ارشيف من :آراء وتحليلات

انتصار غزة : ضربة قوية لكيان العدو

انتصار غزة : ضربة قوية لكيان العدو
يشن الانهزاميون العرب حرباً شعواء على كل انتصار تحققه المقاومة في مواجهاتها مع العدو الصهيوني. وقد بالغت وسائل إعلامهم في تسليط الأضواء على الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تعرض لها قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، ولم تترد في التركيز على الحجم الضئيل المزعوم لهذه الخسائر في الجانب الإسرائيلي. لكن الحقيقة شيء والتعتيم على الحقيقة شيء آخر.

لا شيء أكثر إثارة للحنق عند الصف الانهزامي العربي -بما هو امتداد للمعسكر الصهيو أميركي- من انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين وكل مكان آخر. وهذا أمر طبيعي جداً لأن هذه الانتصارات التي تسجلها المقاومة إنما تأتي في سياق يعطل عملية الانهزام التي استحكمت، خلال العقود الأخيرة، بمعظم الأنظمة العربية.

إفلاس منطق الهزيمة

وبالطبع، لم يكن للانهزاميين العرب أن يقفوا مكتوفي اليدين أمام تراجع منطق الهزيمة الذي يراهنون عليه كسبيل وحيد للاحتفاظ بمواقعهم كتابعين للسيد الأميركي وطفله الإسرائيلي المدلل. لذا عملوا بكل وسيلة للحط من قيمة انتصارات المقاومة. فإلى جانب الهجمة الدولية والإقليمية التي تستهدف محور المقاومة وتأخذ، بشكل رئيسي، شكل الإرهاب التكفيري، تضطلع الحرب النفسية التي تشنها وسائل إعلامهم بدور مهم في المسعى الهادف إلى إنكار تلك الانتصارات أو، في حال العجز عن إنكارها، إلى تصويرها كمغامرات غير مسؤولة لا ينتج عنها غير الخسائر الفادحة التي تلحق، بشرياً ومادياً، ببيئاتها الحاضنة بفعل ما يصدر من "ردود" إسرائيلية "مشروعة" عليها.

انتصار غزة : ضربة قوية لكيان العدو
انتصار غزة


 وسائل إعلام الانهزاميين العرب تروج علناً لـ "مشروعية" العدوان الإسرائيلي على غزة
وقد شهدنا نماذج صارخة لهذا المسعى خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006، وفي الحروب العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة وآخرها عملية "الجرف الصامد" التي خرجت منها غزة أقوى مما كانت، ودخل معها الكيان الصهيوني في وضع أكثر قلقاً وتأزماً واقتراباً من النهاية المحتومة مما كان عليه في السابق.

ومع هذا، لم يتوقف الانهزاميون العرب عن ترداد مقولاتهم عن الصواريخ "العبثية" وضخامة الخسائر اللبنانية أو الفلسطينية مقارنة بالخسائر الإسرائيلية. والحقيقة أن كثيرين قد ينظرون إلى الفارق بين الخسائر عند الطرفين بشكل يعزز وجهة نظر الانهزاميين. لكن هذا الفارق لا يشكل العامل الوحيد في تحديد الجهة الرابحة أو الخاسرة.

نهاية الكيان الصهيوني... في المدى المنظور

ولسنا هنا في معرض تعداد العوامل الفاعلة في هذا المجال. تكفي الإشارة إلى فشل العدوان الإسرائيلي في تحقيق هدفه الأساسي المتمثل بضرب المقاومة، وقدرة المقاومة في غزة على الصمود لأكثر من 50 يوماً وعلى الاستمرار في قصف معظم المدن الإسرائيلية، وما رافق ذلك من إرباكات شملت مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية داخل الكيان الصهيوني، للخروج بنتيجة مفادها أن أزمة الوجود التي تعيشها "إسرائيل" قد شهدت المزيد من التفاقم وجعلت نهايتها أمراً ملموساً في المدى المنظور.

وحتى على مستوى الفارق في الخسائر، فإن من المعروف أن شفافية المعطيات والأرقام في الجانب الفلسطيني يقابلها تعتيم شبه كامل في الجانب الإسرائيلي. وعليه يمكن القول بأن المعلومات التي تحدثت عن الخسائر البشرية الفلسطينية (2174 شهيداً و10870 جريحاً) هي معلومات صحيحة مئة بالمئة. أما المعلومات التي سمح الكيان الصهيوني بتسويقها عن الخسائر البشرية الإسرائيلية فقد أكدت، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن عدد القتلى الإسرائيليين قد بلغ 66 جندياً و6 مدنيين إضافة إلى 720 جريحاً.

فإذا ما افترضنا أن هذه الأرقام عن الخسائر الإسرائيلية جديرة بالثقة، فإن الفارق بين الفلسطينيين والإسرائيليين لجهة القدرة على تحمل الضربات واستيعابها يقودنا إلى القول بأن مفاعيل الخسائر في الجانب الإسرائيلي هي أشد إيلاماً مما هي عليه في الجانب الفلسطيني.


 مئات الجنود الإسرائيليين حاولوا الانتحار أو جرحوا أنفسهم بالرصاص خوفاً من مواجهة رجال المقاومة
لكن المعادلة تأخذ بعداً أكثر كارثية بالنسبة للجانب الإسرائيلي في حال لم تكن أرقام المرصد الأورومتوسطي جديرة بالثقة يالمقارنة مع أرقام تم تسريبها من تقارير لعاموس شاريل، الخبير في المسائل العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، ومستشار اللجنة الأمنية الوزارية الإسرائيلية. فبحسب هذه الأرقام، بلغت الخسائر البشرية الإسرائيلية منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة حتى تاريخ 23 آب/أغسطس المنصرم 610 قتلى من العسكريين بينهم 113 ضابطاً. أما عدد الجرحى فبلغ 1241 بينهم 362 ضابطاً. ويضاف إلى ذلك 166 جندياً حاولوا الانتحار و830 جندياً جرحوا أنفسهم بالرصاص بهدف الابتعاد عن ميدان المعارك، كما تم اعتقال أكثر من مئة جندي تابعين للواء "غولاني" لأنهم "أضربوا" عن القتال أثناء الهجوم البري الفاشل والباهظ التكلفة. وكل ذلك دون حساب "المدنيين" الذين يعيشون في المناطق الواقعة في مرمى الصواريخ الفلسطينية، وهي مناطق شديدة الاكتظاظ بالسكان كما هو معروف.

وأياً يكن الأمر، فإن هذه الأرقام، وحتى تلك الصادرة عن المرصد الأورومتوسطي، تشكل تكذيباً فاضحاً لمقولات الانهزاميين العرب عن لا جدوى المقاومة، ما لا يعني شيئاً آخر غير الدعوة إلى الاستسلام الكامل للعدو الصهيوني.

2014-09-03