فهو للمؤلف وليد سيف. تدور أحداث المسلسل في مرحلة العصر الذهبي من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، وهي المرحلة التي تشمل طرفاً من خلافة عبد الرحمن الناصر، إضافة الى فترة خلافة ولده الحكم المستنصر، وصعود المنصور بن أبي عامر من وسط العامة الى سدة الحكم وإنهائه الخلافة الأموية وتأسيسه الدولة العادية القوية في الأندلس. ويصور المسلسل الجوانب الحضارية العظيمة في ذلك العصر الذي شهد تقدماً مذهلاً في العلوم والآداب والفنون، حتى غدت قرطبة أعظم حواضر المدنية والحضارة في العالم. كما يطرح المسلسل أسئلة مهمة تخاطب الواقع المعاصر حول إشكاليات الحكم والسلطان والشورى، ويركز العمل على دور العامة في الحياة الاجتماعية والسياسية. يقوم بالأدوار الرئيسة في العمل عدد من الفنانين السوريين والعرب، منهم الفنان جمال سليمان، الفنان تيم الحسن، مي اسكاف وخالد تاجا.

 

"سيف بن ذي يزن"

كما ستُعرض أحداث المسلسل التاريخي "سيف بن ذي يزن" في عام 525 ق.م. العمل من إنتاج شركة "لين للانتاج الفني والتلفزيوني اليمني"، والسيناريو والحوار لعبد الرحمن بكر. وأدوار البطولة هي لأسعد فضة، قيس الشيخ نجيب، نادين، زهير عبد الكريم، هاني الروماني، عبد الهادي صباغ، عبد الحكيم قطيفان، حسان عيد، فاروق الجمعات، ومن اليمن مديحة الحيدري وعبد الكريم الأشموري. يقول المخرج مأمون البني: "العمل تاريخي، لكنه يستند على عالم الأسطورة أكثر من استناده على الوثائق التاريخية، نظراً لقلتها وعدم إمكانية التحقق من مصداقيتها. وبرغم أن سيف بن ذي يزن ملك دخل تاريخ اليمن بتوحيده لها وتحريرها من سيطرة الأحباش، لكن الأحداث انتُقيت بعد أن اجتهد "الحكواتية" في نقل ما روي من قصص عن الملك سيف بن ذي يزن، إضافة الى كثرة الأساطير التي نُسجت حولها. لذلك عندما قرر الكاتب عبد الرحمن البكر الكتابة عن الملك سيف، اختار من الأساطير ما يتلاءم مع الزمن الراهن، واتفقنا معاً على بعض الأساطير التي وجدناها تتلاءم مع الظرف الحالي الذي تمر به المنطقة. وقد عُمل بالشكل الفانتازي، كأن يكون الملك سيف موجوداً في مكان، وبعد فترة قصيرة تجده في مكان آخر بمساعدة قوة سحرية، وبالتالي هناك تجاوز للمكان والزمان.. لكننا اعتمدنا على فكرة الإسقاط السياسي في تجسيد فكرة العمل الأساسية، التي تؤكد أن من يعتمد على قوة أجنبية في تحرير أرضه وتوحيدها ستقتله هذه القوة في النهاية، وهذه مقولة مهمة جداً لا سيما في الزمن الصعب الذي يمر به الشعب العربي.

 

"الكوميديا"

ما يلفت الانتباه هذا العام هو ازدياد الأعمال الانتقادية الساخرة التي تعتمد اللوحة والقالب الطريف في تقديم هموم الناس اليومية، وصياغة رؤية لكل ما يتعرض له العالم العربي من أحداث على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكل ما يتعلق بالهم اليومي المعاش. ومما سنتابعه هذا العام "بقعة ضوء" في جزئها الثالث، و"عالمكشوف"، إضافة الى المرايا للفنان ياسر العظمة، التي استُقيت الأعمال الأخرى منها، والتي وصلت هذا العام الى عشرين سلسلة.

وكما هو معروف تعتمد هذه اللوحات على مشاركة عدد من الكتاب بعضهم من الشباب، ويشارك في التمثيل أيضاً نجوم سوريون وشباب مبتدئون في مجال الفن، وجميعهم يسعى الى تقديم لوحات فنية ينتظرها المشاهد في أيام شهر رمضان كوجبة خفيفة ومكثفة تنقل أفكارهم ونظرتهم عن الحياة. واستطاعت هذه اللوحات في شهر رمضان الماضي أن تستقطب شريحة واسعة من المشاهدين، وأن تشكل كل لوحة حلقة نقاش وجدل بين عامة الناس، إضافة الى ما دار على صفحات الجرائد المحلية والعربية من آراء تدعم وأخرى تستهجن الجرأة في طرح الأفكار، لا سيما في بقعة ضوء. وعن هذه النوعية من الأعمال التي تلقى صدى واسعاً لدى الجمهور، يقول الفنان ياسر العظمة لـ"الانتقاد": "نسعى دائماً لاختيار المواضيع الجديدة، وندخل بالتأكيد في الإطار الفني ذاته، إذ إن كل حلقة تتضمن قصة أو اثنتين أو ثلاثاً، مع حرصنا على تقديم قصص جديدة غير مسبوقة، وهي متوافرة بكثرة، لأن الإنسان يعيش الجديد كل يوم في سعيه وراء طلب الرزق وفي حياته اليومية.

كل هذه المعطيات تفرز الكثير من الممارسات والمواقف الطريفة الجديرة بالتناول فنياً.. أحاول أن أقدم الجديد في سبيل أن نبني مجتمعاً بشكل صحيح.. ونسعى وراء النقد البناء مستخدمين الفكاهة لأنها أقرب الى القلوب وأبقى في الأذهان من أي صيغة أخرى من صيغ العمل الفني. كما أنه لدينا في الكوميديا مساحات واسعة لإثارة الضحك والدعاية والسخرية والنقد المر واللاذع.

 

"زمن الصمت"

أما الفنان أيمن زيدان فقد اختار أن يطل على جمهوره هذا العام من خلال عمل كوميدي أنتجته شركة "العربية ـ الشرق"، ويشاركه بطولة العمل الفنانة نورمان أسعد، عباس النوري، أيمن رضا، أندريه سكاف. والسيناريو للكاتب محمود جعفوري، والإخراج لسمير حسين.

العمل يتناول قصة طبيب بيطري يعمل في الثروة الحيوانية نهاراً، ولديه عيادة يملكها مستخدم المديرية يعمل فيها بعد الظهر. يعيش في كنف أسرته المكونة من زوجته المتفانية في خدمة عائلتها المؤلفة من ثلاثة أولاد وبنت، إضافة الى الجد المتصابي الذي يبحث عن فتاة أحلامه برغم بلوغه الستين. المسلسل صيغ وفق نسيج متفرد محكم البناء، ويبدو أنه نموذج مختلف من الكوميديا السوداء التي ترصد بدقة مفردات الحياة الجديرة بالسخرية حقاً.

خولة النحاس