ارشيف من :آراء وتحليلات

سياسي جزائري لـ’العهد’: الحركات الجهادية صناعة امريكية بامتياز

سياسي جزائري لـ’العهد’: الحركات الجهادية صناعة امريكية بامتياز
أكد الوزير الجزائري الأسبق والسياسي المخضرم محيي الدين عميمور إن ما تعيشه المنطقة من خلل يعود لسوء انطلاقة الدولة الوطنية، استفاد منه الغرب. وقال ان تونس تشهد شيئا فشيئا ميلادا جديدا سيجعل منها قدوة لدول "الربيع العربي".

وفي حديث لموقع " العهد الإخباري"، أكد عميمور أن ما يسمى بالحركات الجهادية كان عملية قامت بها المخابرات الأمريكية في الثمانينيات بتمويل من دول إسلامية معروفة، موضحا ان مجابهة مشكلة الارهاب تكمن في بناء نظم ديموقراطية لا تستمد قوتها من التحالفات الخارجية والتواطؤات المالية المخابراتية.

المفكر عميمور دعا الدول العربية المتقاعسة عن دعم المقاومة لأن تراجع مواقفها من الوجود الاسرائيلي.

وهنا نص المقابلة:


المشهد العربي اليوم غارق في الضبابية والحروب الأهلية.. فبماذا تفسرون هذه الحالة من الفوضى الخلاقة التي تعيشها المنطقة؟

- التفسير الوحيد أمامي الآن يتطلب نظرة سريعة إلى الخلف تثبت أن الاستعمار القديم أدرك في لحظة ما أن نهايته كوجود مباشر لن تطول كثيرا فأعد العدة لسرقة الاستقلال، وكانت الوسيلة هي التعليم والتكوين والاحتواء الإداري والأمني.

مثال بسيط ،عرفت الجزائر خلال الفترة الاستعمارية من كانوا يسمون الاندماجيين، وهم مثقفون جزائريون كانوا يطالبون بحقوق الجنسية الفرنسية، لكنهم كانوا يتمسكون بالدين الإسلامي في قضايا الأحوال الشخصية، ومنهم من ساهم في كتابة بيان أول نوفمبر 1954.

سياسي جزائري لـ’العهد’: الحركات الجهادية صناعة امريكية بامتياز
محيي الدين عميمور

وبعد استرجاع الاستقلال وُلّي عدد من هؤلاء مناصب هامة، ولكن بعضهم اختار مساعدين على أساس اللغة التي تربطهم بعضهم بالبعض الآخر، أي الفرنسية، وسنجد أن معظم الأخطاء التي أساءت للثورة الزراعية وللثورة الصناعية جاءت من هؤلاء، الذين تسببوا في إصابة الإدارة بالأمراض البيروقرطية..
وسنجد أن معظم الانحرافات التي عانى منها الوطن العربي جاءت من أمثال هؤلاء عندما أمسكوا بمقاليد الأمور، حيث قاموا بعمليات تجريف سياسي واجتماعي متواصلة لضمان بقائهم في السلطة العليا، خصوصا بعد شيخوخة قدماء المجاهدين والمناضلين.

ودخل على خط الإفساد أثرياء جدد، استطاعوا تخريب المجتمع بأساليب مختلفة من الرشوة المباشرة وغير المباشرة، وتمكنوا من تجنيد عدد من المنتمين إلى الفكر الديني لترويج الأفكار السلبية والانهزامية ودعاوى تكفير الخروج على الحاكم ولو كان ظالما، وهو عمل ساهمت في الدعوة له بل وتمويله نظم حكم خارجية تخشى من بروز الوعي الإسلامي الصحيح الذي يستعيد شيم وخصال الإسلام الأول في المنطقة كلها.


وتم كل هذا برعاية مباشرة وغير مباشرة من الاستعمار القديم، وهو ما يفسر كيف أن خيرة القادة الذين حاولوا تقديم مشروع مجتمع متقدم حوربوا من كل جانب، ومنهم من قتل بشكل ما للقضاء على توجهه.
وبالتالي، فإن ما نعيشه من خلل سياسي واجتماعي هو تطور طبيعي لسوء انطلاقة الدولة الوطنية، من المؤكد أن الغرب استفاد منه وصدّر لنا عبارات موسيقية من نوع تعبير الفوضى الخلاقة الذي ألقت به في وجوهنا السيدة كوندوليزا رايس، وراح البعض يتلذذ بالتغني به نتيجة للخواء الفكري والفراغ العقائدي الذي نعيشه.
ولأن القاعدة تقول: "كيفما تكونوا يُولّى عليكم" يمكنك استنتاج الإجابة الكاملة عن السؤال.

عملتم مع كل من الرئيس الراحل هواري بو مدين ورابح بيطاط والشاذلي بن جديد وعبد العزيز بو تفليقة فمن هو الاقرب إليكم من بين جميع هؤلاء؟ وما الذي بقي عالقا لديكم من فترة العمل معهم؟

باختصار شديد، لكل رئيس شخصيته وأسلوبه ، والقاسم المشترك بينهم جميعا هو الروح الوطنية والتعلق بقيم الثورة التحريرية، ولعلمك فقد تناولت عملي مع هؤلاء الرؤساء في ثلاثة كتب والرابع في الطريق، ومن الصعب أن أختصر تلك المراحل في سطور قليلة.

ما هو تقييمكم للتجربة التعددية الجزائرية بين الماضي والحاضر؟

التجربة التعددية الجزائرية لا أعتقد أنها كانت ناجحة مائة في المائة، إذ سقطنا في شراك العددية وحسبناها تعددية. وللامانة فإن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج لشرح مفصل يستلزم مساحة اكبر.

كيف تقيمون مسار الثورة في تونس وهل ستنجح التجربة الديمقراطية في هذا البلد رغم الخضات الامنية؟

- ما حدث في دول "الربيع العربي" يمكن تلخيصه بكل بساطة في الصورة التالية.
هناك أناس سجنوا في غرفة مظلمة أياما أو أسابيع متتالية، ثم أخرجوا فجأة في رابعة النهار وتحت شمس أغسطس /آب، وكانت النتيجة أنهم راحوا يتخبطون يمينا وشمالا لعجزهم عن الرؤية، لكنهم سيتعودون شيئا فشيئا على الضوء الباهر، لأن أعينهم سليمة، وبالتالي فإن كثيرا مما حدث كان أمرا طبيعيا برغم سلبيات كثيرة عرفتها المسيرة.

وبالنسبة لتونس على وجه التحديد، يجب أن نسجل للرئيس الحبيب بو رقيبة أسلوبه في بناء الجيش الوطني الذي يخضع للقرار السياسي ولا يُخضِع القرار السياسي لإرادته، ويكفي أننا لم نر القائد العام للجيش التونسي إلا لحظات عبر بعض المشاهد المتلفزة العابرة، ويمكنك مقارنة هذا بالوضع المضحك الذي عرفته مصر على وجه التحديد، حيث أصبح كل جنرال متقاعد خبيرا في الإستراتيجية الحربية والمدنية على حد سواء، وتسلم قدامى الجنرالات أهم مصالح الدولة، بما في ذلك على مستوى وزارة الشؤون الدينية والثقافية.
وأنا أعتقد أن تونس تشهد شيئا فشيئا ميلادا جديدا سيجعل منها قدوة لدول الربيع العربي، وهو بالمناسبة ربيع حقيقي برغم النعيق الذي تمارسه أوساط تخشى على مكاسبها وتتخوف من يوم يقال لها فيه: من أين لك هذا ؟

كيف تعاملت الجزائر مع ثورات ما يسمى "الربيع العربي" وكيف تقيمون اليوم العلاقات التونسية -الجزائرية ؟

- كان هناك في البداية نفور كبير من السلطات التي عاشت فوضى أحداث أكتوبر 1988، وكان التدخل الفرنسي حماية للجماهير الثائرة في ليبيا مبررا إضافيا دعم اتجاه التعامل السلبي مع ثورة ليبيا، والذي بدأ كرد فعل على حماقات ارتكبها الثوار عندما وجهوا للجزائر اتهامات لم يكن هناك ما يثبتها، وجاءت التطورات الأخيرة تأكيدا لمنطقية الموقف الجزائري، وأعتقد أن البرود الذي ووجهت به تحركات الجنرال حفتر له دلالاته، ففي حدود معلوماتي لم تسر الجزائر على الإيقاع الذي أراده النظام الحالي في مصر.

وما يحدث في مصر هو أمر مختلف لأن الربيع تم إجهاضه لمصلحة ثورة مضادة.
وبالنسبة للعلاقات بين الجزائر وتونس، فأراها علاقات إستراتيجية مدعوة إلى التقدم والازدهار بشرط تفادي أي تصريحات إعلامية غير مسؤولة تنسب لأي دولة مواقف غير صحيحة، كما حدث في قضية الضريبة التي قيل إنها فرضت على السائحين.
ومن هنا يجب أيضا تفادي أي ردود فعل متسرعة، والتعامل مع كل التطورات بكل حكمة ورصانة.

اذاً برأيكم إلى أين تسير "الثورة" في مصر وما مستقبل الإخوان في هذا البلد؟

- قلت إن ما حدث في مصر هو ثورة مضادة، ويكفي أن نقارن بين التعامل القضائي مع الرئيس محمد مرسي والرئيس حسني مبارك، بحيث يصح التعبير أن العدالة في مصر هي في عطلة طويلة مدفوعة الأجر، وأنا أعتقد أن نظام الرئيس السيسي مرشح للانهيار، خصوصا بعدما اتضحت نوعية أنصاره في الداخل وحلفائه في المنطقة وخارجها، وبعد سقوط الإعلام العام والخاص كمعبر عن رأي الأمة، والذي أضيف له سقوط هيبة القضاء ومصداقيته وفشل المرجعيات الدينية، الإسلامية والمسيحية على حد سواء، في التعامل الذكي مع متطلبات الموقف.

وأنا أتصور أن هناك جيلا جديدا من رافضي الانقلاب ومن شباب الإخوان المسلمين ممن استفادوا من تجربة المواجهة مع السلطة، وهؤلاء سيصنعون انتفاضة جديدة تضم العناصر الشابة الواعية من مختلف التيارات الفكرية، وما أرجوه لتيارات معارضة الثورة المضادة ألا تظل مرتبطة بأحقاد بعض القيادات القديمة ضد نظام جمال عبد الناصر، بل وضد القوات المسلحة بشكل عام.
فالشارع المصري الكادح، في تصوري، ناصري الانتماء، وسلامة الجيش المصري ضرورة لمصر وللوطن العربي، بشرط إبعاده عن دور الشرطة السياسية التي تلوث أداءه وتفسد رجاله.

كيف تنظرون الى ظاهرة تصاعد الحركات الاسلامية الجهادية في دول المنطقة في خضم الاحداث الاخيرة؟

- هناك تفاصيل كثيرة يجب أن نستذكرها لفهم طبيعة ما يحدث، وأولها أن تكوين ما يسمى بالحركات الجهادية كان عملية قامت بها المخابرات الأمريكية في الثمانينيات بتمويل من دول إسلامية معروفة، وحدث ما يمكن أن يكون تكرارا لحكاية "فرانكنشتاين".
والذين قاموا بتمويل الجهاديين راحوا يقومون بأعمال تسرب داخل دول عربية كثيرة لم تكن تنسجم معهم في التوجه السياسي، وتكونت نتيجة لذلك تجمعات ترفع شعارات مناهضة لأنظمة الحكم، كانت في معظمها من نوع صيحات الحق التي يراد بها باطل.

وجاءت تفجيرات سبتمبر 2001 المشبوهة لتستعمل كوسيلة لضرب واحد من أهم الأقطار العربية بتواطؤات إقليمية معروفة، واتسع الخرق على الراقع، لأن المنطق الأمني هو الذي ساد، واختفى كل دور واع للنخب المثقفة، وتبعثر المثقفون بين عميل للسلطة وخائف منها ومتقوقع في برجه العاجي.

كيف الحل لمجابهة مشكلة الارهاب المتصاعدة؟

الحل هو بناء نظم ديموقراطية لا تستمد قوتها من التحالفات الخارجية والتواطؤات المالية المخابراتية وهو عمل يتطلب طول النفس، ويجب أن يبدأ من المستوى القاعدي، أي مستوى رب الأسرة والمواطن العادي.
وأي كلام غير هذا هو، في نظري، بلاغيات لا تقدم ولا تؤخر.

برأيكم هل غير العدوان الاسرائيلي الاخير على غزة المعادلة القائمة وكيف تقرأون المواقف العربية من المقاومة الفلسطينية؟

- أروع ما قرأته عن الوضعية الحالية سطور كتبت في "الفيس بوك" تقول : بالأمس كنا نظن أن إسرائيل تحتل غزة، واليوم عرفنا أنها تحتل كل الوطن العربي...إلا غزة.

والمفروض بعد الفضيحة التي حدثت، نتيجة للتقاعس عن دعم المقاومة، أن تقوم القيادات العربية في كل مكان وعلى كل المستويات بعملية نقد ذاتي تراجع فيه بكل شجاعة مواقفها من الوجود الإسرائيلي في الوطن العربي، ومعنى هذا أن على من يدعمون أصدقاء إسرائيل في المنطقة أن يخجلوا من أنفسهم.
ونقطة البداية هو إلقاء ما سمي بالمبادرة العربية في المزبلة، والإصرار على دمج محكمة الجنايات الدولية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والعودة إلى فكرة الدولة الواحدة متعددة الديانات والمذاهب.

هذه تبدو أحلاما لا تتحقق إلا إذا برز رجال من النوع الذي قيل فيه إن لله رجالا إذا أرادوا أراد.

يشار الى أن عميمور اديب وسياسي وجزائري عمل مستشارا إعلاميا لكل من الرؤساء هواري بومدين ورابح بيطاط والشاذلي بن جديد ثم وزيرا للثقافة والاتصال مع الرئيس عبد العزيز بو تفليقة.
2014-08-21