ارشيف من :آراء وتحليلات

عرسال والجيش: سباق بين التصعيد والتسوية

عرسال والجيش: سباق بين التصعيد والتسوية

النار تحت الرماد في عرسال. وهي "جرح مفتوح" لان الوضع فيھا ما زال مثيرا للقلق. قضية العسكريين المخطوفين عالقة ومستمرة لفترة طويلة لان الجيش اللبناني غير قادر على المساومة وبالتالي لا مقايضة بين العسكريين الاسرى وإرھابيين موقوفين... والوساطة التركية ـ القطرية التي يحكى عنھا همسا غير موجودة على أرض الواقع... وعمليات دخول المسلحين الى عرسال تجددت وإن على نطاق محدود، في وقت تزداد أعداد المسلحين في جرود عرسال والقلمون وتظل عرسال وجھة أساسية لھم وقاعدة خلفية لا يمكن الاستغناء والانقطاع عنھا.

ولكن الاھم والاخطر من كل ذلك ھو الاشتباك السياسي الذي اندلع حول أحداث عرسال وكان محوره الجيش الذي وضع، قيادة ومؤسسة، في دائرة المساءلة والمحاسبة. وھذا نادرا ما يحصل، وإذا حصل فليس في توقيت حرج وحساس حيث تشهد البلاد ازمة بنيوية في مؤسساتها لا سيما تعثر انتخاب رئيس للجمهورية.

مسألة ترتيب البيت اللبناني باتت على النار، خصوصا في ظل المخاطر التي تحدق بلبنان إذا ما بقيت الساحة السياسية على ھشاشتھا كما ھو حاصل اليوم. ووفق المعلومات المتوافرة، يبدو أن هناك مساعيَ جادة لتسوية انتخاب رئيس جديد وقد باتت مطروحة بشكل مبدئي، لكن عناصرھا تحتاج الى مزيد من الاخذ والرد بانتظار تطورات المنطقة لا سيما اختبار تشكيل حكومة اتحاد وطني في العراق وحكومة حسم عسكري في سوريا.

عرسال والجيش: سباق بين التصعيد والتسوية
الجيش اللبناني

وفي المعلومات أيضا ، فإن المعطيات الاخيرة أخذت تؤشر الى الحاجة لحسم ملف الرئاسة قبل الاستحقاق النيابي، وبالتالي البت بھذا الملف في أيلول المقبل أو مطلع تشرين الاول.

وحسب المعلومات فإن ھناك حراكا يجري في ھذا المجال لا سيما من قبل النائب وليد جنبالط بالتشاور مع الاطراف لا سيما الرئيس نبيه بري (جنبلاط يستشعر الان أن التطورات الاقليمية جعلت كل القوى السياسية داخل المأزق الخطر، وھو ما قد يساعد على التوافق، ولو التوافق المرحلي أو الانتقالي، على شخصية رئيس الجمھورية). غير أن معالم وتفاصيل ما يجري العمل عليه غير واضحة أو ناضجة بشكل كامل حتى الان، خصوصا أن العلاقة المتوترة داخل تيار المستقبل وفيما بين اطراف 14 اذار لا تساعد على الوصول الى نتائج إيجابية حول ھذا الاستحقاق .

وترى مراجع سياسية في بيروت أنه واضح أن لبنان بات الآن في مرحلة ترقب تطورات تكتسب طابعا استثنائيا غير مسبوق في رسم التوجھات الاقليمية والدولية وسط تنامي المؤشرات الى قيام تحالف دولي ـ إقليمي لمواجھة المد الزاحف لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا. وتبعا لھذه الاولوية القصوى يصعب توقع أي تطورات سريعة في لبنان من شأنھا أن تستبق ما ستؤول إليه المساعي المتسارعة لقيام ھذا التحالف الذي سيكون من شأنه أن يضم أضدادا وأعداء وخصوما وحلفاء على قاعدة التوحد على محاربة "الداعشية" المنذرة بتغيير وجه المنطقة برمتھا. وبمعنى أوضح تستبعد الاوساط المطلعة أن يصبح ممكنا الرھان على أي تغيير جذري في الازمات اللبنانية المتصلة الحلقات وسط ھذه المعمعة الاقليمية والدولية ما دام لا قدرة داخلية على إطلاق أي مبادرة ذاتية لوضع حد للازمة الرئاسية باعتبارھا الازمة الام التي يبدأ بھا فك الارتباط ولو نسبيا مع البراكين الاقليمية. ولذا يغلب الاعتقاد أن المرحلة الفاصلة عن انتھاء الولاية الممتدة لمجلس النواب في العشرين من تشرين الثاني المقبل ستطلق نوعا جديدا من الحسابات والرھانات الداخلية نظرا الى تداخل ھذه الفترة مع عناصر وعوامل قد تكون حاسمة في رسم المشھد الدولي الجديد الذي سيطل على المنطقة إذا نجحت مساعي قيام تحالف دولي وإقليمي واسع لمواجھة "داعش".

وثمة عنصر إيجابي يبنى عليه يستند الى الرغبة التي تعبر عنھا العواصم الكبرى في انخراط إيران في الجھود التي تبذل من أجل مواجھة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق ما يعيد إدخال إيران من ضمن الشراكة مع الدول الغربية من باب محاربة الارھاب. وهذه الاجواء انسحبت على اللقاءات الايجابية بين السعودية وايران . وھذه الرؤية الاخيرة للوضع في العراق تسمح لاصحابھا بالتفاؤل بأن الوضع في لبنان سيكون التالي على اللائحة الاقليمية والدولية ولن ينتظر الوضع السوري، نظرا الى التعقيدات في سوريا وتداخلھا مع عوامل إقليمية ودولية كثيرة، ما يحمل على إمكان حصول الانتخابات الرئاسية قبل نھاية تشرين الثاني المقبل.

هذه النظرة التفاؤلية تواجهها تحركات تصعيدية من اطراف عربية ولبنانية متضررة من اي تقارب او حوار بعد مبادرة السيد نصر الله الاخيرة . هل تتجرأ الاطراف المعتدلة في 14 اذار على ملاقاة حزب الله في تسوية تاريخية انقاذية ؟ ام تنجح الاطراف المتطرفة والمتضررة في 14 اذار بتفجير الوضع انطلاقا من عرسال ؟
2014-08-28