ارشيف من :نقاط على الحروف

أوهن من بيت العنكبوت (2/2)

أوهن من بيت العنكبوت (2/2)
"يا من أعرتم الله جماجمكم، ونظرتم إلى أقصى القوم، جوابي لكم هو شكر لكم إذ قبلتموني واحداً منكم، وأخاً لكم، لأنكم أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم تاج رؤوس ومفخرة الأمة، ورجال الله الذي بهم ننتصر". هذه الجملة هي من ردّ السيد حسن نصر الله على رسالة المجاهدين خلال حرب تموز 2006 . ردّ لم يتجاوز 150 كلمة، وعد بها السيّد رجاله بالنصر الآتي فصدق الوعد باعتراف الصّهاينة قبل أي أحدٍ أخر. فكيف كان الخطاب الصّهيوني حينها؟

خطاب أولمرت

تحت نيران صواريخ المقاومة، ألقى رئيس الوزراء الصّهيوني إيهود أولمرت في الكنيست خطاباً في 17 تموز 2006. وجّه التّعازي لعائلات القتلى، معتبراً أنّ ما جرى هو "تحدٍّ لسيادة دولة إسرائيل"، وأن المقاومة فسّرت رغبتهم بالسلام "كعلامة ضعف ووهن"، مضيفاً بحزم "لقد كانوا مخطئين" (حزب الله وحماس).

توجّه أولمرت إلى  رئيسة الكنيست وأعضائه والحاضرين 9 مرّات، و 3 مرّات إلى "المواطنين الإسرائيليين"، وهو أمرٌ بديهيّ بالنّسبة لرجلٍ ذاهب للحرب. رجلٌ يدرك تماماً مدى تآكل "قدرة الرّدع النّفسيّة" قبل "قوّة الرّدع العسكريّة" في جبهته الدّاخلية.

أكّد أولمرت أنّ كيانه يخوض الحرب "ضد المنظمات الإرهابية العاملة من لبنان وغزة"، حيث توجد "أدوات طيعة تعمل بايحاء ومأمورية وتشجيع وتمويل أنظمة مؤيدة للإرهاب ومعارضة للسلام، على محور الشر الممتد من طهران وحتى دمشق".

أوهن من بيت العنكبوت (2/2)
بيت العنكبوت

لخّص أولمرت أهداف الحرب بأنّها إعادة الجنديين المخطوفين، وقف إطلاق النار بشكل تامّ، إنتشار الجيش اللّبناني في الجنوب، و"إخراج حزب الله من المنطقة مع تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1559"، مؤكّداً "لن نوقف عملياتنا"، وأنّ "إسرائيل لن توافق على العيش في ظل تهديد الصواريخ او القذائف لسكانها".

كان سقف الطّلبات الإسرائيليّة عالياً بما يوحي أنّ رئيس الوزراء واثق من قدرة جيشه على الحسم وتحقيق الأهداف كافّة. لم ينتظر أولمرت تحقّق أيّ تقدّم عسكريّ حقيقيّ قبل إطلاق وعوده.

كذلك تحدّث أولمرت عن "قوة صمود الجمهور في إسرائيل"، جمهورٌ لا يعرف "الخنوع أو الفزع"، مذكّراً بأنّ "النّضال"، "مشبع بالألم والمعاناة والضحايا، من قتلى وجرحى". جميل جداً. الرّجل تورّط في حرب ٍ لا يعرف كيف يقطع مراحلها، ويحتاج لدعم الجبهة الدّاخلية، فكيف سيكون خطابه.
خطاب أولمرت كان يومها أشبه بقراءة نصّ من التلمود أو سفر الملوك من العهد القديم، فالرّجل كاد يحيل الخطاب صلاةً، تارةً يدعو لتدمير "كارهي إسرائيل"، وأخرى لـ"دحر الأعداء"، و"إنقاذ الجنود" .  أمّا عبارة الختام الأخيرة فكانت معبّرة وبليغة: "نحن سوف ننتصر!".

خطاب أولمرت بعد حرب تموزّ 2006

بعد عامين على نهاية "حرب إسرائيل الثّانية"، في 4 شباط 2008 ، أكّد أولمرت استمرار "الحرب ضدّ الإرهاب"،
وان أهداف الحرب "كانت دقيقة ومتزنة"، و"قرار مجلس الأمن1701 بتأييد إجماع أعضائه، هو إنجاز لإسرائيل". هل يتوجّب على الصّهاينة تشغيل جهاز التّسجيل والكبس على زر replay، لإسماع أولمرت عبارة "نحن سوف ننتصر!" أم أنّهم سيعتبرون أنّه كان يلعب دور شرشبيل و"سيقضي على السنافر"؟ لا أحد يعرف، ولكن يبدو أنّ للجان برودوت، فينوغراد وسواها آراء مختلفة.

أولمرت نفسه، سيتحدّث بعدها عن "لجنة فينوغراد"، و"توصيات لجنة برودوت"، وإقرار الحكومة "للمرّة الأولى في التّاريخ، إطارا للميزانية لعشر سنوات للمؤسسة الأمنية (بما في ذلك زيادة مئة مليار شيكل)". يبحثّ أولمرت عن التّميّز، ومن أوسع أبواب الميزانيّة، دخل التّاريخ.

أمّا الجيش فاعتبر أولمرت أنّه بات جيشاً مختلفاً "أكثر جهوزيةً، أكثر تدريبًا، أكثر استعدادًا. ليس أشجع، ليس أجرأ"،فـ "محاربو الجيش الإسرائيلي، جميعًا، أبدوا في القتال شجاعة وجرأة، ليس هناك ما يفوقهما"، متوجّهاً إلى جنوده بالقول "ليس لدينا جنود أفضل منكم، ولا نملك قادةً أجرأ، لا وحدات أرفع مستوى".

وختم خطابه بوعده "سنقود الدّولة إلى تحقيق أهدافها"، فهل كان على الصّهاينة انتظار تحقق أهداف كالذّي جرى في حرب تمّوز؟
أمّا عام 2012 ، وفي خطابه أمام "معهد أبحاث الأمن القومي"، أكّد أولمرت أنّ "حرب لبنان الثانية بدأت عندما فقدت إسرائيل قدرتها على الرّدع، ولم تعمل كما التزمت"، وأنّ "ساحة الميدان المستقبلية للحرب ستكون داخل مدننا وليس على أي خط بعيد عن اماكن سكننا، وهذا ما ينبغي أن نفهمه". بعد 6 سنوات، يبدو أنّ الرّجل بات عقلانياً بشكل أكبر. إذ اعتبر أنّ أيّ محاولة تقدم بريّة ما بعد ثلاثة كيلومترات عن الحدود هي حماقة. لقد احتاج الرّجل 6 سنوات لكنّه، أخيراً، تعلّم.

خطاب السيّد نصر الله

ألقى السيّد نصر الله في 14 آب 2006 خطاب الإنتصار، متوجهاً لمتابعيه بعبارة "الأخوة والأخوات"، بما يوحي بارتياح الرّجل لمجريات الحرب وثقته بقاعدته الشّعبيّة. فأكّد أنّه يتحدّث في"اليوم العظيم والجليل" عن "نصر إستراتيجي وتاريخي"، أهداه "للأمّة كلّ الأمّة".

وبادل السيّد الحبّ بالحبّ عبر توجيه التحيّة للشّهداء، والمقاومين، والنّاس حتّى كاد أن يذكر الحجر. كيف لا والرّجل اعتمد على جبهة داخليّة من نوع "فداءً لأقدام المقاومين"؟

لم تغب "معاناة بقية الارض المحتلة"، "غزة ومعاناة أهلها"، وفلسطين، عن خطاب نصر الله متحمّلاً "المسؤولية التّاريخية" أمام "المفصل التاريخيّ" و"المرحلة المقبلة". كلّ ذلك فيما يقبع الصّهاينة أسرى الماضي "المجيد" والتّجربة المرّة "في الوحل اللّبناني".

أكّد نصر الله أنّ ما قاله " في الأيام الأولى للحرب لم يكن هو كلام فقط لتصمدوا، اليوم هو يوم الوفاء في هذا الكلام وبهذا الوعد"، وأنّ "إخواننا الذين هم إخوانكم وأبناؤكم في كل المناطق والبلدات والقرى سيكونون في خدمتكم" لمن تهدّمت بيوتهم. لا مجال هنا للمقارنة مع خطاب "تحقيق أهداف" أولمرت.

أكّد السيّد أنّه "خرجنا من المعركة مرفوعي الرأس وعدونا هو المهزوم وهو الذي سيشكل لجان تحقيق"، مذكّراً بما قالته وزيرة خارجية العدو أّنّ أقوى جيش في العالم لا يستطيع نزع سلاح حزب الله.

وأنّ "اليوم نعم نحن نستطيع أن ندعي بالإعتزاز أما أيّ قرار تريد أن تأخذه الحكومة الاسرائيلية في المستقبل فستأخذ بعين الاعتبار أن الحرب مع لبنان ليست نزهة وأن الحرب مع كل لبنان مكلفة جدا"، "والأيام المقبلة سوف تكشف الخسائر الحقيقية على أكثر من صعيد نتيجة هذه المواجهة القائمة".

ختم السيّد خطابه بالتّبريك بالنّصر، مخاطباً الجمهور "أنتم أهل هذه الارض، أنتم اصحابها، أنتم شرفها، أنتم كرامتها" بكم تعمر الديار وتقوم الكرامة ويصنع التاريخ".

إذا أراد المتابع ألاّ يذكّر الصّهاينة بمجازر الميركافا، وفشل سلاح الجو حرصاً على "رهافة" حسّ الجيش الصّهيوني، لا يمكنه إلاّ أن يسأل إذا كان ساحل غزة قد أغرقكم بموجه فماذا ستفعل بكم جبال لبنان؟ وكيف ستقاتلون رجال حزب الله وجهاً لوجه؟
2014-08-21