ارشيف من :آراء وتحليلات

العرب من مشاريع التوحد الى التوحش

العرب من مشاريع التوحد الى التوحش
في الثاني والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1958، كانت أول تجربة وحدوية في تاريخ العرب الحديث حيث قامت الوحدة بين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة.

لقد كانت الوحدة بين سورية ومصر ردّاً على تحديات وتهديدات إقليمية ودولية.

فالوحدة كانت تشكل الرد العملي على أي نزاعات طائفية أو مذهبية أو عرقية، تؤجج لتفتيت المنطقة العربية، وفي ذات الوقت هي دعوة إلى انتماء جامع تتكامل فيه وطنيات، وتتناغم فيه خصوصيات وتزول فيه حساسيات وتتلاقى فيه قوميات وأديان وثقافات.

حينذاك اشتد الصراع للحفاظ على الهوية القومية العربية ولا سيما أثناء الاحتلال الأوروبي الذي اقتسم تركة الإمبراطورية العثمانية، وظهرت الحاجة إلى مفهوم الوحدة إثر انهيار الوطن العربي ورزوحه تحت الحكم الاستعماري الذي فكك أواصر العالم العربي بخرائط سايكس ـ بيكو، التي كان من نتائجها ظهور العديد من البلدان العربية ضمن حدود مصطنعة كرسها الغرب ومن أبرزها زرع الكيان الصهيوني المصطنع في قلب الوطن.

ومن هنا نشأت الحاجة إلى الوحدة العربية وكانت عبر نضال الشعب العربي من محيطه إلى خليجه بغية التحرر والتضامن من أجل الوحدة. لكن محاربة الوحدة لم تقتصر على الكيان الصهيوني او على الدول الغربية، فقد شارك فيها دول وممالك عربية كانت وما زالت ترى في قيام هذه الوحدة ضررا بالغا، ربطا باتفاقيات عقدتها مع المستعمر البريطاني.

العرب من مشاريع التوحد الى التوحش
جمال عبد الناصر

لقد كانت الوهابية ومنذ نشوئها يراد منها ولها ان تكون العامل الابرز في منع قيام اتحاد عربي. لان الدين كما يمكن ان يكون عاملا مساعدا وداعيا للوحدة والاتحاد فانه يمكن ان يكون عامل شرذمة وتفرق اذا ما تمسك الدعاة اليه بخطاب العداوة والبغضاء والتفرقة والتحييز والاقصاء والالغاء.

لقد اكتشف البريطانيون مبكرا ان الدين والخطاب المذهبي يمكن ان يمثل الشعار الابرز لمنع قيام اتحاد عربي او اسلامي. لذلك فاننا لا نستغرب انهم لم يدعموا انشاء كيان ينبني على الدين والفكر الديني الا اذا كان اصحابه عنصريين وطائفيين ويحملون بذور التفرقة والالغاء.

فلا عجب ان يدعم البريطانيون قيام مملكة سعودية تقوم على الفكر الوهابي التكفيري، وان يعقب ذلك وعد بلفور الذي اسس لقيام كيان صهيوني عنصري.
لقد كانت المملكة السعودية ومنذ نشوئها بمثابة حصان طروادة داخل الامة العربية، فلم تألو جهدها في محاربة قيام دولة عربية قوية وقادرة، فكانت المملكة رأس حربة في محاربة "الجمهورية العربية المتحدة"، ورأس حربة في محاربة جمال عبد الناصر وكل ميول نحو الوحدة، كيف لا وابن سعود ، مؤسس الدولة السعودية الحالية، قد خاطب الانكليز بانهم قد اثلجوا قلبه باحتلالهم للعراق.

قد يستثني البعض من تاريخ المملكة الحافل بمساعي شق الصفوف العربية الملك فيصل الذي اعلن مقاطعة الغرب ومنع تصدير النفط اليه في حرب 1973 وقام بدعوة المسلمين إلى الجهاد دفاعاً عن مقدساتهم قائلاً إن "القدس الشريف يناديكم ويستغيثكم لتنقذوه من محنته وما ابتلي به". فلا غرابة ان يكون الملك فيصل هو الملك السعودي الوحيد الذي مات اغتيالا عام 1975.

وفي الوقت الذي تتصدر فيه قاعة اجتماعات مبنى جامعة الدول العربية في القاهرة الآية الكريمة ”واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ” نجد العرب اليوم مختلفين ومقسمين بل لقد باتت جامعة الدول العربية عنصر تفرقة بدل ان تكون جامعة، لقد انقلبت حتى على اسمها . فباتت "الجامعة" مطبخاً لمؤامرات التفرقة، اما "الدول" فهي على طريق ان تصبح دويلات عشائرية وقبلية وعنصرية وطائفية، اما العروبة فعادت الى تاريخها الجاهلي السحيق فتنكرت حتى لبعض عاداتها التي كانت تفتخر بها. لم تحفظ من الفروسية الا اقتناء الاحصنة الثمينة، ومن الكرم صرف ملايين الدولارات في المقاهي والنوادي الليلية، اما الاناث التي كانت وجوههم تسود اذا ما بشروا بها فتحولت الى اداة للاستمتاع وتجارة الجواري.

مشاريع التقسيم

لقد فشلت هذه الوحدة وها نحن اليوم نشهد محاولات لزعزعة استقرار المنطقة العربية وإعادة تقسيمها عبر تأجيج الحروب الطائفية والنعرات المذهبية والخلافات الدينية والإيديولوجية لإغراق الدول العربية في فوضى أخلاقية وثقافية وسياسية ضمن إطار هدف المشروع الأمريكي الصهيوني خلق ”شرق أوسط جديد”.

لقد استعيض عن مشاريع الوحدة بمشاريع التقسيم، وعن خطاب واعتصموا بحبل الله جميعا بخطاب وجعلناكم قبائل وشعوبا لتتقاتلوا ويكفر بعضكم بعضا ويقتل بعضكم بعضا.

اما الزعامات فقد استبدلت؛ فبعد ان كان زعماء الوحدة (جمال عبد الناصر مثالا) تدعو الى دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب (خطاب عبد الناصر امام مجلس الامة في مصر بمناسبة اعلان الوحدة مع سوريا) اصبح لدينا زعامات تتحالف مع العدو ضد الاخ والصديق، تفرق ولا توحد، سمتها التعصب والتحزب بدل الانفتاح، لا احد بمنأى عن غدرها واجرامها الا العدو.

لقد افل عصر الوحدة، اما الدعاة اليها فأصبحوا نادرين وبدت اصوات الداعين اليها كأنها اصوات نشاز.
لقد افل عصر الوحدة والدعوة اليها وعدنا الى عصر التوحش، الى عصر داعش وحلف الدم بدل حلف الفضول والمطيبين.
2014-08-22