ارشيف من :آراء وتحليلات

النفاق الأميركي في التعاطي مع الازمة العراقية

النفاق الأميركي في التعاطي مع الازمة العراقية
في يوم الاربعاء الماضي، العشرين من الشهر الجاري، خرج الرئيس الاميركي باراك اوباما على العالم ليتحدث عن تنظيم داعش الارهابي، ومن بين ما قاله:

-"ان جماعات داعش اقترفوا جرائم ابادة جماعية واجبروا المئات على ترك منازلهم لأنهم يعتنقون دينا آخر".
"ان داعش ليس لديه اي أيديولوجية او عقيدة او قيم انسانية وان عقيدتهم مفلسة، وان الولايات المتحدة ستعمل ضد داعش والإرهاب بالتعاون مع الاخرين".
-"على الشعب العراقي الذي يدعمنا ان يعمل على طرد الارهابيين، وعلى السوريين أيضاً ان يعملوا على طردهم لأنهم لا يجب ان يعيشوا في ظل إرهابيين".

وبحسابات رياضية بسيطة جدا يمكن ان نشير الى ان الرئيس الاميركي لم يتحدث عن تنظيم داعش بمثل هذه اللهجة الصريحة رغم ما ارتكبه من جرائم بشعة في سوريا منذ اندلاع الازمة فيها قبل اكثر من ثلاثة اعوام، ولم يتحدث بمثل هذه اللهجة الصريحة، مع ان تنظيم داعش ارتكب ابشع وافظع الجرائم خلال الشهرين الماضيين في العراق، لا سيما بحق اهالي قضاء تلعفر، واهالي ناحية امرلي. ناهيك عن مدن ومناطق اخرى شملت مساحات غير قليلة من جغرافيا العراق.

قرر الرئيس باراك اوباما ان يتحدث عن "داعش" بحدة وصراحة وغضب وانفعال، بعد ان قام ذلك التنظيم الارهابي بذبح الصحفي الاميركي جيمس فولي، وهدد بقتل رهائن اميركيين اخرين.

 ما نشهده من مواقف
وادوار اميركية وغربية
 يعكس النفاق
بأوضح صوره

قبل الصحافي فولي لقي المئات-ان لم يكن الالاف-من العراقيين مصرعهم -وقبلهم السوريون- على ايدي جماعات داعش بطرق ووسائل قد يعجز العقل عن تصور بشاعتها وهمجيتها، علما انه في الاسابيع الاولى للازمة بعد سيطرة داعش على محافظة نينوى، كان القسم الاكبر من ضحايا داعش ينتمون الى مكون مذهبي واحد، وكانت الولايات المتحدة والكثير من الدول الغربية والعربية تكتفي بالتفرج، وتقول انها ستتدخل في الوقت المناسب، وربما لم يدر في خلد واشنطن ان نار داعش ستنشب في اذيالها، لتهدد كل جسدها وكيانها.

النفاق الأميركي في التعاطي مع الازمة العراقية
الرئيس الامريكي باراك أوباما

منذ البداية بدا واضحا ان الولايات المتحدة الاميركية تتعاطى بقدر كبير من الانتهازية مع ما يحدث في العراق من جرائم داعشية، فمآسي تلعفر وامرلي ومدن ومناطق اخرى ذات هوية مذهبية وقومية معينة لم تثر مشاعر صناع القرار وراسمي السياسات في واشنطن وعواصم غربية اخرى، بيد ان استهداف المسيحيين والايزيديين في مركز محافظة نينوى وسنجار وغيرهما من قبل تنظيم داعش عبر القتل والاغتصاب والتهجير، ووقوع الاكراد في مرمى نيران ذلك التنظيم الارهابي، حرك المشاعر واثار النفوس واحدث قلقا بقدر معين في العواصم الغربية، وفي مقدمتها واشنطن، لتسارع من جانب بتحريك سلاحها الجوي لتوجيه ضربات لاوكار داعش، ومن جانب اخر اغاثة النازحين، فضلا عن اعلان بعض الدول الغربية فتح ابوابها لهم كلاجئين بصفة انسانية.
وينقل سياسي عراقي بارز انه التقى السفير الاميركي في العراق روبرت ستيفن بيكروفت بعد الغارات الجوية الاميركية على اوكار تنظيم داعش في مناطق التماس مع اقليم كردستان، وقال له من باب التهكم"كانت ضرباتكم لداعش موفقة، ولكن لماذا لم تنفذوا مثل هذه الضربات قبل ذلك، وفي مدن اخرى؟"، فردّ السفير قائلا "لدينا هناك قنصلية اميركية ونحرص على حمايتها"، بيد ان السياسي العراقي لم ينه النقاش ورد على السفير "اليس لديكم سفارة في بغداد، وقنصليات في مدن عراقية اخرى؟"، حينذاك تهرب السفير الاميركي من الاجابة وحاول ان يغير الموضوع.

واللافت جدا ان اربيل باتت قبلة الساسة الغربيين، وسنجار المنكوبة مبكى يذرفون الدموع قريبا منها ان لم يكن فيها، علما ان امرلي القريبة منها نوعا ما والتي لا تقل مأساتها عن ماساة سنجار لا تكاد تذكر، حتى ان قرار مجلس الامن الدولي المرقم 2170 لم يشر اليها لا من قريب ولا من بعيد، ونفس الشيء يصدق على مدينة تلعفر.

وبعد مقتل الصحفي الاميركي جيمس فولي ازدادت حدة المشاعر واضطربت النفوس، وتصاعد القلق، وتحديدا في داخل اوساط مراكز القرار السياسي في واشنطن، وما زاد الطين بلة ان تنظيم داعش توعد بتكرار ما فعله مع الصحفي فولي مع مواطنين اميركيين اخرين ان استمرت الولايات المتحدة في غاراتها الجوية ضده.

ولم يكن امام واشنطن سوى خيارين، امام الاستسلام والخنوع، او التحدي والتصعيد، حتى وان بدا الاخير شكليا، وما خطاب اوباما الذي اشرنا الى عبارات منه الا تعبير عن الخيار الثاني، وكذلك ما قاله كل من وزير الحرب تشاك هيغل، ورئيس هيئة اركان الجيش الاميركي الجنرال مارتن ديمبسي.

بيد ان الامر لا يمكن له ان ينتهي بمثل تلك العبارات، لان من يريد ان يصدق بما قاله اوباما، ينبغي عليه ان ينظر قليلا الى الوراء، ليتوقف عند الكثير من مواقف وتوجهات واقوال وادعاءات الولايات المتحدة، ويتوقف عند الكثير مما تتحدث عنه وسائل الاعلام الاميركية والغربية عن دور واشنطن وبعض حلفائها في ايجاد تنظيم داعش ودعمه ومساندته، وعن المئات –ان لم يكن الالاف-من حاملي الجنسيات الاجنبية، وبالتحديد جنسيات دول اوروبية مثل بريطانيا والمانيا وبلجيكا، الذين جاؤوا الى سوريا والعراق ليقاتلوا تحت راية تنظيم داعش، ويتوقف عند ما تفعله الولايات المتحدة هنا ولا تفعله هناك، مع ان المشهد واحد بكل تفاصيله وجزئياته وادواته.

من يقول ان ما نشهده من مواقف وادوار اميركية وغربية يعكس النفاق بأوضح صوره، والازدواجية بأجلى مصاديقها، والانتهازية بأبشع اساليبها، فهو صائب جدا، والا هل علينا ان ننتظر حتى يذبح "داعش" فولي لتعرف اميركا انه-اي داعش-سرطان العصر ولا مكان له في القرن الواحد والعشرين؟!.
2014-08-29