ارشيف من :أخبار عالمية
مكافحة الاتجار بالبشر معاييرها دولية وليست أميركية
تناولت الصحف الكويتية والخليجية طوال الأسبوع الماضي، ولا تزال مستمرة، بالنقد والتعليق والاحتجاج على تصنيف دولة الكويت ضمن الفئة الثالثة مع 17 دولة اخرى لكونها، وفقا للمعايير الاميركية، من الدول التي لم تتخذ اي اجراءات قانونية او ادارية جادة للحد من جريمة الاتجار بالبشر، حيث تناول العديد من الكتاب وبعض منظمات المجتمع المدني، اضافة الى تصريحات المسؤولين الرسميين في الدولة كما قال وزير الشؤون الاجتماعية والعمل د. محمد العفاسي اثناء مقابلة سفيرة الولايات المتحدة لدى الكويت ديبورا جونز، حيث وصف هذا التقرير، بانه: «مجحف ولا يستند الى اي وثائق او معلومات تلامس ارض الواقع ويتضمن كلاما مرسلا وغير دقيق» وكذلك شجب بعض نواب مجلس الامة بشكل عام هذا التقرير لانه يضر بسمعة الكويت.
بداية نود الاشارة الى ان هذا هو التقرير التاسع والصادر من وزارة الخارجية الاميركية، بعنوان تقرير الاتجار بالبشر يتكون من 324 صفحة، يتناول تقييم الجهود الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في حوالي 173 دولة في افريقيا واسيا وأوروبا والشرق الأوسط بشكل اساسي من هذه الجريمة من الناحيتين القانونية والإدارية وعلى أرض الواقع، وتضمن التقرير ايضا وبشكل موجز في صفحة 57 فقط، الجهود الوطنية والتشريعات المحلية الخاصة للحد من الاتجار بالبشر في الولايات المتحدة على المستويين الفدرالي وفي الولايات، ويذكر التقرير ان حكومة الولايات المتحدة تعمل منذ 2008، على تقييم الجهود الوطنية في تفعيل القوانين من قبل القائمين على ذلك من خلال اصدار تقرير منفصل تتولى القيام به وزارة العدل.
من جانب آخر، يحدد التقرير الغرض من اصداره، وهو ا نه بموجب القانون الاميركي يجب على وزارة الخارجية الاميركية اعداد تقرير سنوي للكونغرس الاميركي، بشأن جهود الحكومات الاجنبية للحد من جميع انواع الاتجار بالبشر، يسعى التقرير الحالي الى زيادة الوعي العالمي بظاهرة الاتجار بالبشر من خلال القاء الضوء على العديد من الحقائق الجديدة لهذه المشكلة واظهار العوامل المشتركة والجهود الفردية لدول المجتمع الدولي، وتشجيع الحكومات لاتخاذ التدابير الفاعلة للقضاء على جميع اشكال الاتجار بالاشخاص.
تجدر الاشارة الى ان مشكلة الاتجار بالبشر، تعد من المواضيع التي حظيت باهتمام كبير من قبل دول المجتمع الدولي منذ بداية الخمسينات، وفي ضوء تفاقم هذه الظاهرة في معظم دول المجتمع الدولي.. واعربت الدول في اعلان الالفية عن تصميمها على اتخاذ تدابير لضمان احترام حقوق المهاجرين وعلى تكثيف جهودها لمكافحة الاتجار، وقام مجلس حقوق الإنسان في الامم المتحدة في سنة 2008، بتعيين المقرر الخاص المعني بأنواع الاسترقاق المعاصر وتشمل ايضا الاتجار بالبشر، لاسيما النساء والاطفال، ومن قبل تصدت الامم المتحدة ومنظمة العمل الدولية لهذه الظاهرة لحث الدول على قمع ومنع الاتجار بالبشر من خلال المؤتمرات الدولية وإبرام الاتفاقيات الدولية، مثال ذلك وضع المبادئ والمبادئ التوجيهية الموصى بها بشأن حقوق الإنسان والاتجار بالبشر الصادرة عن مفوضية الامم المتحدة لحقوق الإنسان لعام 2000، وتضمن البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالاشخاص، وبخاصة النساء والاطفال (2000)، المعايير الدولية الملزمة للدول الاطراف في هذا البروتوكول، وصادق عليه حتى عام 2009 ، 130 دولة من بينها الولايات المتحدة قبل أربع سنوات فقط (2005)، علما بان هذا البروتوكول يكمل الاتفاقية مع الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والسارية المفعول منذ عام 1951، الى جانب العديد من الاتفاقيات الاقليمية لمناهضة الاتجار بالاشخاص وبصورة خاصة النساء والاطفال.
رغم هذه الجهود الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر، تعطي وزارة الخارجية الاميركية نفسها الحق في تصنيف دول العالم إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى، تتضمن 28 دولة غالبيتها من الدول الأوروبية، وهي الدول التي تتقيد حكوماتها بالكامل بمعايير التشريع الاميركي بشأن حماية ضحايا الاتجار بالبشر، والفئة الثانية، تتضمن 76 دولة، وهي الدول التي لم تتقيد حكوماتها بالكامل بمعايير التشريع الاميركي بشأن حماية ضحايا الاتجار بالبشر، ولكنها تبذل جهودا مهمة لكي تتقيد بهذه المعايير، وتدخل ضمن هذه الفئة حوالي 51 دولة لاتزال حكوماتها لا تتقيد بمعايير القانون الاميركي لمكافحة الاتجار بالبشر (الحد الأدنى) ولكنها تبذل جهودا مضنية للتقيد بهذه المعايير، إلا أنها تواجه عقبات، وفشلت في تقديم الأدلة على زيادة الجهود لمكافحة الحالات المستعصية للاتجار بالأشخاص من السنة السابقة.
وبالنسبة الى الفئة الثالثة التي تشمل 17 دولة من بينها خمس دول عربية (الكويت، السعودية، سوريا، السودان، وموريتانيا) وهي «الأسوأ» من ناحية عدم تقيد حكوماتها كلية بالحد الأدنى من المعايير الاميركية ولا تبذل الجهود الجادة للقيام بمنع وقمع الاتجار بالبشر.
نتساءل في ضوء هذا التصنيف غير العادل لجريمة محرمة دوليا لا يمكن أن تبرأ ساحة أي دولة من دول المجتمع الدولي من ارتكابها باشكال مختلفة استنادا الى معايير داخلية، ولماذا تريد أميركا فرض معاييرها الوطنية بشأن الاتجار بالبشر على دول المجتمع الدولي، ولماذا تتجاهل المعايير الدولية التي حظيت بموافقة 130 دولة من الدول الاطراف في البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والاطفال لعام 2000، ولماذا لا تتقيد بما جاء في البند 11 من المبادئ والمبادئ التوجيهية الموصى بها بشأن حقوق الانسان والاتجار بالبشر الصادرة عن مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان لعام 2000، والتي تنص على التعاون والتنسيق فيما بين الدول والمناطق، استنادا الى ان «الاتجار بالأشخاص ظاهرة اقليمية وعالمية لا يمكن في جميع الحالات معالجتها بفعالية على المستوى الوطني من أجل مكافحة انشطة الاتجار بالأشخاص، ويصبح هذا التعاون ذا أهمية حاسمة عندما يتم بين بلدان تتصدى كل منها لمرحلة من مراحل الاتجار بالأشخاص تختلف عن مراحلها التي تتصدى لها البلدان الأخرى».
وأخيرا نتساءل: هل المعايير المنصوص عليها في المادة 5 من البروتوكول الدولي، بشأن مسؤولية كل دولة طرف في بروتوكول مكافحة الاتجار بالبشر في اعتماد ما يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم السلوك الاجرامي المحدد في المادة 3 من البروتوكول الدولي، يتطلب التقييد أولا تطبيق المعايير الاميركية، وذلك لتفادي الخضوع للعقوبات المالية والتجارية عليها. أم أن على اميركا الالتزام واحترام المعايير الدولية عند اتخاذ تدابير تشريعية والتدابير الأخرى لتجريم السلوك الذي يدل على ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر على المستوى الوطني، او في حالة قيامها بتصنيف دول المجتمع الدولي الى فئات مرضي عنها او مغضوب عليها استنادا الى مدى تقيدها او عدم تقيدها كلية بالمعايير الاميركية بشأن الاتجار بالبشر؟!
ونود التذكير ان التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الاميركية، بعنوان «تقرير الاتجار بالبشر» لعام 2009 بحاجة الى دراسة وافية ومتعمقة من حكومات ومنظمات المجتمع المدني ومن الخبراء القانونيين في الدول العربية، بغرض تصحيح الكثير من المعلومات غير الدقيقة والناقصة التي استند اليها القائمون على إعداد هذا التقرير غير المنصف ويشوبه القصور عند تقييم الوضع الحقيقي القائم في العديد من الدول العربية بشأن الجهود المبذولة لمكافحة هذه الجريمة النكراء بحق الانسانية جمعاء، خصوصا ان التقرير الاميركي يتجاهل بسوء نية المعايير الدولية التي تضع الإطار القانوني الدولي المتكامل لقمع ومنع الاتجار بالبشر على كل من المستوى الوطني والاقليمي والدولي.
المحرر الدولي + وكالات