ارشيف من :آراء وتحليلات
تنامي أنشطة الجماعات التكفيرية بمنطقة الساحل والصحراء
أكد أغلب الخبراء والمحللين، أن إعلان المدعو أبو بكر شيكاو زعيم تنظيم "بوكو حرام"، عن قيام ما سماه "دولة الخلافة" في منطقة "غوزا" الواقعة بولاية بورنو شمال شرق نيجيريا، سيدفع بالجماعات التكفيرية في البلاد المغاربية للمضي قدما في مخططاتها الهادفة إلى زعزعة استقرار هذه الدول. فشمال نيجيريا المسلم هو جزء من منطقة الساحل والصحراء التي تنتمي إليها بعض بلدان شمال القارة، وساكنة هذه الأقاليم النيجيرية هي امتداد لشعوب الصحراء الكبرى الإفريقية.
ويؤكد هؤلاء أن فوضى السلاح التي اجتاحت المنطقة بعد انهيار النظام الليبي مكنت التكفيريين ومنهم جماعة بوكو حرام من الحصول على أحدث أنواع الأسلحة. وقد مكن هذا الوضع الجديد "الجماعات الجهادية" من حسم أغلب المعارك التي خاضوها مع الجيوش النظامية وهددوا بعض الدول بالإندثار لولا التدخل الخارجي على غرار الحالة المالية.
حدود مترامية
وتستقر بالصحراء الكبرى الإفريقية مافيات خارجة عن القانون ومرتبطة بشبكات دولية، تقوم بتهريب كل شيء عبر الحدود بما في ذلك الأسلحة. فحتى أباطرة المخدرات اللاتينيون الذين أغلقت أوروبا سواحلها الأطلسية الشمالية بوجه أنشطتهم متواجدون بكثافة خصوصا بدولة غينيا بيساو ولديهم ارتباطات بهذه المافيات التي تقوم بإيصال المواد المخدرة إلى سواحل شمال القارة لشحنها برا إلى أوروبا.
فالحدود بين بلدان الصحراء الكبرى الإفريقية مترامية ويصعب ضبطها ومراقبتها نظرا لضعف إمكانيات البلدان المطلة على هذه الصحراء، ونظرا أيضا لتواطؤ جهات فاعلة داخل هذه البلدان مع المهربين والخارجين عن القانون إما لخدمة أجندات سياسية محددة أو من أجل الربح المادي في ظل تدني الأجور في هذه البلدان حتى بالنسبة لكبار المسؤولين، لأنها بلدان فقيرة رغم توافرها على ثروات طبيعية هائلة.
جماعة "بوكو حرام"
العصر الذهبي
وبالتالي فإن بوكو حرام وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الشريعة وغيرها من التنظيمات التكفيرية، تعيش الآن، وبحسب أغلب المحللين، عصرها الذهبي، بسبب ما توافر لها من أسلحة ومن بيئة حاضنة نتيجة لانهيار الأنظمة القمعية في المنطقة. وهي قادرة، بحسب أغلب الخبراء والمحللين على إعلان دولة مترامية في منطقة الساحل والصحراء، إذا وحدت جهودها ونسقت أكثر فيما بينها خاصة إذا وصل امتدادها إلى العمق الصومالي من خلال تنظيم " الشباب المجاهدين".
فجيوش مالي وتشاد والنيجر هشة وغير قادرة على الوقوف بوجه هذه التنظيمات دون تدخل خارجي وتحديدا من فرنسا المستعمر السابق، الذي لن يمكنه بأي حال من الأحوال فتح جبهة جديدة في القارة السمراء وهو الذي ما زال يعاني الأمرّين في إقليم الأزواد بشمال مالي. كما أن الجزائر بلد شاسع ورث أراضي مترامية من المستعمر السابق، ومهما بلغت قوة جيشه فإن حدوده الصحراوية تصعب السيطرة على حركة المرور عبرها بالكامل، فيما ليبيا تشهد حالة من الفوضى وهي مستباحة من هذه التنظيمات التي أصابتها في مقتل.
ويرى البعض بأن هذه الفوضى التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء هي جزء من مخطط غربي هدفه المزيد من الهيمنة على ثروات المنطقة من نفط وغاز طبيعي وفوسفات ويورانيوم... فيما يرى آخرون بأنه نتاج طبيعي لعقود من غياب التنمية والديمقراطية في هذه البلدان في ظل أنظمة ديكتاتورية مستبدة ساست بالحديد والنار.
ويبدو بأن الأمر هو نتيجة لكلا العاملين، فالأطماع الغربية في المنطقة تاريخية وقديمة ودائما ما كان الصراع على النفوذ بين القوى الإستعمارية يؤدي إلى حالة من الفوضى والإقتتال الداخلي، كما أن الولايات المتحدة عبرت مبكرا عن رغبتها في إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة ( الأفريكوم) لمحاربة الإرهاب في هذه الرقعة من الأرض حتى قبل استفحال ظاهرة الإرهاب التي أجبرت جيوش المنطقة على غرار الجيش التونسي على إبرام صفقات عسكرية ضخمة استفادت منها الشركات الأميركية بالدرجة الأولى. كما أن الفقر والتهميش وانسداد الآفاق الذي يعيشه الشباب في هذه البلدان ينمي من نزعته نحو التطرف والحال يكاد يكون متشابها بين جميع هذه البلدان وهو ما أوجد البيئة الخصبة لتنامي ظاهرة الإرهاب التي استُغلت على الوجه الأكمل من قبل قوى الهيمنة الغربية.