ارشيف من :آراء وتحليلات
ما سر تعاظم نفوذ الحوثيين؟
تختلط الأوراق سريعاً في اليمن. المراقبون للمشهد في العاصمة صنعاء وباقي المدن يؤكدون أن رقعة نفوذ حركة "أنصار الله" تتسع يوماً بعد آخر. الجماهير الحوثية تتزايد أعدادها، حتى بدا المشهد المليوني خلال التظاهرات السلمية الأخيرة أمراً شبه طبيعي.
وفي اليمن أيضاً، يحتسب جزء من اللعبة السياسية "بالأرقام"، حيث بات الاصطفاف الجماهيري الحاشد الى جانب الحركة في مطالبها المحقة، واقعاً لا يمكن للحكومة صرف النظر عنه. فأكثر من ثلث سكان شمال اليمن يساند "أنصار الله" في مشروعها السياسي في حين ترتفع النسبة الى نصف السكان على صعيد اليمن بمجمله، حيث يعتبر هؤلاء أن مطالب الحركة محقه ولا بد من التفاعل والتجاوب الحكومي معها.
عليه، يضعنا هذا المشهد أمام جملة من الأسئلة. فكيف جمعت حركة "أنصار الله" هذا الاصطفاف الشعبي الواسع؟ وكيف لحركة خاضت العديد من المواجهات العسكرية والسياسية مع السلطة - في ظل محاربةٍ عربية ودولية - أن تستقطب الملايين؟ الجواب عن كلا السؤالين في الآتي:
السيد عبد الملك الحوثي و المتظاهرون في اليمن
أولاً : حسن سيرة المسار التاريخي للحركة
في قراءة سريعة لتاريخ الحركة السياسي، نجد أن "انصار الله" لطالما التزمت بشعار السلمية والتهدئة في حل الأمور الداخلية. وحتى يوم استعرت المعارك مع الحكومة لم تتملص الحركة من مواثيقها خلال وقف إطلاق النار، ولم تعتمد أسلوب الغدر والمكر. كما أن للحركة سيرةً مشرفة في المطالبة بحقوقها المشروعة تمثّلت غالباً بالتظاهر الشعبي المكرس في القانون اليمني، وغير المخالف للضوابط العامة في صنعاء.
ثانياً : أحقية المطالب ومشروعيتها
كما أن هذه المطالب الاجتماعية والسياسية التي تضعها حركة "أنصار الله" اليوم وتتظاهر سلمياً لأجلها، لطالما كانت مطالب محقة. فالحركة وخلال تاريخ طويل في صنعاء لم تخرج يوماً بمطالب "غير منطقية" أو غير قابلةٍ للتفاوض والتحقيق.
ولطالما اتّسمت مطالب الحركة في "المشاركة في الحكم"، أو "الاعتراض على بعض بنود عمل الحكومة" - كما هو الحال اليوم في رفض رفع الدعم عن المشتقات النفطية "الجرعة"-. وحتى عندما انخرطت القوى السياسية في اليمن في مشروع استنزاف قادة الحركة وتصفيتهم (يوم اغتيل مفاوض الحركة في الحوار اليمني) لم تبدِ الحركة موقفاً سلبياً أو "حردت" وذهبت نحو الخيار "الميليشياوي"، كما فعلت باقي الحركات خصوصاً "حزب الإصلاح اليمني".
لقد أثبتت الحركة أن مطالبها نابعة من إرادة سياسية تسعى الى تحسين اليمن وتطويره. وفي إشارة سريعة الى المجريات الاخيرة، يُلاحظ أن التظاهرات التي تنظمها الحركة اليوم في صنعاء وخط المطار، تشهد مشاركةً من قبل مدنيين لا ينتمون بشكل مباشر الى الحركة، وتأتي مشاركة الأكثرية منهم في الفعاليات على خلفية التقارب والتجانس بين مطالبهم وما تطرحه "انصار الله".
ثالثاً : قرب صناع قرار "انصار الله" من القاعدة الشعبية وانخراطهم معها
لا أحد في اليمن يمكنه أن ينكر أن قادة حركة "أنصار الله" في اليمن هم جزءٌ مباشر من خليط المجتمع. فصناع قرار الحركة بغالبيتهم أفراد من الطبقة الشعبية، يشاركون العامة في تحركاتهم وينخرطون معهم في أزماتهم.
وإن تبدُ هذه النقطة لدى البعض عادية، فالمطّلعون على الشأن اليمني يدركون جلياً أن الهوة بين باقي الحركات والقاعدة الشعبية متسعة جداً. وينقل بعض اليمنيين انتقادهم لهذا الواقع بالقول "كيف للسياسيين أن يعرفوا مأساتنا وهم لم يجربوها!".
رابعاً : اتصال "أنصار الله" بالقضايا القومية ومساندتها
من هنا، لا بد من الالتفات الى أن الشعب اليمني لطالما خاض الى جانب العرب معارك سياسية وعسكرية قومية في نصرته للقضايا العامة، لا سيما دعمه للقضية الفلسطينية أمام "الإرهاب" الصهيوني وموقفه المدافع عن الشعب الفلسطيني ضد استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية.
لقد كرّست حركة "أنصار الله" خلال عملها السياسي مفهوم الربط ما بين القضايا الداخلية وبين القومية. وفي هذا السياق، عمدت الحركة الى التظاهر والاحتجاج ورفع الصوت نصرةً لقضايا العرب ولا سيما الفلسطينية. وما يجري اليوم يمثّل خير دليل على هذا العامل، فزعيم حركة "انصار الله" السيد عبد الملك الحوثي، ربط في كل خطاباته الأخيرة ما بين حقوق اليمنيين المشروعة، وحقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة.
ويجزم المراقبون لخطابات السيد الحوثي الأخير أنه قدّم في الكثير منها القضية الفلسطينية على المحلية، ايماناً بأهمية القضايا القومية، و"بأنها الأساس التي منها يكون الحل لكافة القضايا"، كما أشار في إحدى خطبه الأخيرة.
ختاماً، تشكل حركة "أنصار الله" اليوم جزءاً مهماً من الواقع السياسي في اليمن. وفي ظل التظاهرات التي تنظمها الحركة في صنعاء، لا بد للحكومة الحالية أن تعيد القراءة بما تمثّله الحركة، فتلجأ الى اشراكها في اللعبة السياسية، خصوصاً في ظل ما تشهده منطقة شبه الجزيرة العربية من خلافات وإضرابات مع تنامي الأطماع السعودية في خيرات اليمن ورغبة "آل سعود" بوضع يدهم على مضيق باب المندب ولو كلفهم الأمر "قلب اليمن على ساكنيه".